أقرأ يا عبادي…
السياسة لغةً: هي رعاية شئون الدولة، واصطلاحاً :هي فن الممكن .هذا الفن استخدم منذ القدم على عهد الامبراطريات الكبرى في التاريخ،لادارة شئون الرعية . لكنها اختلفت من وقت لاخر، ومن دولة لاخرى ، حسب ما فهمها وطبقها الامبراطوراو السلطان او الرئيس، وغالبيتها قديما قائمة على الحق الالهي الذي يتولاه الحاكم نيابة عن الله. ولسنا نحن هنا بصدد العرض عن مفاهيم السياسة القديمة على هذا النمط الذي انتهى بنهاية العباسيين في 656 للهجرة ،حين عبر عنها الخليفة المنصور بقوله 🙁 ايها الناس انما انا سلطان الله قي ارضه اسوسكم بتوفيقه وتسديده اطيعوني ما اطعت الله).هذه السياسة الصارمة بحق الرعية نظر اليها الامام جعفر الصادق (ع) من منظور اخر مغاير حين التزم الحياد بينه وبين العباسيين في احقية الخلافة ، وقيادة الدولة ،حتى لا يحدث مالم يكن بالحسبان للعلويين على يد المنصور المستميت في وراثة الخلافة للعباسيين فتنازل عنها عندما طرحت عليه بعد سقوط الأموميين سنة 132 للهجرة مباشرة ،حين قال :”نحن أهل البيت لسنا بطلاب سلطة بل جئنا لمراقبة الحق والعدل بين الناس.أنظر السيوطي في تاريخ الخلفاء.
الى هذا الموقف الذكي الذي وقفه الامام الصادق يرجع الفضل في سلامته وقومه من اذى العباسيين ودعاتهم ورجالهم،لان منهاج المدرسة المبني على الرأي والرأي اخر يتناقض ومفاهيم العباسيين أنذاك..لكننا حين نتحدث عن موقف المدرسة في المفهموم السياسي العام،ندرك ان هناك مدرسة اعدت لتعليم صفات المتقين وكيفية التعامل بينهم وبين الناس وفقا للشريعة الاسلامية النقية وتطبيق مبادىء القرآن الكريم في توجيه وقيادة الامة سياسيا على هدى القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم.
ان مبادىء المدرسة مستمدة من عهد الرسالة النبوية حين وضع الرسول(ص) دستور المدينة في السنة الخامسة للهجرة وضمنه حقوق وواجبات الناس في امة الاسلام،هذا الدستور الذي اخفته الدولتان الاموية والعباسية لكي لا يكون سندا للمسلمين في نظرتهم لسلطة الدولة القائمة على العدل والمساواة عبر الزمان ،لا كما هو مطبق في النهج السياسي للدول القائم على نظرية الحق الالهي والذي يتناقض وموقف الاسلام السياسي في ادارة حكم الدولة.
ان الحديث عن السياسة ومعايرها الانسانية في هذه المدرسة ،لابد لنا من العودة الى سفر الامام علي(ع) في (نهج البلاغة) المتضمن الكثير من الخطب والرسائل السياسية التي تعد بحق الدستور السياسي لمن يريد ان يسوس الدولة بالحق والعدل والمساواة بين الناس وخاصة من يدعون انهم من أتباعه ،وتقف رسالة الامام الى مالك الاشتر والي مصر في المقدمة ،لنلتقط منها تلك المبادىء الانسانية الرائعة فيمن يتولى امور السلطة. فالامام علي(ع) يرى “ان السياسة لا تراد لنفسها ،وانما تراد للذكر الجميل”.فهي لم تعد حقا الهياً يتولاه الحاكم نيابة عن الله،وانما هي منوطة بارادة الناس،توليها من تشاء بحسب اعتبارات تتعلق بمصلحة الجماعة حين يقول :(آلزموا السواد الاعظم فأن يد الله مع الجماعة). لذا فهي ليست سلطة للقهر والعنف والعسف ،لكنها مندمجة معهم تراقب احوالهم وتضع الحلول الناجعة لها. وهو يرى ان الحاكم عليه واجبا دينيا مقدسا ان يكون بين الناس لا بعيدا عنهم حين يقول : (فأن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق،وقلة علم بالامور).أين اهل المنطقة الخضراء منها ..؟
بعد موقعة النهروان وماحل بها من مأسي ،ندم الامام عليها مخاطباً اصحابه : “ايها الناس لاتقاتلوا الخوارج فمن طلب الحق فأخطئه ،ليس كمن طلب الباطل فأدركه – نهج البلاغة ج1 ص144″.لكن الخطوب احاطت به والاعداء بدأوا يتربصون به الدوائر، فنصحهُ اتباعه الخُلص ان يلتزم مقره ولا يغادره الى مسجد الكوفة في صلاة الفجر خوفا من غدر الخوارج به،لكنه رفض ذلك.قائلاً :”من لم يستطع ان يواجه الناس عليه ان يتخلى عن حكمهم”.
