لا يجوز النظر الى احتجاجات الشارع العراق من نفس زاوية التظاهرات السابقة، فهناك فهم جديد للتحديات و تصميم اضافي على نيل الحقوق الأساسية، التي تتعدى الخدمات و تصل مرحلة المطالبة بالتغيير الشامل، بغض النظر عن محاولات البعض شخصنتها أو جرها عن المسار الصحيح، المتمثل بالعودة الى روح المواطنة.
العراقيون يٌسمعون صوتهم الى الجميع متخندقين هذه المرة تحت راية العراق ، وهو تحول نوعي في الخروج من عنق زجاجة الانغلاق الطائفي، حيث تغيب الرايات الحزبية و الدينية عن هذه الاحتجاجات، ما يؤشر تحولا في فهم طبيعة التحديات المصيرية.
ويأتي هنا دور العقلاء في توفير مستلزمات نجاح التظاهرات في تحقيق أهدافها السامية المتمثلة برفض سياسة الأزمات المتداخلة والحلول الترقيعية بينما يئن العراق من جروح بليغة بسبب تجربة حكم لا تمتلك مقومات النجاح لأنها ذهبت بعيدا في مجاملة الغريب على أبن الدار، و تكلفت كثيرا في محاولات خلق رمزية حكم من رحم أحزاب لا تؤمن بالشراكة، و مؤسسات حكم متهمة بالفساد و انعدام القدرة على معرفة الحلول لبعدها عن الواقع.
ليس هناك من تعريف محدد لفشل ادارة الدولة العراقية ، لأن الاخفاقات كثيرة و خطوات الاصلاح و المحاسبة لا ترى بالعين المجردة وهو ما اعترف به رئيس الوزراء حيدر العبادي بالحديث عن رفض المسؤولين تخفيض رواتبهم و سقف امتيازاتهم، التي لم تحددها قوانين الخدمة والادارة المتوارثة في العراق بل فرضتها ارادة الاحتلال، لتؤسس لمراحلة فساد متراكمة أوصلت العراق الى مرحلة الافلاس غير المعلن، بسبب الاعتماد على القروض المفتوحة و عدم القدرة على ضبط النفقات لاتساع دائرة حيتان الفساد.
ولم يعد هناك متسعا من الوقت أمام العبادي للمحافظة على شعرة الثقة التي قدمها الشعب قبل عام فالرجل محكوم بمنظومة فساد و توافقات تمنعه من التقدم خطوة بالاتجاه الصحيح باعترافه شخصيا كما أنه لم يخرج من عباءة الحزب و موروثه السياسي ليبقى في دائرة ردود الأفعال و الوعود، بينما يحتاج العراق الى قرار قابل للتطبيق على الجميع، و من هنا يأتي تفسير توقيت ثورة العراقيين لاسماع رفضهم المساومة على الحقوق، بعد ذهاب غالبية السياسيين ابعد من المعقول في غض الطرف عن حقوق المواطنين ليبنوا مؤسسات حكم عائلية تفتقد الى مقومات النجاح و البقاء، ما يتطلب التفافا شعبيا حول هذه التظاهرات السلمية لمنع سرقتها من قبل حيتان الفساد التي تتوهم أن كل صوت عراقي هو طائفي غير مسؤول، بينما الصحيح ان رغبة العراقيين صادقة في الانتقال الى مرحلة بناء الدولة الوطنية لا مؤسسات الأحزاب التي أنهكت البلاد و العباد و اشاعت أجواء الخوف بفقدان الأمل، لذلك ينتظر العراقيون ضوءا في أخر النفق المظلم بتركيبته الحزبية ، من خلال احتجاجات شعبية لا زفرات سياسية بالوقت الضائع!!