عاش البشر على سطح الأرض قبل الاف السنين وظهرت الحضارات قبل ستة الاف عام على مانعلم ,وما ان تكونت المجتمعات حتى ظهرت المشاكل تلك المشاكل التي تظهر بمجرد احتكاك الانسان مع اخيه الانسان نظرا لعيشهم داخل المجتمعات.
لقد انعم الله على الانسان بنعمة لم يمن بها على غيره من المخلوقات وهي ان الانسان يعرف قيمة التجمع بعكس باقي المخلوقات التي وان عاشت في مجتمعات الا انها سارت في ذلك بالسليقة ولم تعرف ما للتجمع من فائدة ولذلك فهي قد تخلصت من مساوئ التجمع كما في الفيلة من الحيوانات , والنحل من الحشرات,فهي تسير سيرا” غريزيا لتحقيق مصلحة المجموعة وهو ما ابتُلي به الانسان ذلك المخلوق الذي هو مع الاسف يعرف قيمة التجمع.لقد عاش ابن ادم في بادئ الامر منفردا كغيره من المخلوقات ,ثم مالبت بعد ان تكاثر ان ادرك قيمة العيش في المجتمعات عن طريق توظيف جهود كل فرد للتغلب على الطبيعة اولى القوى التي اذلت الانسان واضطرته للدخول معها في صراع مرير كسبه الانسان حينا” وبطشت به الطبيعه احيانا اخرى.
وجميع ما استعرضته بديهي واصبح من المسلمات .هنا نقف لنتسائل, لماذا ظهرت المشاكل في المجتمعات ؟, او بعبارة اخرى لماذا تطورت مجتمعات ثم عادت سيرتها الاولى قبل التطور؟.
لا ادعي اني املك الجواب الشافي والكامل او كما يُقال جوابا” جامعا” مانعا” على هذا التساؤل, لكن ذلك لايعني ان جواب هذا السؤال مستحيل خصوصا وان التاريخ يرفدنا بمئات الامثلة لمجتمعات اهتزت وربت ثم اندثرت. لقد ارقني جواب هذا السؤال حتى قبل ان افكر في ان يكون جوابي مكتوبا , ولاكون صريحا يوجد الكثير من الاسباب لهذه المشاكل ولكني لم افكر الا في الخوض في سبب واحد وهذا ما عقدت عليه العزم منذ البداية!.
الشباب هم وقود المجتمعات والقوة المحركة فيها فهم واجهة كل امة ومصدر كل نعمة اذا مهدت لهم مجتمعاتهم سبل التنشئة الكريمة وطرق التعلم السليمة ليؤدو دورهم المنشود بلا تعقيد او قيود. وحتى لا نطنب في الكلام فأكبر مظلمة للانسان هي حرمانه من حق اجمعت عليه كل الشرائع السماوية واعلانات حقوق الانسان الا وهو الحق في التعليم , فأي دور يستطيع ان يؤديه الشاب اذا لم يكن متعلما” , كيف سيميز بين الجيد والرديء , والصالح من الطالح , بل كيف سيعرف حقوقه ليطالب بها في عصر تداخلت فيه القيم وتزينت فيه النقم. ثم ان الشاب بعد ان يتعلم هو بحاجة اللى العمل والعمل له دور كبير في حياة الشاب قد يكون اكبر من التعليم لان طلب المعرفة لم يكن في يوم من الايام شأن انساني عام ,كما ان ليس كل انسان غير متعلم هو انسان غير جيد او مفيد لمجتمعه ,كما ان ليس كل المتعلمين هم نافعين!. وبالعمل يجني الشاب اكثر من فائدة فهوه يكسب قوته وهذا هو الاهم ,ويفرغ طاقاته وهذا هو المهم , ويكتسب خبرات ويضيف ابداعاته وهذا هو نبراس كل ذلك.
ان العالم اليوم لم يعد كما كان سابقا ولم تعد المجتمعات منغلقة على نفسها ,لقد رأينا المجتمعات الغربية التي هي شئنا ام ابينا متقدمة في هذا المجال الا وهو ايلاؤها الشباب اهتمامها الاكبر فهم يدركون قيمة هذه الشريحة من المجتمع ودلت التجارب التاريخية في مجتمعاتهم ان الكثير من الأختراعات التي ينعمون, (وننعم) بها اليوم هي بفضل شباب مبدعين وفرت لهم مجتمعاتهم سبل انجاح ابداعاتهم وما (كراهام بيل ) مخترع الهاتف الا دليلا على ذلك , واكتفي بهذا المثال مع العلم توجد مئات الامثلة المعاصرة غيره. ولنذهب الى مجتمع اسيوي مثل المجتمع الياباني , مجتمع متقدم بكل ما تحمل كلمة تقدم من معنى وبالرغم من ذلك يولي الشباب اكبر اهتمامه , حيث تنفق الحكومة اليابانية حوالي خمسون مليون دولار سنويا مستهدفة من هذا الانفاق شريحة واحدة من شرائح المجتمع وهي الشباب لعمل مراكز ترفيهيه وغيرها من البنى التحتية لصقل ابداعات وتطوير امكانيات الشباب وتوجيههم توجيها سليما ليكونو افرادا صالحين مفيدين لانفسهم ومجتمعهم والاهم من ذلك اشعارهم بأهمية هذا الدور في المجتمع فهم قد ادركو حقيقة احمق من يتجاهلها وهي ان اهمال الشباب خلق لمشكلة من العسير تلافي نتائجها السيئة في المجتمع.
