23 ديسمبر، 2024 6:00 ص

في الأول من آبار”إن في نفسي شيئاً لن تستطيعوا قتله أبداً…”- بيشوب

في الأول من آبار”إن في نفسي شيئاً لن تستطيعوا قتله أبداً…”- بيشوب

عام 1886 في( شيكاغو) الأمريكية ثمة عمال يتظاهرون سلميا للمطالبة بتحسين ظروف عملهم وبؤس حياتهم بسبب الضغوط التي تمارس عليهم من قبل أصحاب العمل المسنودين بالسلطة السياسية وتشريعاتها المتوحشة وأجهزتها القمعية وعملائها الذين أطلقوا النار على عمال عُزل هزلت أجسادهم وذوت أرواحهم وتوجهوا سلمياً للمطالبة بالحق الأدنى من حياة البشر, وجراء ذلك سقط بعض العمال صرعى الرصاص ، و قسم من عملاء الشرطة السرية الذين كان دمهم مميزاً عن دم العمال. ولذلك تم دفع بعض العمال إلى محاكم صورية والحكم عليهم بالإعدام ونُفذ الحكم في حينه،.إزاء الهيجان الشعبي والسخط وموجات الاحتجاج واستيقاظ ضمائر بعض الحكام وإحساسهم بالذنب المتأخر واستمرار حملة الاحتجاجات في كل الولايات الأمريكية بضراوة وتفعيلها عالمياً، تكشفت الأسرار وأعيدت المحاكمة عام 1888 لتتم براءة المعدومين من العمال، بعد فوات الأوان، مع إدانة بسيطة للشرطة السرية الأمريكية ، دون تحميلها تلك المجزرة التي وقعت بحق هياكل عظمية لا ذنب لها سوى مطالبتها بالحد الأدنى في الحياة , وتخليداً لتلك الذكرى ومنعاً لتكرار همجية الرأسمالية وهي في طريقها للصعود على جثث ومصالح الشعوب، تنادت المنظمات العالمية العمالية عام 1889 والتي بدأت في تنظيم نفسها بجدية، لتخليد شريان الدم العمالي وجعل (الأول من آيار) في كل عام عيداً للعمال في العالم ، معلنين الحقيقة القوية البسيطة التي نطق بها العامل(بيشوب) وهو في طريقه إلى المشنقة قائلاً: “إن في نفسي شيئاً لن تستطيعوا قتله أبداً…”. ومع كل المتغيرات الكبرى التي وسمت التاريخ الكوني في القرن المنصرم وما صاحب ربعه الأخير من انهيارات مدمرة لأحلام ملايين البشر. وما رافق ذلك من وأد للآمال والأحلام, ومع تصاعد سعار الذئب الأمريكي المتوحش وشراسته ووحدانية قدراته العسكرية وبطشها ن ومحاولة تسيده العالم المعاصر, في قطبية أحادية بلا منازع ,ومع هذا وغيره.. فان ثمة شيئاً في الحياة والذات الإنسانية لا يمكن قتله حقاً, شيئاً في حياة بشرية آمنة لا قهر فيها ولا عدوان ولا تمييز بين البشر بغض النظر عن المكان و اللون والعرق والجنس, والدين وتفرعاته، فالحياة التي لا تعاش ثانية أثمن من تهضم من خلال القسوة والعنف والقتل والغدر والتمييز وشراسة البيروقراطيات, مهما كان الرداء الذي خلفها أو التبريرات التي تتقنعها وكذلك قوة رأس المال الذي يقنع ارق الطبائع البشرية وأعظم الأفكار الإنسانية بجليد لا يمكن لأية قوة في الكون أن تذيبه ما لم تنسجم معه وتخدمه أو تحقق مصالحه . وخلال تاريخ العراق لعب العمال وتنظيماتهم النقابية – المهنية ، دوراً فاعلاً في البناء الاجتماعي ولم تشغلهم الطائفية السياسية والقومية مغلقة الأفق و المناطقية والعشائرية والتوجهات الدينية الزائفة , وأدت الطبقة العاملة العراقية دوراً اجتماعيا جوهريا منذ أن تبلور وعيها الطبقي في أوائل الثلاثينيات من القرن الفائت, فساهمت في وأد الأحلاف, والحكام الذين حاولوا فرضها على العراقيين , و مواجهة مخططات الاستعمار الإنكليزي الذي سعى إلى تحويل العراق ( محمية بريطانية) . إن