23 ديسمبر، 2024 4:27 ص

تابعت قبل أيام برنامجا حواريا من إحدى القنوات الفضائية العراقية لمناقشة مشاكل شبكة الإعلام العراقي وآلية إختيار رؤساء الشبكة وكان مع أحد الزملاء الكتاب والصحفيين ، وقد ساءني ما رأيت من محاولة لجر الزميل الى حوار رخيص لشتم حزب ما والإساءة لأحد الفضائيات العراقية وللعاملين فيها ، وكان كل ما قاله الزميل واضحا حيث شرح آلية الإختيار ولم يهاجم حزبا ولا شخصا بل قال بالحرف الواحد، إن ما تشتكون منه سببه طبيعة النظام المحاصصاتي الذي أقره الجميع ويشكون منه اليوم وبالتالي فلا ذنب لحزب ولا لشخص في الإختيار أو تبوأ المناصب بقدر تعلق الأمر بطريقة النظام السياسي والمحاصصاتي الذي فرض شروطا على الجميع والإنصياع لها وإلا فلن يحصلوا على شيء ، في حين تم تحريف كلام زميلنا لاحقا عبر مواقع التواصل الإجتماعي والموقع الألكتروني لتلك القناة التي تعود لحزب نافذ .

كم تمنينا أن نعيش تجربة مختلفة مع الإعلام العراقي بعد العام 2003 ونغادر الإرث السيء للبعث وحكمه الشمولي البغيض الذي جعل من الصحف والتلفزيون والإذاعة منابر للكذب الرخيص وتمجيد السلطة الغاشمة وتغليب مصلحة الحاكم على المحكوم وتحويله الى أبله يعبد ويقدس ويبجل من دون الناس ، ولا يبدو الشعب إلا مجموعات من الخانعين والراقصين حول نار الحاكم المعبود ، يكيلون له المديح ويمجدونه ويخلدونه وينسبون له كل حسنة ويبعدون عنه المسؤولية عن الخراب ، فقد قادنا صدام الى حروب عبثية مهزومة خرج منها منتصرا على وسائل الإعلام الكاذبة فقط وخرب الإقتصاد الوطني وظهر إعلاميا إنه منظر الإقتصاد والمحرك له والباعث فيه الروح ولولاه لمات الناس من الفقر والجوع والحرمان ، بينما الناس تعييش ذلك الحرمان بأبشع الصور .

لكننا صدمنا بعد 2003 بوسائل إعلام متعددة تشمل الفضائيات والإذاعات ووكالات الأنباء والمواقع الألكترونية والجرائد الورقية التي تتبع لأحزاب وكتل سياسية ومسؤولين حكوميين وتجار وأصحاب مشاريع تجارية وملاك شركات ومعامل ولديهم طموح يتعدى الى كل شيء إلا الشعب فهو كالعادة في آخر الإهتمامات لأنه لا يمثل حاجة سوى يوم التصويت في كل إنتخابات يقاد لها لكي يرشح من يراه مناسبا كما هي فرضية التصويت ، ولكن في الحقيقة فإن الناس يصوتون بحسب الإنتماء الطائفي والعرقي والحزبي والمناطقي والعشائري الذي يقود البلاد الى المجهول ويحيلها الى إقطاعيات لهذا الحزب وذاك .

وسائل الإعلام تلك تحولت الى منابر للتسقيط ولمناوشة الخصوم وتحويلهم الى شياطين أو لرسم صورة زاهية للزعيم الأوحد والخالد والبطل والمقدام والمختار والمطاع والمفكر والمنظر الذي لامثيل له ، وللأسف ففي الفترة الأخيرة بدأت بعض القنوات الفضائية تتحول الى منابر للكذب والتسقيط المريع ولتمثيل وجهة نظر واحدة لا غير وتصرف في سبيل ذلك ملايين الدولارات لمجرد أن منصبا مهما ذهب الى حزب آخر فيتم نسيان كل شيء والتحول الى الهجوم المباشر وإعتبار ذلك عملا خلاف القانون ومناف للتعاليم الدستورية ، وفي الحقيقة فإن الهجوم سببه المنافسة والرغبة بالإستئثار الرخيص بذلك المنصب وما يمكن أن يعود منه من مكاسب مالية وتجارية وعقود وهي عادة درجت عليها الأحزاب الفاسدة في العراق منذ سقوط النظام وحتى يومنا الراهن الذي ثبت فيه وبالدليل الفشل الفاضح في بناء الدولة وإدارتها وهاهي تتحول الى دولة فاشلة وبإمتياز .

[email protected]