*ترجمة ـــ وليد خالد احمد
*كتابة ـــ بيتر شول لاثور
ألفت نظر القارئ الى اني للاسف لم اجد ضمن ارشيف ترجماتي نص المادة بلغتها الاصلية حتى اتمكن من توثيقها بايراد اسم المطبوع المنشورة فيه ورقمه وتاريخه كما هو متعارف عليه في المنهجيات التي احرص على اتباعها . ولأهمية ماورد في المادة وفائدتها في كتابة تاريخ هذه الفترة ، ارتأيت اعادة نشرها اعماما للفائدة ـــ المترجم
¤ عودة آية الله الى وطنه
بين باريس وطهران شباط 1979
دعي لمرافقة خميني اثناء عودته الى طهران مجموعة من الصحفيين الاجانب من مختلف انحاء العالم ، وفي الحقيقة كنا مجموعة من الرهائن حتى لا تتعرض الطائرة التي تقل خميني الى اعتراض الطائرات الايرانية او الى اطــلاق نار ارضي ، وقد اطــلق الصحفيين على الطائرة اســم ـــ السجاد الطائر ـــ .
ان خميني كان يعلم بانه لم يضمن النصر النهائي بعد وحتى قائد الطائرة ( من نوع جامبو ــ فرانساير ـــ ) لم يهبط في مطار طهران رأسا ، بل اقتربت من المدرج وارتفعت ثانية حتى يتأكد الطيار من خلو المدرج من اي عائق كان وليتأكد ايضا من عدم اطلاق النار عليه ، وكانت الطائرة مزودة بالوقود الكافي لكي تستطيع مواصلة رحلتها الى تركيا في حالة اي خطر قد تتعرض له .
وانهالت اسئلة الصحفيين الاجانب على الايرانيين المرافقين لخميني ، واولهم كان محمد يزدي الذي كان متحدثاً باسم آية الله في فرنسا .
ان يزدي كان قد درس الطب في امريكا ومارس ايضا مهنته هناك وتزوج من امريكية بل وحصل ايضا على الجنسية الامريكية ، وقد جعله هذا كله في موضع شك عند الايرانيين ، وقد جلس الى جانبه صادق قطب زاده الذي اصبح فيما بعد وزير خارجية خميني وفي ركن منزو جلس بني صدر صامتا الذي اصبح فيمــا بعد رئيس الجمهورية الاسلامــية ، كانت عيناه ( عيون البومة ) تتحرك بسرعة خلف نظارته السميكة ، ومنظر شاربه الصغير فوق اسنانه البارزة يعطيه منظر الجمل ويرى المراقبون الفرنسيون بانه يمثل الجناح الاشتراكي في الثورة الشيعية .
وفي لحظة هبوط الطائرة سلمني صادق طبطبائي حقيبة صفراء قائلا لي : احتفظ بهذه الحقيبة في حالة اعتقالنا في المطار ، واذا امررنا بسلام فسلمني الحقيبة بعد ذلك . ووصلنا بسلام ، وكان هناك بعض عسكريَّ السلاح الجوي الايراني والذي كان بعضهم يتعاطف مع الثورة ، وبدأت جماهير طهران ( 3 ملايين الى 4 ملايين ) تتوافد على مطار مهر اباد هاتفة ( الله كبر، خميني راخ بار (قائدنا) ) وفي صالة الاستقبال تجمع عدد غفير من الملالي لمبايعة خميني ، وكان من ضمن الحاضرين ايضا بعض رجال الدين المسيحي من ارمن وكاثوليك ونسطوريون .
واخذ التلفزيون الايراني ينقل وصول ( المنفي المقدس ) من فرنسا واحتفال الناس بذلك ، ومما جلب النظر ان هذا التجمع الجماهيري الضخم كان خاليا من الهستيريا ومن الانفعال والعصبية ، وقد سيطر جو ودي واخوي على مظاهرات الاستقبال .
