18 ديسمبر، 2024 6:18 م

 

منذ أن عُرف التشيع،بعد استشهاد رسول الله (ص )،واختلاف المسلمين على أحقية الخلافة بعده،وذهابهم إلى فريقين احدهم تبنى الشورى،وآخر قال بالنص والتعيين .حتى مجيئها علي بن أبي طالب، وتدافع المسلمين على باب داره (حتى وطئ الحسنان)،في ظاهرة شكلت تجربة فريدة في تطبيق “نظرية العقد الاجتماعي”.

انقسم المسلمون إلى شيعة علي،وهم “نفر”،وشيعة السلطة،وهم الأغلبية الساحقة،وسارت الدولة الإسلامية بنجاح بقيادة الأغلبية الحاكمة،ودعم الأقلية الحكيمة.

كان هؤلاء النفر الذين لا يزيدون عن عشرة(لم يتخلف عن بيعة أبي بكر سوى علي ونفر)،يبحثون عن تحقيق مقاصد الشريعة السمحاء التي جاء بها محمد ص (لا أكراه في الدين)، بمنهجية “الجهاد الفكري” فيما رأى الطرف الآخر تحقيقها بـ “جهاد السيف” ،وعندما عجزوا عن تحقيق أهدافهم،ذهبوا إلى المعارضة الايجابية،وعملوا على تحقيق مشروعهم الاستراتيجي المرتكز على إشاعة القيم والمثل العليا،وراهنوا على “التراكم الزمني” على تحقيقه،اقتداءً بسيرة الرسول الذي لم يطرح نفسه الركيزة الوحيدة في التغيير،بدليل أن القرآن كان يخاطب الجميع “يا أيها الناس …”و”يا أيها الذين امنوا….”،ولم يقل يا “محمد”.

المدرسة الشيعية التي تقاربها بالعصر لحديث “المدرسة الكونفوشوسية” اليابانية،التي تبنت إشاعة القيم،لم تكن طامحة للسلطة على مدار مسيرتها،حتى نعتت بمذهب اللطم دون الحكم،لم تكن عاجزة عن ممارسة دهاء السياسة وإدارة الحكم،حتى قال منظرها الأول (…..ليس معاوية بأدهى مني لكنه…..)،بيد أن عداء الآخرين يجعلها مضطرة لتنفيذ “إستراتيجية الدفاع”التي يمنحها حقها المشروع في الدفاع عن نفسها!.

تجربة “فتوى الدفاع الكفائي”،التي أربكت جميع المخططات وفاجئه الجميع،ما هي ألا نتاج لمدرسة القيم التي تبناها الشيعة على مدى أربعة عشر قرن.

ما نشهده اليوم من استهداف،لبعض رموز تلك المدرسة،عبر تخوين بعض العمائم الشيعية،واتهامها بارتباطات مشبوهة على حساب الوطن،ما هي إلا نسج خيال قوى لا تريد الخير للعراق وأهله، وهي ردة فعل غبية للانتقام من تلك العمائم التي لعبت دوراً في قطع الطريق على تلك القوى لتحقيق مشاريعها في العراق.

ما تم تأشيره في الأزمة الأخيرة،التي استهدفت نشوب “صدام نوعي”،هو هشاشة وعي الأتباع،والتسرع في التراشق الإعلامي،وكأننا في “بورصة” مزاد إعلامي، لتحقيق منافع وغايات شخصية أصبحت مكشوفة،على حساب الوطن!.

لذا على القوى السياسية،أن تضع في حساباتها مواجهة مثل تلك التهديدات الخطيرة،التي أشبه ما تكون قنابل موقوتة،وان تضبط إيقاع الأتباع في مثل تلك المواقف،من خلال توعيتهم بالثوابت الإستراتيجية،التي تقف في مقدمتها براءة العمامة الشيعية من الخيانة،كبراءة الذئب من دم يوسف.