23 ديسمبر، 2024 5:40 ص

فوضى “السيستاني”

فوضى “السيستاني”

مفهوم الفوضى الخلاقة الذي طرحه وزير الخارجية الأمريكي السابق “هنري كيسنجر” في سبعينيات القرن المنصرم،لم يكن نتاجاً فلسفياً خالصاً لـ كيسنجر أو من مخلفات أفكاره،بقدر ما هو “صياغة نص”،لواقع ومتغيرات تعرضت لها الشعوب،بعد نهاية الحرب العالمية الثانية،نتيجة أنظمة “الوصاية” أو “الانتداب” التي فرضتها الدول الغالبة على الدول المغلوبة.

فوضى كيسنجر فعلت،كفعل “حشرة الأرضة” في منطقتنا العربية،فقد آتت على ذلك الجسد المحتضر على مدى قرون،لترديه طوداً أجوفا خاوياً يعاني “الزهايمر”،لا يد تصول ولا بصر يطول.

لتدخل الأمة في نفق مظلم طويل،أصابها بيأس شديد بدده خيط ضياء في نهاية النفق،لأقلية معارضة صامته في غاية الرقي،اتخذت من الصمت كهف لها،ودانت لأغلبية الأمة،لكنها تعلم أن الطريق ليس الطريق،فدفعت ضرائب كثيرة وهي صامدة على مدى قرون أربعة عشر.

قبل عقد من الزمن أعيد أنتاج الفوضى الخلاقة تحت مسمى رومانسي “الربيع العربي”،فترنحت أنظمة وبان خوائها رغم تسلطها الطويل على مقدرات الشعوب،فقد كانت في واد والشعوب بآخر!.

استهدفت خلال الربيع العربي طاقات الأمة ودول الممانعة،فيما تركت “بقرة الأمة”بعيداً عن شرارة ذلك الربيع،ولأسباب بات يدركها ابسط مواطن عربي،فحروب أمريكا التي تخوضها ضد العرب تكاليفها من “ضرع بقرة الأمة”!.

سيناريو العراق كان مختلف،فقد طبخ على عجالة،خشية تجاوز سقف “صف القرن”،فلم يُقدر وجود المرجعية الدينية ودورها وسط “الرأي العام العراقي”،فدخلوا العراق دون استشارة العم “سام”.

عندما حُذر “بوش” الأب من وجود عقدة المرجع “السيستاني”،قال: أعطوه أموال.أجابوه انه يملك مليارات ويسكن الإيجار ،وأمرته تطبخ له!!!،قال : لا اعرف… اوجدوا معه حلاً.

مع وطء أقدام جنود ” المارينز” ارض ” بلاد النهرين” وتنصيب “بريمر” حاكماً مدنياً على العراق،أصبح صراع الأمر الواقع بين الحاكم والمرجعية،وكان صراعاً في غاية الحكمة من جانب المرجع الكبير،الذي طالب في استفتاء عام،رداً على محاولات بريمر كتابة دستور على غرار الدستوري الياباني الذي كتبه الجنرال الأمريكي “مارك آرثر” عام (1945)، ولازال نافذاً!.

تحجج بريمر بوجود مناطق ساخنة،طالب المرجع بـ “الجمعية الوطنية”،لتمثيل جميع المكونات العراقية.

استمر صراع الطرفين،أثناء كتابة الدستور،فدعت المرجعية الى “نظام برلماني” وليس “رئاسي” لضمان عدم تغيير النظام السياسي ،لإمكانية تغيير الأنظمة الرئاسية بسهولة،كما حدث مؤخراً في مصر،فعملية تغيير الأنظمة الرئاسية،لا يحتاج سوى إلى دعم خارجي وجنرال يقرأ بيان رقم (واحد).

لم ينجح المشروع الأمريكي في العراق لحد اللحظة،بوجود المرجعية الواعية،ما اغضب أمريكا،فسعت الى معاقبة الشعب العراقي.

في سيناريو على غرار أفلام “هوليود”،دخلوا “رعاة الإسلام” الموصل،بشعار “باقية وتتمدد”!.

تهلل وجه صانع القرار الأمريكي فرحاً،بعدما خطط لمذابح العراقيين عدة عقود.

انتفض مرجع الأمة من محرابه،فأعلن “فوضى خلاقه” أنتجت وحدة وطن وشعب، أعادت روح النصر بعد هزيمة لتطرد “خفافيش” الظلام إلى جحورها.

فشتان بين فوضى كيسنجر التي دمرت البلدان والإنسان،وفوضى الأمام “السيستاني” التي قدمت أعظم قوى حشدية في القرن الواحد والعشرين،حفظت بلدان المنطقة من تداعيات خطيرة، لذلك علينا استثمار تلك القوى الحشدية والدفاع عنها من محاولات تجري في الخفاء لتفتيتها.