وبالرغم من هذا الاحتفال الضخم ، حدث ما لم يكن بالحسبان ، اذ انقطع نقل الاحتفال ، وسمع النشيد الامبراطوري ، وظهرت صورة الشاه على شاشة التلفزيون وانقطع البث بعد ذلك واستمر نقل الاحتفال : ان هذه الظاهرة كانت تؤكد المقاومة والتي كان يرغب في اظهارها رئيس الحكومة شاهبور بختيار والمسمى من قبل الشاه قبل سفره الى منفاه وقد علمت فيما بعد بأن بختيار كان يعقد سلسلة من الاجتماعات مع جنرالات الجيش الامبراطوري لكي يحاولون مناقشة اعتقال خميني واتباعه بقوة السلاح ومنع اعلان الجمهورية الاسلامية وبعد ذلك نقل الامام بواسطة الهليكوبتر الى مقبرة ( بهشتي زهرة ) حيث قبور ضحايا الثورة الشيعية ومن هناك ولأول مرة وجه خطاب له اعلن الحرب على حكومة بختيار وكل اعداء الثورة الاسلامية وقد سافرت بعد الظهر الى فرانكفورت وودعني في المطار صادق طبطبائي بصورة اخوية واخذ مني المحفظة التي سلمني اياها في الطائرة وبعد ثمانية اشهر اخبرني بانه في المحفظة كان مخطط وتصور الخميني للجمهورية الاسلامية .
رسالة الامام المختفي
من عرش الطاووس (NEAUPIE – LE – CHATEAN) الى بلد الله الشيعي ت2 / 1978. الاسم المذكور هو اسم القرية الفرنسية التي سكن فيها آية الله وروح الله خميني مع بعض من اتباعه ومضت فترة من الوقت قبل ان تعرف الصحافة الفرنسية والاجنبية من هو هذا الرجل … ومن كان يعرف خميني ؟ ومن كان يعرف اسرار عالم المسلمين الشيعة ؟
انتشر خبر وصول خميني بين الايرانيين من طلبة وعمال ومهاجرين في غرب اوربا وخاصة في المانيا وفرنسا . ان خميني كان رجلا عجوزا ذو لحية بيضاء ويرتدي عمامة سوداء تدل على انه من سلالة النبي وقد كانت تنبعث من وجهه اشارات مؤثرة .
ان خميني لم يتضرر كثيرا من جراء معارضته لسياسة تأميم او مصادرة الممتلكات الدينية التي اجراها الشاه عام 1963 وقد اعتقل لمدة قصيرة ، ولم يتعرض للتعذيب من قبل السافاك مثل زميله آية الله الطالقاني . وقد ابعد الى الخارج بعد اعتقال دام شهور قليلة ، لقد ابعدوه الى العراق كهدية مسمومة الى نظام بغداد البعثي المعادي ، كان رجال حكومة السنّة والرئيس العراقي احمد حسن البكر ينظرون بعدم الثقة الى المجتمع الشيعي في جنوب بلاد الرافدين الذي يشكل اكثر من نصف سكان البلاد ، والذي ابقى بعيدا عن الحكم . وسكن خميني ـــ حسب رغبته ـــ في النجف المدينة المقدسة بجوار قبر الامام علي بن ابي طالب ، اول امام واقدسهم جميعا وكان يحج كل يوم وفي نفس الساعة الى ضريح زوج ابنة النبي محمد ووريثه الذي اعطى للشيعة اسم ( حزب علي ) او جماعته ، وكانت اعين اجهزة الامن العراقية ساهرة على الملا القادم من قم وتعيق كل اتصالاته مع اخوانه في الايمان من العراقيين وكانت تعامله كرهينة اكثر من ضيف او لاجئ ، وكان ذلك ما يتمناه الشاه رضا بهلوي الذي يكره خميني كرها شديدا .
ان التأثير السياسي لهذا المتعصب على الشعب الايراني بقي قليلا جدا ، والاصح ان الجماعات اليسارية المصبوغة بصبغة الماركسية هي التي كانت ترعب وتهدد الطاووس من خلال عملياتها من اغتيالات وغيرها . وهذا ما حلله خبراء السافاك المتخصصين في حروب العصابات وكذلك مستشاريهم الامريكان .
