” القاعدة الوحيدة في الحياة… والتي نحتاجها للعيش بصدق… وفي جميع الحالات والنكبات… هي أن نكون ونبقى… بشراً !!! ”
وضعا غير مستقر وغير موثوق به ومهدد، هو الوضع العادي والشائع ألان للفئة الكبرى بمجتمعاتنا التي ليس لممثليها عمل حقيقي، وذلك الوضع الذي لا يتميز بالتوظيف الدائم ولا الأرباح الثابتة ولا الضمانات الاجتماعية التي يوفرها صاحب العمل والدولة وقد كان السبب وراء ظهوره هو تسويق المؤسسات والآليات العامة والتي بدأت في نهاية سبعينيات القرن الماضي ثم فتح السوق الرأسمالي العالمي لاقتصاديات بعض الدول الأخرى والدخول في عصر العولمة، فبدأ عبره الاستهلاك يتجاوز الدخل والأجور مما أدى ذلك إلى حدوث خلل في توازن الحياة وميل وتحول القطب الاقتصادي نحو القطاع المالي واكتسب المصرفيين والسماسرة قوة حقيقية فتبلورت إزاء ذلك وتحورت مكانة عدم المساواة بين السكان ولتنمو بسرعة ومن ثم ينتهي جزء كبير منها في فجوة ديون، ونتيجة لهذه العمليات أعيد توزيع سكان العالم فشكلوا طبقات اجتماعية وحياتية واقتصادية جديدة حملت اسماء متعددة ومتنوعة كالبلوتوقراطية والأوليغارشية، أي مجموعة الأشخاص الذين لديهم ضمانات اجتماعية ومالية وسياسية والمهنيين أو العمال ذوي المهارات التي تمكنهم من إدراك أنفسهم في مجال العمل, وايضا طبقة البروليتاريا الكلاسيكية الغير قادرة على الحصول عليها سوى الغرق في جهد العمل أكثر واكثر ومن دون أية مؤهلات أو حتى تأهيلات، وان طرحنا تساؤلا في صم كل ذلك فمن هو المؤهل؟ فذلك يعني لابد من وجود فئات عديدة غير مؤهلة وضعيفة من السكان ككبار السن والايتام والارامل والذين تجاوزوا خط الفقر والأشخاص ذوو الإعاقة والمهاجرين وكذلك الأشخاص الذين قضوا وقتًا في السجون لاسيما بعد إن تضاعف عدد السجون في بلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة، وزاد عددها في الولايات المتحدة خمسة أضعاف المعدل الدولي العام وفاقت بذلك جميع الدول الكبرى من حيث عدد ونسبة السجناء.
ولإدراك وفهم محاور المشكلة فمن الضروري فهم الموقف الحديث للعمل وتتبع العلم لتغييره، فالفهم القديم للوقت قسم الحياة إلى العمل والترفيه واللعب، وكان العمل يعتبر أي نشاط مثمر وممارسة المواطنين لتحقيق الوئام الاجتماعي والأداء الطبيعي للحياة الجماعية هذا يتم عبر العمل المنزلي ورعاية الأقارب أو أفراد الأسرة المرضى وكان العمل يعتبر عملاً منفصلاً لتوسيع نطاق الأنشطة الاقتصادية وأنشطة الاستضافة، وتم فهم “المدرسة” على أنها أوقات فراغ وتعلم وجلب الفائدة والفرح للفرد مما يسمح له بالتطور الشامل، كما ويمكن أن يكون التماثل للترفيه بالقيام برحلة إلى المسرح وزيارة لمحاضرة علمية شهيرة واجتماع سياسي للأشخاص المتشابهة في التفكير أو قراءة الكتب مما يعني اكتساب أي معرفة وزيادة الإمكانات العلمية وسعة الاطلاع العام. ولأنه لم يكن لدى ممثلي العديد من شرائح السكان مواد فكرية ثرية فهم معزولين ويتم استبعادهم عن عملية الاستهلاك النشط ويخضعون للقلق، وكان ذلك التقسيم قائمًا على التوزيع غير العادل للحقوق والواجبات واحتقار للحياة البشرية، ومن المهم ألا يختلط مفهوم العلم والعمل وان كان يعتلي الأمر في المجتمع الحديث مقاربة نفعية بحتة إذ كلما كان العمل أكثر فائدة كلما زاد مرتبه وتقديره فيتم تحديد فائدة وقيمة العمل من قبل من هم في السلطة ومن هو أعلى مستوى في التسلسل الهرمي, وهذا النهج معادٍ للأخلاق فحتى مفهوم العمل الإنتاجي الذي يتوافق إلى حد ما مع مبدأ المساواة قد تم تسويته والموظف الذي سيكون مفيدًا للدولة كوحدة اقتصادية مستقلة فقط هو الذي سيحصل على المال وبذلك فأن أي شخص ينقطع عن هذا البرنامج سوف يسقط في فخ ما يسمى بعدم الاستقرار ولن يتم توفيره ماليًا واجتماعيًا بشكل كافٍ إذ إنه أصبح “غير فعال”.
ندرك أن فرق الدخل بين الأكثر فقراً والأكثر ثراءً في مجتمعاتنا تجاوز المعيار المسموح به من الناحية الأخلاقية ويصنف كطبقة وسطية جميع أولئك الذين لديهم ما يسمى الدخل المتوسط أي مستوى الأرباح أعلى وتحت ذات الكمية من الدخل التي يتم تلقيها العمال أو البسطاء!! ففي فترات كبيرة من عدم الاستقرار تصبح التغيرات في مجموعات كبيرة وغالبًا من دون أمل في العودة وينطبق ذلك بشكل خاص على قطاع الخدمات الذي يقع بالكامل تقريبًا في القطاع التجاري الهش للغاية في الاقتصاد، وهنا أرى الحل في اقتراح وتطبيق مبدأ العدالة عندما يتم تحقيق التوافق بدخول السكان مع العمل الذي أنفقوه مع الحد الأدنى من الأمن الأساسي إذ لا يوجد إنسان يستحق الجوع أو التجويع لأي سبب كان، وإن الحد بالفرق في الدخل بين مختلف المهن والقطاعات السكانية والحد من الفساد والتوزيع الكافي للدخل فيما يتعلق بالعمل ككل سيكون خطوة نحو إرساء مبدأ المساواة والانسجام الاجتماعي الحقيقي وغياب وحل العقبات السياسية في هذه العملية ومن شأنه أيضا أن يزيد من قيمة مكانة الدولة كمؤسسة وطنية واجتماعية في قلوب وعيون مواطنيها.