هذه هي العلاقة التي افرزتها المدرسة بين الحاكم والمحكوم.وهنا تقف نظرية القرآن شاخصة في منهج المدرسة(كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)،فلا مجال للحاكم من التهرب من مسئولية الامة ، وما يقع عليها من ظلم تحت اي ظرف كان.
2
وهي ليست وسيلة للاثراء غير المشروع،والتوسعة على الاهل والاقارب بغير حساب دون الاخرين،كما هم حكامنا اليوم، لكنها تحقيق عدل وانصاف حق ومساواة بينهم حين يقول:”فلا يكن حظك في ولايتك مالا تستفيده،ولا غيظا تشفيه،ولكن أماتة باطل واحياء حق) ، ومن وجهة نظره(ع) (:”ان الناس عباد الله ،والمال مال الله،يقسم بينهم
بالسوية “،ثم يقول: في المحافظة على اموال الدولة :” ألا ان كل قطيعة أقطعها (فلان) وكل مال اعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال،فأن الحق القديم لا يبطله شيء.،ففي العدل سعة .. ومن ضاق عليه العدل ..فالجور عليه أضيق( ـ أقدم عليها يا عبادي ولا تخف من احد -. كما انها ليست حسباً تشاد عليها الامجاد،ولا شرفاً يدفع الى التكبر والتجبرحين يقول :”اذ لا حسب كالتواضع”،وليست استبدادا في الرأي ولا خداعا للناس لكسب المجد والسلطان.
لكنها برأيه (ع) صراحة في القول ونزاهة في العمل وصدق في المعاملة ..،
حين يقول: ” يا ولاة آمور الناس،اصدقوا ما وعدتم به الناس ،ولا تخونوا عهدا تعاهدتم به مع الناس،ولا تنكثوا أيمانا اقسمتم عليه،فمن اراد ان يكون أماماً للناس عليه ان يبدأ بنفسه قبل غيره،وليبدأها بسيرته قبل لسانه(“،
انها فلسفة سياسة لم نقرؤها من قبل..
،ويقول الامام الحسين(ع) في تطبيق سياسة الدولة:”كونوا مع الحق ،ولا تخشوا الدنيا كلها،ولا تقبلوا باطلا ابدا ،فأن جدي رسول الله مني بالدنيا كلها من قريش فآثر الحق عليها، ولم يقبل منها مَنةً”.هنا كان النص الديني يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي.وفي هذا الخصوص يقول الامام موسى بن جعفر(ع) مخاطباً الرشيد من سجنه الانفرادي في بغداد حين طلب منه الرشيد العفو والرضى وتأييد سياسة العباسيين حين قال له الرشيد مخاطبا له بكتاب خطي وهو في سجنه بالكرخ : (أنصفنا يا موسى فانتم اعمامنا ،أذكرنا بخيروثبت شرعيتنا في حكم الناس ولك منا ما ترغب وتريد) ، فيرد الامام من داخل سجنه على الرشيد قائلا :” يا ظالم العصر، ان الظلم فاشٍٍ ببابك ،والله يا رشيد نحن ورثة مدرسة آهل البيت لا نرضى بذل او معصية ‘ فلن ينقضي عني يوم من البلاء ،حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء ،وغدا نحن جميعا امام الله سواء).