واذا ما قامت اضطرابات في ايران ، فهي من تدبير المصلح الشيعي ـــ علي شريعتي ـــ الذي هرب من ايادي اجهزة الامن الايرانية الى باريس ولندن وعندما داهمت علي شريعتي السكتة القلبية في لندن ، فقدت حركة الاشتراكية الاسلامية اهم فلاسفتها وحامل رايتها في ايران ، وفي حينها انتشرت الشائعات في ايران تقول بان علي شريعتي قتل على ايدي السافاك .
لم يكن مجئ روح الله خميني الى فرنسا محض صدفة ففي صيف سنة 1975 اتفقت حكومتا بغداد وطهران بأن تكسر العداء القديم المستحكم بينها والذي يرجع تاريخه الى ايام المملكة البابلية وايام الاسلام وعقدت مصالحة مؤقتة حيث جلبت هذه المصلحة الربح للجانبين ففي شمال العراق كان الانفصاليين من الاكراد يقومون بتمرد منذ عدة سنين ، وقد دأبت ايران على توريد السلاح بصورة مستمرة لادامة تمرد هؤلاء ـــ الاندو اوربيون والشعب السني ـــ من اجل الحرية والآن بدأ رجل العراق القوي صدام حسين باظهار استعداده للقيام بتنازلات عن حق العراق الجوهري في شط العرب مقابل ان يقوم محمد رضا بهلوي بتسليم الاكراد ( بيش مركة ) الى نظام البعث في بغداد وقد تناولت هذه ( المفاضلة التجارية الشرقية ) ايضا الملا خميني في النجف ، لأن العراقيين (آخذين بنظر الاعتبار الحالة في بلادهم ) كانوا يريدون ابعاد خميني الى بلد ثالث ، لهذا قامت مخابرات صدام حسين بتقديم اقتراح للسافاك الايرانية لابعاد العجوز الشيعي الى طرابلس ليبيا او الى الجزائر ، ولكن ايران رفضت ذلك معللة بان خميني سيجد فورا في ليبيا القذافي او جزائر بوميدين قاعدة ثورية ، لهذا اجرت طهران اتصالات بواسطة سفارتها في باريس مع الحكومة الفرنسية ، ووافقت باريس على اقامة خميني في فرنسا بدون ان تعلم بانه قد اعطت موافقتها ( بفتح القمقم للسجين ) لانه اذا ذهب خميني الى طرابلس او الجزائر فسيبقى منسيا مثل غيره من السياسيين السابقين ، ومنسيا ايضا من الصحافة العالمية ، ولكن عند قدومه الى باريس العاصمة فقد اصبح بين ليلة وضحاها احد رجال السياسة المشهورين ، كان يسكن في غرب اوربا الكثير من الايرانيين واغلبهم (بالرغم من ان عائلاتهم من الطبقة البورجوازية الايرانية والتي كانت تستغل حكم الشاه لصالحها) . كانوا يكنّون العداء المميت للشاه محمد رضا بهلوي وقد وقع معظم هؤلاء الشباب من الرجال والنساء في حبال الماركسية بحكم محيطهم الدراسي في فرانكفورت وباريس . ويحاولون المستحيل لايجاد طريقة ترشدهم الى تغيير نظام الحكم في طهران ، ومعظم هؤلاء ينبع اصلهم من بيوت اسلامية دينية وعريقة ويحملون بثقل معارضة شيزوفرينية بين الاصل الشيعي المتوارث وبين اللينينية التي لا تؤمن بالديانات ، لهذا كانت نسبة الانتحارات عالية بينهم . والقليل منهم فقط بقي وفيا لدينه وقد قال لي مرة صادق طبطبائي : بأنه سوف يجعل من نفسه اضحوكة اذا قدم نفسه كمسلم ، ان كلمة ( الله ) كانت محرمة بين الايرانيين في اوربا .
