23 ديسمبر، 2024 6:39 م

يدور صراع خفي لكنه حقيقي بين بغداد وأربيل، ليس على سلطة القرار فحسب بل التمادي في اضعاف هيبة الدولة العراقية من ناحية ، والسير بطريق ملغوم لاعلان انفاصل كردستان، وكأن بعضهم يتوهم عنوانا ووسيلة عندما يتربص بوحدة العراق، بل يتوهم أن بقاءه في العراق من باب التفضل على البلاد والعباد، رغم قناعتنا أن العكس هو الصحيح ، وان  ” دولة كردستان الكبرى” هي الوهم الأكبر في عقول سياسيين لم يستوعبوا تجربة ” جمهورية مهاباد”، ولا سنوات ” قحط الاعتراف الخارجي” يوم ظلت كردستان بين خطوط طول وعرض بلا اهتمام  دولي بفكرة الكيان مستقل، وستبقى كذلك، لأن قراءات العقلاء تختلف عن نزوات المهووسين بأكبر من دروهم.
لا نكاد نخرج من نفق حتى ندخل بما هو اطول منه في ” معمعة عدم الثقة” بين بغداد وأربيل، لأن بعضهم لم يشبع من الامتيازات ولم تشف غليله كل هذه الدماء الزكية التي تسيل بلا وجه حق بسبب نزوات أصغر من عقول أصحابها، الذين يلهثون وراء تغييب دور بغداد لصالح أربيل أو غيرها، مع استحالة المقارنة في الدور والهيبة بين بغداد، كعاصمة العراق، وبين أربيل مركز كردستان العراق .
 نقول ان ما يجري من تصعيد أمني وسياسي واقتصادي يمثل مفارقة من طراز خاص، فكردستان هي اقليم عراقي، وبالتالي لا يحق لها التسيد على القرار المركزي، لاعتبارت كثيرة، فقدرات كردستان محدودة جدا،بدليل ان القوات الايرانية والتركية وغيرها تعيث فسادا في ارض العراق في كردستان دون أن ترفع قوات البيشمركة صوتا مبحوحا رافضا أو مهددا بالرد، لكنها تقف بوجه جيش العراق في مهمة حماية حدود الوطن، ما يبين بوضوح الخلط بين الأجندات واللاعبين وأهدافهم.
ان أكثر ما يحز في النفس حد المطالبة بقلب طاولة التوافقات، أن قوات البيشمركة تعترض مهمة لجيش العراق وهو في طريقه لحماية حدود بلاده ، التي تمثل مهمة أكبر بكثير من طاقة البيشمركة ، أو ربما لأن هذه الأخيرة تغض الطرف عن خروقات لكي يبقى العراق في حالة غليان، أوعبر تسريبات تقول ان كردستان حريصة على دعم الثورة السورية التي تريد الحكومة العراقية العزف على وترها السلبي في دعم الأسد عبر ارسال قوات تضبط الحدود ، رغم هذا العبث السياسي العراقي ، نود القول ان الموقف الكردي في هذا الموضوع الخطير يمثل خروجا عن المنطق،  فما يسمونه ” مناطق متنازع عليها”، هي فكرة في قاموس كردستان لوحدها، وبالتالي فهي غير ملزمة للحكومة المركزية، ولا شعب العراق، حتى وأن جاءت ضمن توافقات قديمة لم تعد دستورية اصلا، ما يجعل من الخرق الكردي تجاوزا اضافيا وتماديا لا يجوز السكوت عليه ، لأن ارض العراق ليس مستباحة الى هذا الحد، ثم أن الدفاع عن حدود العراق هي مهمة ابناء جيشه ، طالما أن قيادات كردية تنأى بنفسها عن هذه المسؤولية بعد ان اختارت لنفسها خطوطا بيانية في الابتزازوخلط الأوراق وكسب المزيد عبر اللعب على كل الحبال نكاية بسيادة العراق.
ويتوهم هذا البعض في استمرار قدرته على خلط الأوراق، وتمييع القرار السيادي، ضمن ” فهلوات” الاقاليم والفيدراليات وغيرها، رغم ان هذه العناوين الطارئة  لا تمتلك مقومات البقاء ، ولا حتى أساس النهوض اصلا بدون أموال الدولة العراقية الموحدة، ما يظهر بالملموس عدم قدرة هذه العناوين على مواجهة هيبة الدولة العراقية عندما يجد الجد، لذلك ينبغي على الحكومة المركزية ان تتصرف بما يمليه عليها شرف انتصارها لكبرياء العراق قبل اي شيء أخر، بما في ذلك تحالفات وتوافقات ولدت أصلا من رحم اضعاف العراق.
ان مغالاة بعض القيادات الكردية وتجاوزها المتبقي من حدود المعقول وضعها في موقف محرج، بل أفقدها التوازن وقدرة التأثير في سير الأحداث، خاصة وأن عرب العراق لا يتململون من اخوتهم الكردية، لأنها نسيج اجتماعي متجانس، بل أن  أشد ما يثير حفظيتهم مراهنة قيادات كردية على مصادرة القرار العربي في العراق عبر  أجندات غير عراقية، وذلك بعد اخذ ورد طويل وتجاوزات على أرض الواقع كثيرة جدا،ما سينذر بمفاجئات لا يتمناها كل عقلاء العراق، لأن النتيجة ستكون أشد قسوة من سقوط مهاباد بعد أشهر قليلة على تأسيسها.
ليس من حق كردستان بكل عناوينها منع قوات العراق من ممارسة مسؤولياتها الوطنية، وليس مقبولا سكوت الحكومة على ذلك،  لأن المستهدف ليس شركة تجارية بل بلد كبير اسمه العراق العربي، الذي سيبقى كذلك، وعلى الأعزاء الأكراد التباهي بهذا الكيان المتميز لأنهم اذا خسروه سيكونون متنازع عليهم من قبل ارادات دولية كثيرة، ما ينبغي معه التفكير بالمستقبل عبر عراق موحد ومستقر،  وليس كيانات لا تقوى الا على خلق الفتن، ما يزيد من مسؤولية الحكومة العراقية  في انهاء كل عناوين الفرقة والانغلاق حتى لو استوجب ذلك تعديل الدستور، لأن وريقات كتبت في ليل دامس، ليست أهم من تاريخ شعب العراق وكبريائه، بعيدا عن المغردين خارج السرب بالفطرة، والذين تعودوا العيش عبر  تسريع  التسابق والتنافس على تنفيذ مصالح الأجنبي، ما وضعهم في موقف متراخي بشكل كبير، ومع ذلك يدعون انيابا ومخالب بوجه العراق، فيما الصحيح أنهم يحلمون بالمستحيل وسيندمون على معاداة العراق وأهله، لنهم وبدون ذلك سيصعدون لوحدهم الى جبل الهزيمة!! .

رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]