ويقول الخليفة المآمون للامام الرضا (ع) حين طلب منه قبول البيعة ، والامام يدركها لعبةً وغدر يقول :(لا بد من قبولك ما اريد ،فاني لا اجد محيصا عنها،بك يستتب الامن، وتهدأ الجموع،فيرد عليه الامام :” ليس بي ما تريد ولكن بالحق والعدل تُحكم الناس،نحن ابناء آهل البيت كلنا شهداء الحق والعدل(،فقد قال جدي امير المؤمنين ،”ان الله هو العدل الذي لا يجور”، مما أكد شكلانية البيعة كما ادركها الامام الرضا،هو اقدام المأمون على لبس الخضرة ونزع السواد شعار العباسيين أسترضاءً للعلويين.لكنها كانت مظاهر مؤقتة من اجل تحقيق الغرض العباسي في تثبيت خلافة الدولة لهم.(مقاتل الطالبين ص567)، نعم كان شجاعا عدلا، لا يهاب الموت في سبيل الله ،
فأنهم والله عترة آهل البيت في صدور الناس أهيب من الاسد هكذا يقول الطبري في تاريخه..
لقد وضعت المدرسة مبادىء الحكم الاسلامي والزمت الناس باتباعه حين جعلت مبادىء السياسة لا تقتصر على الفرد ،بل على الجماعة والفرد معا، ًلذا فالنظرة موحدة وشاملة للاثنين ، لان مصلحة الاكثرية هي الاساس ( ” فسخط العامة يُجحف برضى الخاصة،وان سُخط الخاصة ي،غتفر برضى العامة).ومن يطلع على العهد المكتوب لمالك الاشتر من الامام علي يجد بكل صراحة ووضوح : ان النظام البرلماني ومبدأ سيادة الامة هو من قواعد الحكم واصول الاسلام.ان ما قررته المدرسة في اصول الحكم طالبت بتطبيقه دون اي اعتبار اخر، وخاصة في مجال الحقوق الكثيرة التي اوردتها في منهجها الصالح ومنها:-
الحرية :-
———-
لقد انطلقت المدرسة من النص القرآني ،ففي مجال الحرية ،التي هي اسمى ما في الوجود،أعطت للانسان حرية الاختيار في الفعل الذي يريده،وحرية الرأي فيما يعتقد – اين هم اليوم من سجن اصحاب الرأي كما في الشحماني وسمير عبيد – ويقول :”حين امر الله سبحانه وتعالى الانسان بفعل الواجب ،ولم يجبره عليه،بل ترك الامر لاختياره وارادته ،لكنه حذره من المعصية ،واوعده بالعقاب والثواب “، وهذا ما نلاحظه تماما في سورة الكهف آية 29(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرانا اعتدنا للظالمين نارا) ولم يقل للكافرين .هنا اقامت الاية الكريمة علاقة جدلية بين الكفر والايمان وعدمه،وبما ان الكفر ظلم للنفس البشرية من الناحية العقائدية ،وقد يرتكب من غير الكافر ايضا ،فقد وسع القرآن العقوبة حين قال (أعتدنا للظالمين نارا) لان الظلم يرتكب من قبل الكافر والمؤمن على حد سواء والقرآن وكلماته المتميزة لاتقبل الترادف اللغوي ابدا.