وظهر فجأة روح الله خميني في بيت صغير في قرية NEAUPLE – LE – CHATEAN في فرنسا اما في شوارع طهران فكانت تجري فيها دماء الشهداء وظهرت فجأة شعلة النار المقدسة بين الايرانيين غير المؤمنين وطغت هذه الشعلة على المادية العلمية ، وتجمع الطلبة الايرانيون الدارسون في فرنسا وفي المانيا حيث تحركت حافلات كثيرة ومليئة بالاكادميين الشباب والعمال ، وقابلوا المقدس من قم ، وتذكروا فجأة القرآن ومكة واطلقت من عقلهم الباطني صرخة الحرب الاسلامية القديمة ـــ الله اكبر ـــ ورأينا بعد ذلك الطالبات الايرانيات اللاتي كن يرتدين ( البنطلون الجينز ) الضيق والبلوزات التي تظهر تفاصيل اجسامهن يختفين خلف الشادور القبيح الذي يغطي الجسم كله ولم يعد اثر للمكياج على وجوههن وبدأت اللحايا الطويلة تظهر على وجوه الطلبة الشباب كعلامة مميزة للاسلام ، وخلف هذا كله كانت تقف مجموعة صغيرة متدربة في الغرب ولكن عن اقتناع شيعي قوي ، مثل ابراهيم يزدي الطبيب الايراني الكبير من الولايات المتحدة ، والذي كان المتحدث ومترجم الامام خميني ، وكان هناك صادق قطب زادة الذي عاش مدة طويلة في سورية ولبنان وكان يحوز على جواز سفر سوري ، ولهذا السبب كانت اجهزة الامن الغربية تعتبره ( وبدون حق ) من الشيوعيين وقد وجد الصحفيين الفرنسيين تجاوبا لدى احد طلبة علم الاجتماع الدارس في السوربون الفرنسية يدعي بني صدر الذي كان كتوما جدا على عكس جماعته ، كان بني صدر متأثرا بالمصلح ( شريعتي ) ودراساته ، وكذلك بمحاضرات البروفيسور الفرنسي جاك بيرك الذي كان في الخمسينيات استاذي في العربية والعلوم الشرقية في لبنان ، وبرز ايضا مساعد استاذ العلوم في جامعة بوخوم الالمانية من خلال التزامه وصراحته وهو شاب حديث السن وهو صادق طبطبائي ، وقد وجدت عنه صداقة خاصة ولقاءات شخصية، وطبطبائي يعتبر من المقربين جدا لدى الامام واخته متزوجة من حجة الاسلام احمد خميني ابن الامام ، والذي دبر دائما لنا لقاءات مع الامام .
كان يحيط بالامام مجموعة من الملالي الملتحين من ذوي العمائم البيضاء والسوداء . ولم تعترض باريس على اللاجيء خميني ونشاطه الدعائي ، الذي كان محظورا على غيره من اللاجئين السياسيين ، ومن المحتمل بان باريس كانت تعلم بان امبراطور ايران كان على وشك السقوط وعليهم ان يجهزوا انفسهم للتعامل مع خليفته . كان اول لقاء لي مع روح الله خميني سريعا حيث كانت مجموعة التلفزيون الفرنسي تقف في الحديقة الامامية للدار ، وكان يجب علينا خلع احذيتنا قبل الدخول على الامام في غرفته حيث كان يجلس على سجادة ويتكأ على الحائط.
كان قطب زادة يترجم له اسئلة الصحفيين بالانكليزية والفرنسية ، ولم يكن خميني ينظر الى الصحفيين الا قليلا من خلال حاجبيه الاسودين الكثيفين . كانت نظراته جدية وقاسية وشعرت فجأة بانني لم اجلس امام شخصية من القرون الوسطى ، كما يكتب عنه ، لقد قابلت رجلا ذا ابعاد دينية ( انجيلية ) تربطه صلة قربى بالحكماء وانبياء الوصايا القديمة واستطعت الانضمام الى المحيط الداخلي لخميني وذلك من خلال صلتي الشخصية بطبطبائي وقطب زادة وساعدتني في ذلك ايضا تجاربي الشرقية السابقة وبدأ استعدادنا للسفر الى طهران في الايام العصيبة لشهر محرم شهر الشهداء الشيعة وقد وجدت مجموعة الامام طريقة امينة وجيدة لتقل رسائل خميني الى الجماهير الفارسية ، وهي عبارة عن شرائط ـــ كاسيت ـــ والتي اخفيت في ملابس المسافرين الى ايران حيث اصبحت سلاح مثالي للدعاية للثورة الاسلامية ، حيث بدأت خطب خميني في شوارع وازقة ايران ، حيث كان الناس يحفظوها عن ظهر قلب ، وفي كل ليلة يتجمع الشيعة المتزمتين فوق اسطح المنازل ويطلقون صرخات النصر ـــ الله اكبر ـــ . في اجاباته على اسئلتي لم ينكر خميني بانه يتطلع الى سيطرة الهية اسلامية كاملة ، ولم يفصل الدين عن السياسة ، وحسب رأيه توجد شرعية سياسية تستند استنادا قويا على القرآن وما نقل عن الائمة، نعم ، ان التبرير السياسي كان مقررا في اسرار الامام الثاني عشر ، وهو المهدي الذي يسير القضاء والقدر للعالم من الخفاء والذي ــ اي المهدي ـــ سوف يرجع يوما ما لكي ينظم مملكة الله والعدالة مرة ثانية .
