23 ديسمبر، 2024 2:55 م

عندما تقاتل الحضارة

عندما تقاتل الحضارة

لم اكن سمكة، ولافراشة ملونة، ولم اكن طيرا تتوزع حياتي بين بحيرتين، واحدة في الشمال واخرى في الجنوب اهرب من هذه الى تلك، وربما اتعلق باسراب الطيور التي تعرف الامكنة بلا تأشيرة دخول او جواز سفر، كيف وانا المحموم بحب الوطن، منذ البيرية والبسطال وحتى اللحظة، انا متوزع في حبي بين ثلاثة اوطان قيد الانشاء، وربما صرن اربعة، هل احب كردستان، ام احب غربستان، ام احب شرقستان، وان اقتضت الضرورة ان اكتب عن وطني ساكتب عن من، في عام 59 وفي الصرائف التي كانت تمتد بمحاذاة القناة، وتحتل مركز مدينة الالعاب، سحبت ساقي قابلة مسيحية اسمها مريم، كانت تسكن في السعدون.

كان البط المهاجر يأتي في كل حين، توسلت ان افعل كما فعل الشاطر حسن، واتعلق بقوائم بط روسي او من اية ارض باردة، خجلت ان افارق البحيرة التي التهمتني مرة ولفظتني، كانت صدفة ام قدرة على التعلق بالحياة، لم اميز الامر حتى الان، والعاصمة الكبيرة ستكون عاصمة من؟، عاصمة الدولة العربية الكبرى، بغداد اين ستضعين رحالك، وهل ستكون اربيئيلو اكثر منك جاذبية، حين تكون عاصمة كردستان وتبقين انت عائمة لايعرف احد اين سيكون موقعك القادم.

بغداد والف ليلة وليلة، بغداد وابو نؤاس، للمتوكل او هارون، لكل الذين غادروك بلا وداع يليق بك او بهم، بغداد المأمون ودار الحكمة، مدن منسية تتزوق الآن وتزف للرعاة، مدن لاتمتلك كرخا ولارصافة، ليس هنالك دجلة، ولانوارس، ولانخيل ، استوردوا النخيل ووضعوه قرب الماء المالح فرفض العيش، فضل ان يموت، كم باعوا من تراب دجلة ، عبؤوه في اوان ونقلته الطائرات، لم يقاوم بعيدا عن النهر تصحر وانكسر فؤاده، ادخر حنينا كبيرا ودموعا لكنها ليست لوداعنا الاخير.

لدي ثلاثون اطلاقة وضعتها مع الحنين والدموع، قسما بلصوصك الاربعين، قسما بعلاء الدين الذي اصبح سبة عليك، لن اغادرك ماشيا على قدمين، سافرغ اطلاقاتي عند رأسك المبجل، لن اودعك مهما كانت الظروف، سالعن واشنطن ونيويورك، سالعن مدن اللصوص وقطاع الطرق والبدو الرحل عشاق الصحراء، لابد من وجود ارواح ستنتفض، ستدافع عن ابوابك الاربعة، الاميركان، لم يحتلك احد ، كانت نزوة من نزوات الشعب كما في المغول، لن تكوني عاهرة وانت في هذا العمر والشيب، او سبية تباعين بابخس الاثمان.

يا الف ليلة سيخرج الف مارد ومارد من قماقمك الجبارة، ومهلا اميركا سنرى يوما ان الحضارة تقاتل، ستقاتل الحضارة وتنتصر، لم تكن المرة الاولى، انه عالم مذهل، ربما سيغلب السيف القديم الفانتوم المنحطة التي ترفع رأسها منتشية بقتل الاطفال، الف لعنة ستتمثل سلاحا فتاكا يجعل الاميركان ينكمشون ويعودون ادراجهم الى اصولهم، يتوزعون على القارات، هي نبوءة مشحونة بالم قاتل، الم من تتمزق اوصاله امام عينيه.

لايمكن ان يكون العالم بهذا الشكل، حكرا على قرارات المجرمين، ممن امتلأ بالحقد والشعور بالنقص، ويريد الانتقام من جمال لياليك الالف، لانتفق كثيرا مع ابي الطيب حين يقول: لاتشتري العبد الا والعصا معه، لكننا نتفق معه بشأن عبد واحد يريد تمزيق اهلنا وجعلهم امما وقبائل، للوطن الواحد الف فضيلة، وللوطن المقسم الف سيئة، اجمعي ابناءك يابغداد، وعلميهم ان طير ابراهيم سيعود ثانية كلا واحدا، سيهرع من رؤوس الجبال الى مناطق الاهوار والسهول، فهي ارادة الحضارة التي تجمعه في كل مرة.