هذا الفهم العميق للحرية كان الاساس الذي بنيت عليه علاقة الحاكم بالمحكوم ،فالحاكم يعترف بحق الاخرين في ان يكونوا معه اوعليه،فليس من حقه الضغط والاكراه،لان ذلك يناقض طبيعة الانسان الحرة. فالحرية مكفولة من وجهة
3
نظر المدرسة بمنطق العقيدة ، لذا فهي مكفولة للجميع من خلال حرية العمل دون اكراه،يقول الأمام ::”ولست ارى ان اجبر احدا على عمل يكرهه” .وهنا يصبح حق العمل من حق العامل نفسه.لكنها لم تغفل الحق العام حين ربطت
العمل بالخدمة الحياتية ومنفعة الناس دون غرور وتبجح واحتكار لاقوات الناس “ويقول الامام :”وابتذل نفسك فيما افترض الله عليك …..ومن الحق عليك حفظ نفسك والاحتساب على الرعية بجهدك ،فأن الذي يصل اليك افضل من الذي يصل بك”.وهكذا فان حرية العمل والعمل نفسه هوحده المسئول عن اشاعة الطمأنينة والرخاء المجتمعي. وينسحب هذا القول على حرية السكن والمعتقد ، حين يقول الامام في عهده الى عامله في مصر (لا تبغِِ على اهل القبلة ، ولا تظلم اهل الذمة ، فهم في الخلق سواء).
وفي المساواة بين الناس ، اهتمت المدرسة بعدم التمييز بين الناس فيما هم فيه أسوة. وقد تحددت المساواة بأن لا يتميز احد على احد،بل وحرمت المدرسة ان يعيش أيا كان مركزه مكتفبا وحوله من يجهد نفسه باحثاً عن لقمة العيش يسد بها رمقه.وقد حذرت المدرسة من مغبة الاستئثار بشيء يزيد على بعض الناس مما تجب فيه المساواة بينهم حين قال الامام وهو يخاطب الحاكم :”اياك والاستئثار بما الناس فيه اسوة”.ونظرة في المساواة ان البشر متساوون في الحقوق العامة ومساواتهم لم تكن نابعة من الدين،بل من اشتراكهم في الانسانية والمولد والدين معاً حين يقول الأمام :”الرعية صنفان ،اما اخٍ لك في الدين ،واما نظير لك في الخلق،
والمساواة تمتد في رأيه الجليل لتشمل كل انواع التسوية سواءً في العطاء حين يقول مخاطبا الاشتر: “واني اقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني انك خنت من فيء المسلمين شيئا صغيرا او كبيرا،لاشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ،ثقيل الظهر ،ضئيل الامر”.فأين انت يا ابا الحسن من حكام المنطقة الخضراء سراق المصير اليوم؟.،او امام القانون حين يقول :”ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء….. والزم كل منهم ما الزم نفسه”.او في كل صنوف العدالة الاجتماعية حيث العدل اساس الحكم الصالح والمواطنة الصحيحة،فأن :”
أفضل قرة عين الولاة ..استقامة العدل في البلاد .. وظهور مودة الرعية ).
وينظر الامام الى سياسة الباطل،فيضع تحته كل مسميات النفاق والرياء والمخاتلة وطعن الاخرين بدون وجه حق، فيقول مخاطبا احد عماله على الولايات :”أيها الرجل،لا يؤنسك الا الحق،ولا يوحشك الا الباطل،ولا تحكم الا بالعدل).
الموقف من السلطة الحاكمة :
——————
وموقف المدرسة من استلام السلطة ،حين اعتبرت السلطة وسيلة لا غاية لتحقيق حكم الله في الارض ونشر العدالة الاجتماعية ،لان القانون بحاجة ماسة الى من ينفذه على الارض.واحلى ما حدده العهد ،ان مهام السلطة محددة باربعة امور هي:” جباية موارد الدولة وايداعها في بيت المال سليمة، والدفاع عنها وعدم تمكين عدوها منها، واستصلاح اهلها علما ومعرفة وكفاية، وعمارة بلادها دون نقص يذكر. من هنا انطلق العهد بضرورة التكاتف والتعاون لاسعاد الشعب وعمارة الوطن لينعم الجميع بتلك السيرة الحسنة والنهج القويم.