وقال خميني وبدون ان يرفع صوته : انه لا توجد امكانية مصالحة مع الشاه ، لانه لا يمكن للمرء ان يتنازل عن حقه مع الشيطان ، وعلى عكس تصريحاته للصحفيين ، فقد برهن خميني على امتلاكه لمواهب بلاغية عندما يتكلم مع جماعته من الملالي تحت خيمة في حديقة داره ، ويقول بان القوى الشريرة تسيطر على العالم ، ويقول ايضا بانه لم يجد نموذجا للحكم الاسلامي في العالم الذي يريد ان يقيمه ، وعندما سألته عن النظام في السعودية الذي يحكم بشريعة القرآن وقوانين الاسلام ، وهل هذا ما يؤيد فكرته اجاب بخشونة ان في هذه المملكة يوجد كل شيء عدا الاسلام . ورفض خميني جميع القرارات المعتدلة الصادرة من الجبهة الوطنية في ايران والتي كانت تحاول الاتصال بهللأستيلاء على الحكم بدون عنف طالبا منهم لن يخضعوا وبدون شروط له . واما عن الغرب فقد بقي رأيه غير واضح ولكنه يقول بان فساد الغرب والية تصنيع السلع الاستهلاكية هي خطر على عادات الاسلام وعلى الشباب الايراني ، اما موقفه من الاتحاد السوفيتي السابق وخاصة عن مشاكل الاقلية المسلمة في آسيا الوسطى السوفيتية وفي القوقاز لم يفكر طويلا واجاب بصوت واطئ : انك سوف تفهم بأنني لا استطيع ان اجيب بحرية ولكنني اطالب بالحرية الدينية لمسلمي الاتحاد السوفيتي وهم اخواننا وعندما غادرت غرفته قال لي قطب زادة : سوف تفهم حذر الامام ولكنني اسمح لك بقراءة كتاباته وفيها يطالب بقوة بكل الحقوق السياسية للمجتمعات الاسلامية التي تتعرض لكل الضغوط في الاتحاد السوفيتي كما طالب موسكو بأن ترجع لنا مناطق ( دار السلام ) التي ضمت الى روسيا القيصرية بدون شرعية.
انطلقت عدة خرافات من القرية التي يسكن فيها روح الله خميني ومنها ان عملاء السافاك جاؤوا يغتالون خميني وعندما دخلوا بيته وجدوا (12) امام يشبهونه تماما فولوا هاربين والاخرى تقول بان خميني كان يضع نعله عند الصلاة وعندما ينتهي من صلاته كان يجد نعله قد انتقل باتجاه حتى يستطيع لبسه بسهولة وقيل لي ايضا بان اهالي طهران رأوا وجه خميني في البدر الكامل .
كان البلاط يأمل في ان ينسى الشعب الايراني خميني وهو بعيدا عنه ولكن حساباته جاءت خاطئة فبالرغم من المسافة البعيدة بين طهران وفرنسا فقد كان الامام بالنسبة لهم كامام مختفي مثل المهدي الذي ينتظره الشيعة منذ اكثر من الف سنة ، وكذلك مثل اليهود الذي يشتاقون الى رؤية M ESSIAS.
