الموت أنواع وأشكال مثلما هي الحياة، فكثير مما يتصوره البعض إنه دليل بقاء هو في الحقيقة موت سريري لا ينتظر إلا لحظة اعلان الوفاة مهما توهم أصحابه غير ذلك.
ولا ننسى كيف وصف لنا القرآن الكريم حرص من اعتاد الذل على حياة، هكذا بأشد ما يكون التجهيل والتحقير أن يكون، حياة وحسب بأي شكل او لون او طبيعة.
ولكن مثل هذه الظروف السيئة دوماً تثير الانتباه، بل اني كنت دوماً أبحث عن إجابة لسؤال أطرحه على نفسي كلما قرأت عن مرحلة انكسار تاريخي، والدرس دوماً يتجلى ويسطع في زمن الانكسارات، كيف كان الناس يعيشون في تلك اللحظات؟! أي تأقلم وتكيف وضعوه لأنفسهم حتى تمكنوا من عبور تلك المراحل القاسية والشديدة.
ومن ذلك حياة المرابطين في فلسطين العزيزة، إذ تجدهم يمارسون تفاصيل حياتهم بهمة أكبر ممن استقر حاله واطمأن على واقعه، وفضلاً عمّا يوجده التحدي من استجابة متلائمة معها، فإن الإنسان الفاعل هو الذي يوجد أشكالاً للبقاء مهما تكن صعوبة الظروف التي يمر بها.
وهذا البقاء المطلوب لا يفهم منه السكون عن الأخذ بمتطلبات التغيير والاصلاح او المساهمة فيه بأي شكل من الأشكال.
لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن الكثير يتصور ان بؤس الواقع سبب للجمود، وسواء كان اولئك قد غفلوا ام تعمدوا الاختباء خلف تلك الذريعة فانهم مخطئون، مثلما ان الأغلبية تبقى صامتة بانتظار القول الفصل والفعل التغييري من الحكام والسلطات، فكيف ان كان اولئك جزء من الازمة ولا يمكن أن يكونوا سبباً في الحل بأي حال من الأحوال؟!
ان الحياة هي مجموعنا، والتاريخ هو نحن، والتغيير هو لوحة كبرى ونتاج تجميع الجهود، فإذا افترضنا أننا ننشد اللوحة البيضاء، كان من الواجب علينا ادراك أن كل واحد منّا يمكن أن يكون النقطة اللامعة التي تلتقي بأختها ليعم الإشراق ويتراجع الظلام والسواد مهزوماً.
ولعلي اعترف أنه في لحظات كثيرة يساور الكثير منا الشعور بعدم الجدوى لما نعمل ولموقعنا الضئيل في خارطة الفاعلية الكبرى، ولكن مثل هذا الشعور وإن كان مفهوماً لكنه لن يكون مبرراً أبداً، لأن نكوص أي أحد منّا عن واجبه وتراجعه عن حماية موقعه وتحصينه سيزيد من الفجوات والثغرات ويمنح حيتان السوء الفرصة لان تفترسنا ولات حين مندم.
كيف هي الحياة في زمن الموت؟ هي ما نصنعه نحن، ولم يكن يوماً ذلك دون مشقة او صعوبة، فقد قضت سنة الله تعالى في الكون ان نبقى نعيش وسط امواج التدافع بين الحق والباطل، وغير مسموح لنا ولو للحظة ان نمنح الباطل الفرصة ليعيش وينتصر، وتلك رسالة لا بد من الوعي بها وتعميمها من أجل العيش الحقيقي لا الاكتفاء بالأنفاس المزيفة التي لا قيمة لها ولا مكان.