المعاهدات الدولية:-
——————
وفي مجال عقد المعاهدات الدولية مع الاخرين ودخوال الحرب يقول العهدالذي كتبه الأمام :”لا تدخلوا الحرب الا مكرهين،ولا تخوضوا غمارها الا في سبيل الله دفاعا عن النفس ، وصالحوا من يصالحكم صونا للنفوس ان لا تشحن بالضغائن والاحقاد،حقنا للدماء مستشهدا بالاية الكريمة (وان جنحوا للسلم فاجنح لهاوتوكل على الله –الانفال 61). ويقول اذا ما عقدتم الصلح فعليكم ان يكون محكماً بالفاظه ولا تخونوا،صريحا في دلالاته،فلا يتحمل اكثر من معنى واحد ،حتى لا تتطرق اليه التأويلات والعلل وطلب المخارج .واختاروا لمن يفاوض من خيرة الناس عدلا وعلما ومعرفة – ياليت حكامنا اليوم يدركون ماذا فعلوا بالحدود ومعاهدات النفط -،انها امانة الوطن ،واذا وقعتم عقدا فلا بد من الالتزام به وعدم نقضه،اعتمادا على تأويل خفي ،لان هذا من باب النفاق والرياء،حين يقول الامام :”ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل ويتزعمه الجاهل،ولا تعولن على لحن القول بعد التاكيد والتوثيق ،ولا يدعونك ضيق امر ٍلزمك فيه عهد الله الى طلب انفساخه بغير الحق،فأن صبرك على ضيق امر ٍترجو انفراجه ،خير من غدر تخاف تبعته”.وفي مجال جهاد الاعداء حفاظا على الوطن يؤكد ما جاء في سورة التوبة اية 43 ،120التي اشار فيها القرآن الى الموقف السلبي من بعض اعراب الجزيرة حين تلكئوا عن مقاتلة الروم في عهد رسول الله(ص) ،لان الوطن امانة بيد الحاكم فلا يجوز له شرعا التصرف به دون الامة ،فأين للذين وقعوا مع الأجنبي على الأحتلال من الله والوطن عام 2003.
اصلاح حال الرعية:-
——————–
4
وفي مجال صلاح حال الرعية يدعو العهد الأمامي الى الاهتمام بشئون الامن والثقافة والصحة ووظائف الدولة والخدمات وعدم الاخلال بها مطلقا،ولا يمكن لهذه الخدمات ان تتم الا اذا بنيت على الصدق والاخلاص والتعاون بين الحاكم والمحكوم،ضمن اطار مصلحة الوطن والمواطن حين يقول الامام :”ايها الناس ان لي عليكم حقا ،ولكم عليَ حق ،فأما حقكم علي النصيحة لكم وتوفير فيئكم وكفايتكم فليس من حق الحاكم ان ينام ليلته وفي وطنه معوزٍ واحدٍ ، وعلي تعليمكم كيلا تجهلوا ،اما حقي عليكم الطاعة حين امركم والوفاء لي ولوطنكم ،واكد على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ،على ان تكون الكفاءة شرطا للاختيار والتوظيف ، لا القرابة والصداقة، فقد ذكر لنا السيوطي في تاريخه ان اخاه عقيل طلب منه ان يوليه ولاية ويعطيه من بيت مال المسلمين فرفض ذلك بشدة اذ يقول الأمام لأخيه :” أتريدني ان آخذ من أموال المسلمين فأعطيكها دونهم، أتريد مني ولاية وانت لست بقادر عليها ومالا وهو ليس مالي، ولكن مال المسلمين ،اتقي الله ياعقيل في دينك”. أنظر يا أبا الحسن الى من يدعون بمدرستك اليوم من سكنة المنطقة الخضراء :ماذا يفعلون اليوم بالعراقيين..؟ وطالب الامام بالتوسعة على من يحمل الامانة حتى لا يدب الفساد في نفسه ، ولا يستغل منصبه لشخصه ،وعلى الامة مراقبته بدقة ولا تخفوا عوجا الا وتعلموه،فما جزاء الاحسان الا الاحسان ،وما جزاء السيئة الا بمثلها..