¤ ايها المحرومين ، انهضوا
طهران كانون الاول 1978
هبطت الطائرة التي تقلني في مهر آباد في طهران وكان يوما ممطرا ممزوجا بالثلج والشوارع متسخة ومليئة بالجنود وفي ايديهم البنادق السريعة الامريكية من طراز ـــ M16 ـــ لقد بدأ شهر محرم ، والشاه يتوقع الاسوأ ، واجتمعنا مع السفير الالماني RITZEL وعرض علينا ان نقيم في احدى بنايات السفارة في حلة الخطر ولكنه حذرني من الذهاب الى البلاط بعد ان كتبت عن خميني في فرنسا وقد نزلنا في فندق هيلتون واستقبلنا رجال الثورة الاسلامية الذين كانوا يتكلمون الالمانية بطلاقة وقد ذهبنا معهم الى مقبرة ( بهشتي زهرة ) وقد تجمع الاف الناس حول المقابر الجديدة للشهداء الذين سقطوا برصاص الشاه ، وانطلقت صرخات الله اكبر من مكبرات الصوت وخطب خميني وكلماته التي كانت مسجلة على شرائط ـــ كاسيت ـــ تقول لا تترددوا في بذل دمائكم في سبيل الدفاع عن الاسلام واسقاط الطاغية ـــ الشاه ـــ .
وبعد الظهر ذهبوا بنا الى احد الملالي الشباب الذي عاش لفترة طويلة في المانيا ولكنه كان يتبع الجناح الليبرالي في الحركة الشيعية ، لقد كان علي شريعتي الثاني الذي دعى الى تطوير المجتمع الفارسي والى اشتراكية اسلامية لقد كان هذا الملا الشاب من اتباع آية الله الطالقاني .
وجاء يوم التاسع من محرم وبدأت الجماهير المسلمة تتجمع حول بيت الطالقاني وبدأت المسيرة من هناك الى غرب المدينة ، والتقيت باحد الشبان الارمن الذي يتبع فدائيين الشعب الماركسيين والذي كان واجبه مرافقتنا وعند المغيب تركنا الفندق ، ولا احد يستطيع التنبأ بما سيكون عليه موقف الجيش تجاه المتظاهرين وقد اخبرنا الملحق العسكري الالماني بان هناك نزاعات شديدة في البلاط ، حيث كان الجنرال اومينسي حاكم طهران والذي يخطط لقمع المظاهرات بالقوة ولكن رئيس الوزراء آزيري الذي يحوز على ثقة الشاه كان ضد ذلك وكذلك كان موقف الشاه ، وصدر الامر للجيش باخلاء مركز المدينة وفي هذه الساعة شعر جمهور طهران بأنه لا يوجد ما يقف بوجه نصر الاسلام النهائي . وقد تجمع حوالي مليون شخص في هذا اليوم يتحركون بمنتهى النظام في شوارع طهران واكثرهم كان ينادي الله اكبر خميني راخ بار ( قائدنا ) وقد حصلت بعض المنازعات بين المتظاهرين عندما حاول اتباع حزب تودة رفع بعض الشعارات ولكنها مزقت من قبل المسلمين . وفي اليوم العاشر من محرم ( عاشورا ) اكدت الثورة على نجاحها ، ولم يعد المتظاهرين يخافون الجيش وقبل ذهابي الى الفندق قال لي مرافقي الارمني ما لم يستطيع الماركسيون عمله ، فعلته عصابة من الملالي ونجحت فيه .
