19 ديسمبر، 2024 12:05 ص

غرف التحرير ..ومطابخ الصحافة..أيام زمان!!

غرف التحرير ..ومطابخ الصحافة..أيام زمان!!

أغلب العاملين المتمرسين في حقول الصحافة والإعلام ، كانوا يطلقون على غرف التحرير تسمية (المطبخ الصحفي) ، وهي المهتمة بعمليات انتقاء الاخبار والتقارير الاخبارية من مصادرها المختلفة، ومن ثم تجري عمليات (إعادة الصياغة) ونسج الخبر أو المادة الصحفية ، التي ترغم المتتبع على تناول أكلتها، بعد أن يتم وضع (المقبلات) و(البهارات) لتقدم لمتابعيها زادا شهيا طيب المذاق، يرغمهم على تناول تلك الأكلة والزاد الصحفي بنهم ، وهم يشعرون انها قدمت لهم طبقا من المعلومات القيمة والثرية التي تشبع نهمهم الى المعلومة عن مختلف الأحداث!!

ويعرف الراسخون والعالمون بأسرار تلك المهنة أن هناك أوجه شبه كثيرة بين (الطبخة) التي تعدها (ربة البيت) ، وتلك التي تعد في (مطبخ غرف التحرير) ، وكلا المهمتين تحتاج الى من يعرف أسرار إعداد تلك الأكلات، وكيفية توزيع البهارات والمقبلات ، كي تكون تلك الأكلة طيبة الطعم ومذاقها يفتح شهية الآخرين لتناول المزيد!!

وقديما قيل (أعط الخبز لخبازته) للدلالة على أن الخبيرة بإعداد (عجينة الخبز) تعرف كيف تحول قطعة العجين الى رغيف شهي يقبل عليه أفراد العائلة بشغف، وكذا الحال مع من تعد طعام العائلة ، إذ أن (ربة البيت) المتمكنة من نفسها تجيد فن إعداد وجباتها الغذائية ، وهدفها في كل مرة، أن ترضي طموح عائلتها ورب بيتها في المقام الأول، والناس الذين يتناولون وجباتها اللذيذة في المناسبات المختلفة، وليس بمقدور أية إمرأة أن تعد أطعمة طيبة المذاق ، الا من كانت لها تجربة غنية وذات مراس وخبرة في اعداد الطبخات الرائعة من طيب الطعام، وينطبق الحال نفسه على اعداد وجبات صحفية شهية في مطابخ الصحافة، تغري الآخرين في الاقبال على زادها ، بعد أن هيأت لهم من مستلزمات إعداد الأكلات الشهية ما يشبع نهمهم لما تقدمه لهم من اطباق صحفية !!

وكنت أشير دوما للمتدربين في ميادين الصحافة وحتى للعاملين المتمرسين فيها الى ان عملية توزيع المادة الصحفية كالصحف والمجلات، تشبه الى حد بعيد عمليات جني المحصول الزراعي، بعد ان يقوم الفلاح باختيار أفضل الثمار واكثرها جمالية لتتصدر صناديق بيع الخضر، كالطماطة مثلا وبقية الفواكه والخضر، ويقوم البائع بعرض تلك المحاصيل بطريقة تشير رغبة المشتري للاقبال على بضاعته من الخضر والفواكه ، وكلما تمكن الفلاح وصاحب المحل في عرض البضاعة الجيدة من تلك الخضر والفواكه وعرف كيف تجري عمليات عرضها، زاد الاقبال عليه، وكذا الحال مع مهنة الصحافة!!

أما في عالم الصحافة هذه الايام، فلم نعد نلحظ (غرف التحرير) التي كانت تعد (المطبخ الصحفي)، وان وجدت في بعض المواقع الاعلامية والصحفية والتلفزيونية ، فهي أبعد ما تكون عن أيام زمان، ولهذا سادت الفوضى في مختلف عمليات عرض الأطباق الصحفية والاعلامية ، وراحت المواقع الألكترونية تغزو عالم الصحافة بطريقة غريبة عجيبة..ولم نعد نتذوق (الطبخات الصحفية) التي كانت سائدة في أيام زمان، بعد ان حولتنا مسارات الديمقراطية المزيفة والفوضى الخلاقة الى فوضى عارمة، وحولت تلك المهنة الى ما يقرب من الارتزاق لكل من هب ودب، ولم يعد للصحافة من قوانين وشرائع تحفظ هيبتها، بعد إن ضاعت (هيبة الصحافة) بين القبائل!!