وفي مجال شخصية الحاكم او المسئول يقول الامام :” فلا يجب اختياره الا من بين اكثرهم كفاءْة واستقامة ،من اهل الورع والصدق ،الذين لا تستميلهم الاهواء ولا تأسرهم المطامع او الشهوات أو تطربهم المدائح ،لانها من الامور التي تصرفهم عن جادة الحق وسواء السبيل.والفضيلة شرطاً من شروط اختيار الحكام وعليه رعايتها ونشرها بين الخاصة والعامة” لذا لايقبل للحكم الا اذا كان من اتباعها حتى لا يؤثر سلبا على حالة المجتمع .ويؤكد عل اختيار اقوياء الشخصية والمقدرة في ادارة امور الدولة ،لذا اكد العهد على ضرورة حسن اختيار المسئول لممارسة الوظيفة حتى لايستغل في المواقف الصعبة، ولا يداهن في دينه على حساب وطنه،لان الموظف مسئول امام الله وامام نفسه ومن هم على راسه . وعلى من يتم اختياره يجب ان يكون منزها عن الشبهات ، وفياً بالعهد والتجربة والكفاءة والشجاعة في قول الحق والمواقف الصعبة ،لا على اساس القرابة والصداقة والمصلحة الشخصية كما هو شائع اليوم في عهد الحاكمين الظلمة..
بهذا يكون العهد قد سما بالدولة الى المستوى الانساني الرفيع ،حفاظا على الوطن والمواطن من عاديات الزمن ،وما تخبئه الايام من نوازل.
نعم هذا هو رأي مدرسة آهل البيت العظام في الدولة والمواطن،,هي لكل الناس وليس لبعضهم كما يدعي الأصحاب ،هؤلاء الذين، عاشوا بين الفقراء وضد الفقر، ومع المحرومين وضد الحرمان ، ومع الجماهير وضد الطغاة..نعم هذا قول لا يبارى.
لقد اثبت التاريخ ان كل فكرة طرحت في حكم الناس – من دون شرع القرآن والجماعة – كانت فكرة مميتة ومن اتبعها كان لا يحسن قراءة التاريخ،وكان عليه ان يتعلم القراءة ،وكان علينا ان نتعلم الدرس والقراءة بانفسنا ،ونحن ندعي ورثة هذه المدرسة ومنهجها الصالح، حتى نولد ولادة حضارية جديدة خلال معاناة لما فاتنا من زمن ظالم ورديء،فهناك علاقة تبادلية أو جدلية بين الانسان والبناء الحضاري،فكلاهما يولد من جديد في الاخر.وكلاهما يتطور ضمن كلية تفاعلية واحدة،هذا المنطق ينطبق على كل الحضارات بما فيها حضارة الاسلام رغم ان نهج البناء الحضاري الاسلامي جاء مختلفا حين كان رسول الله قمة الكمال ، وقمة الكمال لا ياتي بعدها الا النقص.
ان مسيرة النقص والمعاناة التي نعاني منها الان هو اننا بحاجة الى التعايش مع النص القرآني صدقا وحقيقة ومنهج مدرسة آل البيت صدقاً وحقيقةً،فالاسلام الحق هو الذي يجب ان نتعايش معه بلغتنا وواقعنا قولا وتطبيقا،لكن الاسلام اليوم ومنهجه القويم صار يعيش قي لغة الناس وليس في واقعهم.
ان الافتراق التدريجي بين التجربة السياسية الحالية وبين المنهجية القرأنية ، وخاصة في امر الحكم والمال ، شكلت بدايات التدهورفي وطننا العزيز حتى وصلنا الى نقطة نرى منها ان معدل النقص والضعف اصبح يعلو على معدل القوة ، فظهر التدهور بيننا في كل مجالات الحياة،وان ادعينا عكس ذلك ،فالشواهد على الارض لا تسعفنا حجةً،وهو
5
تدهور ان لم نتلافاه سيسقطنا حتما في هاوية السقوط الكلي الذي لا ترجى منه شفاعة ابدا.وساعتها ليس من حقنا ان نندم ،بعد ان قصرنا بما لزم علينا عمله عمداً