في التاسع من نيسان 2003، حلت الذكرى الـ(11) على السقوط المهين والمذل لعصابات حزب البعث- الفاشي ، عبر احتلال العراق و((تحريره)) ، من نظام مارس ، ببشاعةٍ لا مثيل لها ، شتى أنواع الانتهاكات، ضد شعبه ، وقواه الوطنية ، وكل مكوناته الاجتماعية ، ولعله أول نظام استخدم الأسلحة المحرمة دولياً ضد أبناء بلده ، وظل يرعب بها دول الجوار، وشعوب المنطقة ، ومسح دولة ،عضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية ، وحولها عبر اجتياحه العسكري الهمجي ، إلى (محافظة). ومن السخريات المريرة ، انه كان يؤكد على احتفاظه ، فقط ، بحق تصدير حصتها، المقررة،من نفط منظمة الأوبك ، وليضع العالم والمنطقة، في أتون أزمة عالمية، بعد ثمان سنوات من الحرب المدمرة العبثية مع إيران. وكان النظام وممارساته ، سببا جوهرياً في تواجد القوات الأمريكية في المنطقة بكثافة، و(غزو) العراق من قبلها وحلفائها. أدت الفوضى التي سادت البلاد بعد الاحتلال ، إلى حصاد مرٍّ ، لم يخطر ببال العراقيين .. وأصبح العراق بكامله،عرضة للتخريب والنهب، ولتدخل مباشر، من قبل دول الجوار،وغيرها، ومن ينوب عنها ، وأعقب تلك الكارثة، قرارات غير صائبة ، ما زلنا ندفع أثمانها من الدماء والقوت والمستقبل، وكان يمكن في الأقل تحاشي الأخطاء التي أعقبتها، من قبل النخب السياسية العراقية،التي قادتها رياح التغيير العاصف ، للجلوس على هرم السلطة، وبعضها،تعامل مع العراق،غنيمة معروضة، في أسواق الجزارة والنخاسة السياسيتين، فأنشبوا سكاكينهم فيه ، كل يقتطع ما يشاء، ويسدد ما عليه من فاتورات ، أو يعوض سنوات الحرمانات . وتحول العراق إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين قوى محلية و إقليمية ودولية ، متضاربة ، فاجتذب هذا المناخ قوى الإرهاب العالمي، وتشكلت الميليشيات الطائفية ، والعصابات والمافيات، وتم اختلاس وتبديد مليارات الدولارات. عمدت سياسة الاحتلال ، إلى إرساء قواعد الطائفية سياسياً ، من خلال آلية
تشكيل (مجلس الحكم) وعمله المتدني*، الذي أورث الشعب العراقي مصاعب ومصائب لا يمكن تخطيها بسهولة . بعد سنوات على الغزو الأمريكي للعراق، لم تكن صورة واضحة- علنية ، لما تريده أمريكا للعراق ومنه.فالوقائع اليومية تكشف الدمار الواسع الذي لحق بالعراقيين ،حيث قتل منهم أكثر من 950 ألف لغاية 2013، وتذهب بعض الإحصاءات الدولية،المدنية، إلى أن في العراق مليون ونصف أرملة،دون حساب أرامل الحروب،نصفهن في العقد الثلاثيني من أعمارهن، كما تم تهجير مئات الألوف من منازلهم ومدنهم وقراهم، في عمليات فرز طائفي مقيت ، و لجأ بحدود مليون عراقي ، إلى دول الجوار. مع قتل وتصفيات يومية مذهبية- طائفية ، تعود لتاريخ وأزمنة الصراع التركي- الفارسي ، على الأرض العراقية ، وفرق جوالة للموت تصطاد الكفاءات والعقول العراقية، مهما كانت .. مع تدمير شامل للمنشآت والبنى الاقتصادية ، وسعى الإرهاب الدولي ، إلى الهيمنة على جزء، من ارض العراق.