اما نحن فكيف تتعامل مجتمعاتنا مع الشباب ,سأتكلم عن المجتمع العراقي بأعتباري احد افراده وملم اكثر بمشاكله وتعقيداته.
نستطيع ان نقسم الشباب في المجتمع العراقي الى قسمين , قسم متعلم واخر غير متعلم اضطرته ظروف الحياة الصعبة المتمثلة بلقمة العيش الى ترك التعليم وهم الاغلبيةوتلك مشكلة لانعرف من نحاسب عليها في بلد لم يهتم الا بفتح باب واحد من ابوابه للشباب ,الا وهو الخدمة في الاجهزة الامنيه قبل وبعد 2003 وتلك حقيقة أمر من العلقم في مجتمع يمثل الشباب سبعون بالمئة من افراده .ومن البديهي في مجتمعنا ان الشاب غير المتعلم لا يستطيع الحصول على وظيفة لائقة كما ان العمل في القطاع الخاص يبدو شبه مستحيل , اذا كان لهذا القطاع ملامح في العراق الذي يبدو انه يراد لسكانه ان يعتاشو من ريع النفط فقط والذي يتوزع وفق قاعدة الجيوب غير المتساوية ولم يجلب لهذا البلد سوى الويلات…
وبالتالي فاغلب هولاء الشباب الذين يمثلون نسبة كبيرة جدا من المجتمع العراقي لا يحصلون ولايعرفون ابسط حقوقهم , وبالنتيجة فهم غير ملومين اذا اصبحو مواطنين غير نافعين للمجتمع ,ان لم يكونو ضارين ,فكيف يسير الحصان اذا كانت العربة امامه كما يقول المثل الانكليزي!.
اما الشباب المتعلم ففرص الحصول على وظيفة لائقة تبدو شبة مستحيله ان لم تكن مستحيلة اصلا والسبب هنا استشراء الفساد الاداري والرشى في مفاصل الدولة بعد 2003 (ناهيك عن قبلها)وعجز مؤسسات الدولة عن استيعاب جميع الخريجين وهو عجز منطقي في ظل تحجر البنى التحتية وزيادة السكان وهو مايؤدي الى ان يظلم الكثير من الشباب المتعلم فالمعيار ليس التحصيل العلمي او المجموع او الكفاءة كما هو منصوص عليه في القوانين ,بل هو مما يمليه العقل والمنطق السليم ,وانما الوساطة والرشوة , فاليس المهم تحصيلك العلمي او كفاءتك ,بل من تعرف المسؤولين وكم تدفع .وهنا تثور مشكلة البطالة لاكبر شريحة من شرائح المجتمع العراقي ,فترك الشاب بدون عمل وغلق جميع الابواب في وجه لهي اهانة لهذا الشاب واحتقار للذات الانسانية في بلد لم تتكافأ فيه الفرص ,وما المعني بتكافؤ الفرص؟ الا يعني وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ,ثم ان البطالة تدفع الشاب اذا كون عائلة الى البحث عن مسكن ومسألة الحصول على مسكن اصبحت حلم يراود كل شاب عراقي في بلد ثلاث اراضيه غير مأهولة بالعمران ,فيقضي العمر وهو يبحث عن لقمة العيش والسكن وتأمين قوت عائلته ,وبذلك يخسر المجتمع هذه الطاقات الشابة وتضيع الامال وتموت الاحلام ونستطيع ان نعمم ذلك على كل المنطقة العربية …
ومن طريف مايروى في هذا الشأن ان شابا اوربيا سأل شابا عربيا ماهي اهدافك؟
فقال له الشاب العربي ان اتزوج وامتلك بيت وسيارة فأمتعض الشاب الاوربي من جوابه وقال له: سألتك عن اهدافك ولم اسألك عن حقوقك!!! وشر البلية مايضحك.
ان الدستور العراقي لعام 2005 في المادة السادسة عشر منه ينص ((تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقين وتكفل الدولة اتخاذ التدابير لتحقيق ذلك)).
لقد ورد هذا النص في الدستور الذي هو القانون الاعلى والأسمى وهو ملزم لجميع السلطات في العراق , فمتى ستعمل هذه السلطات لتحقيق ذلك ؟.
نحن بحاجة الى فلسفة جديدة هي فلسفة اشباع حاجات المواطن لا اشباع حاجات المسؤول فهو موظف يعمل لحساب الشعب , والشعب مصدر السلطات , فمتى سيفهم المسؤولين ذلك ؟ فقد بلغ السيل الزبى!!!.