وركبنا سيارة اوصلتنا الى مخبأ آية الله طالقاني حيث كانت تتواجد هنا مركز حركة الثورة ، ان منظر طالقاني كان لا يختلف كثيرا عن خميني ولكن العذاب الذي تلقاه على ايدي السافاك ، ترك اثاره على نفسيته ووجهه ، لقد قضى سنين طويلة في سراديب السافاك الرطبة يعاني ، وقد اسيئت معاملته في السجن ويقال بان ابنته قد اغتصبت امام عينيه من قبل السافاك ودخلنا البيت ووصلنا الى حجرته وجلست الى جنبه : ان (15) سنة من السجن تركت آثارها على هذا الشيخ العجوز ، ولاحظت ان نوع من الطيبة ينبعث منه على عكس خميني ، كان طالقاني لا يؤيد الحكم الديني الذي ينادى به خميني في فرنسا وكان لديه تفهم للتقدم ، وقال ان القادة الدينيين يجب ان لا يكون لهم دور مباشر في الحكم ، ومن الجدير بالذكر ان طالقاني يتمتع بتأييد تجار البازار الرأسماليون
ان عالم الشيعة غريب وكتوم حيث يوجد حوالي 300 آية الله يمارسون دورهم كقادة او مستشارين في الحكم ، ويوجد ايضا في مراكز ومحيط المساجد حوالي 80000 ملا حيث يقومون باداء الصلاة واعطاء الدروس الدينية، والى جانب هذه الاعداد يوجد ايضا كبير من المساعدين الدينيين ، وزيادة على هذا كله يوجد اكثر من نصف مليون ايراني يعطون انفسهم لقب ( السيد ) وهذا يعني بانهم من اقارب النبي مما يجعل له الحق في ارتداء العمامة السوداء .
اما في القرية الفرنسية التي يسكنها خميني فقد بدأ الملالي وخميني بحزم امتعتهم استعدادا للسفر الى طهران .
¤ خرم شهر نهاية تموز 1982
بعد زيارتي لبستان ( البسيتين ) بتنا ليلة في مدينة الاهواز في فندق ( استوريا ) الذي يستخدم قسم منه كمستشفى ايضا ، وقد تعرضت عاصمة اقليم خوزستان في بداية الحرب للقصف بالقنابل وقسم منها كان لا يزال متهدما . وفي الصباح تحركنا الى الجنوب بصحبة العقيد كافاي مرافقي العسكري . وعلى جانبي الطريق المعبد كانت الدبابات المحطمة مكدسة وكلما اقتربنا من مدينة خرم شهر كلما كانت الاستحكامات العراقية والخنادق التي اثبتت عدم جدارتها تزداد وعلى مسافة عدة كيلو مترات مربعة زرع العراقيون قضبان سكك الحديد واعمدة التلفون في الارض ، هل كان جنرالات صدام حسين يدخلون في حساباتهم عملية انزال ايرانية ؟ وكانت مئات العربات قد غرست من مقدماتها في الارض ، انها صورة سيريالية علق عليها العقيد كافاي ( كل هذا للعرض فقط ) ومررنا بجنود ايرانيين ، وحراس الثورة والباسيج ( المتطوعين ) الذين لم يكمل نموهم بعد ، ملابسهم ممزقة وتسليحهم كان عاديا ولكن معنوياتهم القتالية كانت عالية وقبل مدينة خرم شهر بقليل استدرنا الى الغرب وسرنا في الشارع الذي يؤدي الى الميناء العراقي البصرة حتى اخر موقع ايراني ، وهنا وفي شبه مخبأ ( عبارة عن بناية متهدمة ) التقينا بالقائد المحلي ، حيث قدم لنا الماء البارد والعنب ، وكان القصف المدفعي يدوي حولنا ، ولم يكن الايرانيون يبالون بل كانوا يسمعون آخر الاخبار من راديو طهران عن محاصرة بيروت من قبل الاسرائيليين، وكانت انطباعات الايرانيين عن مقدرة القتال عن الفلسطينيين سيئة للغاية . وانضم الينا عقيد آخر ، وبدأ مباحثات مركزة مع مرافقي كافاي في الغرفة المجاورة ( غرفة الخرائط ) واغلب الظن ان المباحثات كانت تدور حول الهجوم العسكري على البصرة ، وسألت كافاي حول نسبة نجاح مثل هذا الهجوم ، فأجاب : بالطبع تستطيع الوصول الى البصرة