مع فساد الذمم والفوضى التي اتسمت بها الساحة الرسمية – الوظيفية العراقية، وضعف المنظومة الأمنية للدولة، التي تعنى بالتعامل مع العراقيين ، وفق حق المواطنة فقط. لقد تم تكريس سيطرة القوى السياسية (الدينية- الطائفية- القومية) على مفاصل الحياة في الشارع العراقي ، عبر انتخابات جرت في غير اوانها ، وبأجواء شحن وغليان ديني- طائفي- قومي ، وبات على إثرها العراقي ، يخضع لتمييز يقع في مقدمته اشتراطات ، هي في واقعها استنساخ فج، لما عمد إليه النظام البائد ، من خلال احتكار فرص العمل والوظائف ، وبذا يتم بعد كل الكوارث الاجتماعية التي عاشها العراقي، طيلة ثلاثة عقود وأكثر، العودة إلى إلغاء حق المواطنة ، وجعله حكرا،على من يتحكم في مفاصل تلك الوزارة أو هذه المؤسسة. يمكن الوثوق بأن الدولة الوطنية العراقية ، لم تؤسس حتى الآن، بعد انهيارها التام في 9 /4 /2003 ، على الأسس الصحيحة ، وإن هناك محاولات مستميتة لعرقلة تأسيسها ، على وفق القانون ، وما يترتب عليه من حقوق وواجبات،من قبل بعض القوى في داخل العملية السياسية العراقية الحالية ، الموزعة على الشكل الحالي للمئوسسات، التي يمكن عبرها
أن تنهض الدولة: دستور بمثابة عقد اجتماعي بين العراقيين ،رئاسة، مجلس وزراء، برلمان ،قضاء مستقل، مجتمع مدني فاعل، إعلام حر مستقل…الخ. بقيت أزمات الخدمات العامة وارتفاع مستوى البطالة يؤرق العراقيين، ويضعف الاستقرار الاجتماعي فيه ، وبدا الطيف السياسي العراقي ، خاصة في مجلس النواب ، عبر دورتين، نائياً عن مشاكل ومصاعب الحياة اليومية ومحنها . ويمكن للقوى العراقية الوطنية ، بكل مسمياتها وتنوعاتها، أن تقدم برامج مرحلية، واقعية قابلة للتنفيذ، فالعراقي (اتخم) بالوعود البراقة والشعارات. ويقع الأمن والسلم الاجتماعي في مركز اهتمام العراقيين، دون أن تعبأ غالبيتهم ، بمشاريع الحرب الأهلية ، التي تعمل عليها بعض القوى، وتفعلها بخطابات مشحونة،بما هو خلف العراقي نفسياً وفعلياً. وللخلاص من الأوضاع الراهنة ، وبناء العراق، على طريق التنمية والرقي الحضاري والاجتماعي ، لا بد من بناء الدولة الحديثة، باعتماد المواطنة والكفاءة والنزاهة والحقوق والواجبات، فأسس دولة العشرينات، لن تعود قطعاً، ناهيك عن عدم صلاحيتها، والدولة لن تبنى أيضاً، بالثأر من العراقيين ، ولا على أوهام الكثرة ، واحتكار الهوية، أو المظلومة التاريخية، واستغلال هشاشة سلطة المركز، وتعدد وتعارض مصادر قراراته ، وعدم انسجامها، لحصاد مكتسبات ، على حساب العراق الكل ، فالتوافق القانوني المؤسساتي ، المعني بالمواطنة دون تمييز، هو قدر العراقيين ، طال بهم الزمن أم قصر. بعد كل هذا التدمير والموت والخراب ، يلاحظ إن الروح العراقية ، لم تستجب لدعوى تفتيت العراق ، ولابد من فتح أفق جديد في العلاقات السياسية-الاجتماعية عبر الحوار، وتفعيل المصالحة الوطنية ، لا بين المتصالحين ، فالإجراءات والبرامج التصالحية- العشائرية، والخطط العسكرية والأمنية والمكرمية ، غير كافية وممكنة، للاستقرار الاجتماعي.
*عام قضيته في العراق/النضال من اجل غد مرجو/ بول بريمر- بالاشتراك مع ما لكولم ماك- كونل. ترجمة عمر الأيوبي، بيروت 2006.