مراقبة السجل والسفر النضالي لعمال العراق تاريخياً لا يمكن لفرد واحد توثيقه بدقة, ولكنه يثير في النفس زهو وعنفوان مجد صناع الحياة.. وبناة الأوطان .. ومستشرفي المستقبل. لقد انخرط ملايين العمال بعد 14 تموز 1958 في العمل النقابي التطوعي وتبلورت قدرات الطبقة العاملة العراقية في الدفاع عن منجزات ديمقراطية – مدنية ، كان يمكن أن تحدث تحولات جوهرية في المجتمع العراقي ولكن القيادة العسكرية خنقت بجهلها ودونية فكرها التحولات الجنينية الديمقراطية – التقدمية في العراق ، وساهم احتراب القوى السياسية في ذلك, ولم ترتفع تلك القوى للمستوى الوطني المناسب لتلك المرحلة, فسارت خلف التيار الشعبي الجارف بدلاً من قيادته, ورهنت الوطن لرغبات الجهلة من العسكر على أمل قطف الثمار في ساحة أخرى , لا علاقة لها بالوضع الشعبي العراقي المرتهن حينها لمصالح دولة كبرى أصبحت في ذمة التاريخ , وتزامن ذلك وشراسة القوى الرجعية المحلية- الإقليمية في لجم التحولات الديمقراطية في العراق والإجهاز عليها في عاصفة 8 شباط الدموية بدعم وتخطيط وتنسيق إقليمي – عربي – أمريكي واضح لا مجال لنكرانه, وما أن بدأت العافية تتجدد في الحياة العراقية حتى اطل البرابرة ثانية , وتم تبييض صفحاتهم السوداء السابقة وغسل أياديهم الملطخة بالدماء وتأهيلهم محلياً ، مع كل الرفض الشعبي الذي رافق ذلك, وسيق الشعب العراقي إلى محارق الحروب والتعسف وتبديد الثروات والمقابر الجماعية, والمهانة والفقر, و الوقوع فريسة للاحتلال والإرهاب و الاقتتال الطائفي ضمن مخططات دولية- إقليمية. لقد دمر رئيس النظام المنهار الوجود الطبقي للطبقة العاملة العراقية وبدد ارثها المعنوي – المادي وعتم على تاريخها النضالي. في (الأول من أيار) عيد صناع الحياة.. بناة المستقبل ، يطرح الواقع الراهن على العراقيين مهمات جسيمة في أولياتها قضية امن بلدنا ومواطنينا من الإرهاب وشرور الـميلشيات ومحاولتها تقاسم النفوذ في الساحة العراقية, وفق مصالح ومؤشرات لا علاقة لبلدنا بها، ومحاولة رسم الخارطة الجغرافية العراقية بما ينسجم ومصالح بعض القوى الإقليمية. إن إعادة بناء العراق المبني على أسس وطنية مدنية – سياسية متوازنة قائمة على قواعد العصرنة والتوجه صوب بناء الإنسان العراقي وطنياً و تجذير إحساسه بالوطنية- العراقية مع بناء دولة المؤسسات القانونية التي تؤسس للدولة العراقية, من اجل التحولات الاجتماعية التقدمية وإعادة الاعتبار للسلطات القضائية المستقلة والمؤسسات المدنية ، الحارس والضابط من طغيان أجهزة الحكومة في العبث بحياة الناس وكراماتهم, وفي مقدمة تلك المؤسسات المدنية, النقابات العمالية المستقلة عن الحزبية وأهدافها في الكسب الحزبي ، وبعيداً عن الطائفية و محاصصاتها المقيتة, وتلك المؤسسات والنقابات العمالية , كفيلة بإعادة شريان الحياة للعراق اجتماعياً – اقتصادياً, من اجل أن يتمتع أبناء العراق وبما ينسجم وما يملكون من ثروات مادية هائلة, ويتوافق مع العدالة الاجتماعية – الإنسانية والتوجه صوب المستقبل عبر التخطيط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية التي تنسجم والأسس القائمة على العصرنة, من اجل عراق قادم تتعمق فيه التحولات الاجتماعية التقدمية وبما ينسجم والإرث التنويري التاريخي العراقي المعروف.