واحتلالها ، بل وحتى عبور شط العرب . كان العقيد كافاي متفائلا جدا ، وقد اثبت بعد ذلك ان كلامه كان مجرد سراب . واستطرد قائلا : ولكننا نأخذ بنظر الاعتبار مراعاة السكان هناك ، ان البصرة كبيرة وهي ثاني مدن العراق ، ومعظم سكانها من الشيعة ، ولا نريد ان نضرب اخواننا بالقنابل وندمر منازلهم ، والعسكريون يراعون معنويات رفاقهم في الايمان في جنوب وادي الرافدين واستطعت اقناع مرافقي كافاي بالذهاب الى ابعد نقطة من المواقع العراقية ، وذهبنا بالجيب تاركين وراءنا بعض المخابئ المتهدمة وسرنا في نصف دائرة ، كانت امامنا غابة صغيرة من النخيل على بعد حوالي 100م ، حيث تخندق العراقيون ، ولم نستطع رؤية جنود صدام حسين . ولم يصدر عنهم اي رد فعل ، واستدرنا راجعين حتى وصلنا المواقع الايرانية ، وعندها حمد العقيد كافاي الله على رجوعنا سالمين وكذلك فعل الجنود الذين كانوا معنا وبعد ذلك اصر سائقنا من الاهواز بالذهاب الى الميناء ، وهنا يكوّن شط العرب العريض الخطوط الامامية ، وقد حذرنا الايرانيون وطلبوا منا البقاء خلف الاكياس الرملية ، حتى لا يصيبنا القناصة العراقيون من الضفة الغربية لشط العرب ، كان الميناء مسرحا للدمار والموت حيث اسرع العراقيون من هنا بالهروب الى شط العرب ، عند قدوم الايرانيين… واستطاع قسم منهم الهروب بالقوارب المطاطية ، ولكن الكثير قتلوا برصاص الايرانيين ، وتكدست على الشاطئ الاحذية والتجهيزات التي رمى بها العراقيون قبل ان يقفزوا الى الماء كي ينجو بانفسهم الى الضفة الغربية من الشط ، وقد وضع الباسدران خوذة حربية على كل مكان سقط فيه الجنود العراقيون قتلى ، كانت هناك المئات من الخوذ بين قضبان سكك الحديد وعربات القطار ومخازن الميناء المدمرة وتكدست الجثث تحت الانقاض ورائحة التعفن تنبعث منها والتي لم تثن حراس الثورة عن اكل حصتهم وهو صحن رز.
كان السائق يفتش بدون كلل عن جثث جديدة ، وقد بقيت جثث العراقيين لمدة طويلة في الشمس، كانت اجزاء اجسامهم تشبه المومياء ، واصبح جلدهم اسود وتقلصت وجوههم حتى صارت مرعبة . وهنا تذكرت اليافطات السوداء على جدران بيوت وادي الرافدين ( الشهداء اكرم منا جميعا ) .
منظر الدمار في مدينة خرم شهر ، والتي كان عدد سكانها قبل الحرب 200000 نسمة ، كان منظرها وكأنها تعرضت لهجوم ذري ، وقبل ان يسترجعها الايرانيون ، قامت هندسة صدام حسين العسكرية بتدمير بيوتها ، وفجرت بنايات الاسمنت المسلح . الدمار شامل ، كما كان الحال دائما بعد انتصار الملك البابلي الكبير وقال العقيد كافاي ان منظرها اسوأ مما لو ضربتها قنبلة ذرية ، لقد استعمل العراقيون اطنانا من TNT واتسائل ما هي الغاية من هذه الاعمال البربرية ، وصلنا مسجد المدينة ولم يكن مدمرا ، ورأيت مجموعة من زجاجات البيرة وقيل لي ان الجنود العراقيين كانوا يدنسون المساجد بها وهذا مما اشك فيه . كانت هناك لوحة معلقة فوق المحراب كتب عليها بالعربية والفارسية واستطعت قراءتها ياالله ، ياالله ، احفظ لنا روح الله خميني حتى ثورة الامام المهدي.
ورجوع الامام المهدي الغائب الى الارض مرة ثانية يطلق عليه الفرس ـــ الثورة ـــ وبالفارسي (انقلاب) وسيرجع الامام الثاني عشر ( المهدي ) من غيبته كثائر وسيبسط العدالة الالهية على الارض ، والى حين رجوعه يعتقد اتباعه اعتقادا راسخا بأن خميني سيبقى رجله وواليه الامين .