23 ديسمبر، 2024 3:26 ص

علي يونسي + علي السيستاني ولعبة الاختباء

علي يونسي + علي السيستاني ولعبة الاختباء

كأنها أمور قدرية أن يظل العراق شهياً بحسد المتربصين به ، مرغماً على تحمل سيل لعاب الآخرين من الجيران والثيران فحينما يتناطح الكبار ، يتقاتلون على أرضنا ، وحينما يقرر الصغار أن يلجون بلعبة الدين ، فلا يجدون إلا مدننا ، وحينما يكرهون الدين لأنه حولهم من عابدين للنار والشمس إلى مؤمنين يسترشدون بهداية الخالق الواحد الأحد ، وأن يحولون عبادتهم إلى نور السماء كهداية لكي يعرفون طريق الله ، ينتقمون منا جزاءً عما قدمناه لهم ، لأننا صدقنا ، قلنا ففعلنا ، يؤذوننا لأننا قدمنا لهم أفضل ما يختمون به أعمالهم وحياتهم الفانية .

فيرجعون إلى العصبية القبلية أو القومية التي لا يستطيعون أن يغادرون أيدلوجياتها مهما اختبئوا خلف إدعاءاتهم الكاذبة أو غيروا خطاباتهم السياسية أو الدينية من أجل ذر الرماد بالعيون ، يرجعون بعدها إلى أصلهم ومنبع تفكيرهم الذي تربوا عليه أجيالاً تلحق بأجيال ، ولكن النتيجة واحدة ، علينا كأرض وشعب وحضارة أن نكون نحن من يدفع الثمن ، لأننا نستحق أن نكون دافعين الثمن دائماً ، وذلك لفقداننا أواصر كثيرة وعديدة ، أفقدتنا قوتنا وهيبتنا بعيون الآخرين .

فهؤلاء يدركون أن التأريخ ليس فارسياً ولا وهابياً بل هو تأريخ مشرف مغروس بأعماق الأرض ممتد لا ينتهي ، حينما تباهي علي يونسي ، مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات في إيران حالياً ، وهو يتبجح بسرد التأريخ الإمبراطوري لإيران منذ نشأته ، ونسي أنه يتكلم بهذه اللغة المتعجرفة الجوفاء ، وهو يضع على رأسه عمامة تمثل شرفاً هاشمياً محمدياً عربياً ، هذه العمامة التي نورت له ولأمته الدرب ، ولكن وعلى ما يبدو أنها بقيت تحمي رأسه من الشمس لا أكثر ولم تمنحه فكراً دينياً وسطياً كما يدعونا ديننا الحنيف .

وما دام التصريح الذي تحدث عنه علي يونسي حينما قال (أن الإمبراطورية الفارسية تعيد أمجادها من جديد وعاصمتها بغداد كما كنا نريد ) هو تصريحاً وقحاً يعلن فيه من دون خجل أو تردد الطموحات الإيرانية المتغلغلة بعقليته وعقلية أسياده عبر عقود مرت ، ومداعبته للحلم الفارسي المتجذر ، والذي لا يتمكنون من نسيانه لأنه عميق بثقافة ذهنية نرجسية تسكن التأريخ الساساني ورغم أن بني فارس قد غيروا أسمهم إلى دولة إيران في عهد رضا خان ، ولكنهم لم يتمكنوا من تغيير طموحاتهم أو التنازل عنها ، حيث اتخذوا الدين والإسلام والتشيع مجرد ستار مبرقع يستخدمونه في ملهاة يتعاملون فيها للتغرير بالبسطاء واستخدام عواطفهم ودموعهم حيثما وجدوا ذلك نافعاً في الزمان المكان .

ولأن الحضارة الفارسية أصلاً تعاني من عقدة النقص التاريخي المتجذر لأنها جاورت حضارة وادي الرافدين العميقة عمق الخليقة ، وليست بعيدة عن حضارة وادي النيل العظيمة بمفردات أسسها ، فهي تنتظر وتتلصص بانتظار الفرص السانحة حينما يضعف عود حضارتنا لتستغل الأجواء وتكون حاضرة تحت عناوين شتى ، وما احتلال كورش لبابل في القرن السادس قبل الميلاد إلا نموذجاً تاريخيا يظل شاخصاً عبر السنين حينما تحالف مع اليهود لتدمير الحضارة البابلية التي سبت اليهود نتيجة لأفعالهم المشينة آنذاك ومن يراجع التأريخ بحرفية المختص

سيجد ما يفعله أبناء فارس على مدار الزمن فهم كانوا يتعمدون استنساخ حتى التماثيل والشواخص التاريخية التي تركتها حضارة ما بين النهرين كي يجيرونها لتأريخهم وكان الحاكم الساساني الذي أورث الأمر للحاكم الفارسي والذي أورث الأمر للحاكم الإيراني أن يستفيدون من ضعف المزيج الطيني الذي تصنع منه التماثيل واللقى الحجرية الصغيرة ، ليتم استنساخها في بلاد فارس بشكل مطابق ولكنهم يستفيدون من خامات الحجر الصوان الصلب الذي تتمتع به البيئة الإيرانية عبر العصور ، بل أكثر من ذلك حتى المناسبات والأعياد كانوا ينسبونها لتأريخهم ومنها مثلاً عيد نيروز الذي أصبح فيما بعد العيد القومي للدولة الفارسية ، بل أصبح يمثل لهم موعد لبدء السنة الفارسية الجديدة ، علماً أن هذا العيد وهذه المناسبة هي تقليد سومري عراقي أصلاً كان خاص بحلول الربيع وتفتح الأزهار والأشجار ، أو ما كانوا يسمونه لدى السومريون بعيد النشأة الجديدة من كل عام ، وكانت قد أقرت هذه المناسبة لدى السومريون قبل أن تكون فارس كأمة وحضارة بقرون عديدة .

تلك الأمور وغيرها العديد من التفاصيل التي لا يتسع المجال لذكرها ، قد خلقت حالة من الغيرة الشديدة لدى جيراننا الفرس ، جعلتهم يقتنصون الفرص لتوجيه الأذى ألينا ، ولأن حضارتهم لا يوجد فيها قيمة لمفاهيم الجيرة الحسنة ، والإسلام بكل قوته وعنفوانه وأدبياته لم يتمكن من ترويض نفوسهم بالشكل المطلوب ، لأنهم يحملون عنصرية ظلت وستبقى حتى قيام الساعة تؤكد على أن الفرس أولاً وقبل كل شيء والإسلام سيظل مكملاً بما لا يمنع أو يعطي تقويماً مخالف لتعنصرهم .

هذه التربية وهذه الثقافة لم تقتصر على التأريخ القديم فقط ، بل امتدت إلى نشأت الدولة الصفوية ألتي اعتمدت الفكر الشيعي ، ومنهجية أهل البيت عليهم السلام ، ولكن التوجه الجديد تطلب أن يتم التمركز والسيطرة التامة على المنبع الحامي لهذا الفكر الجديد ، من خلال السيطرة على العلوم الدينية ومدارسها وحوزاتها في مدينة النجف الأشراف .

فتحوله من مركز عربي أسلامي يتبع فكر أمامه العربي ( علي بن أبي طالب ) عليه السلام ، إلى مركز فارسي بامتياز من خلال محاربة المرجعيات العربية ودعم المرجعيات الفارسية أولاً والأعجمية ثانياً ، وليس غريباً أن تتم السيطرة التامة للمرجعيات الفارسية بعد وفاة الشيخ العربي المجتهد جعفر كاشف الغطاء قبل أكثر من قرنين ، عدى بعض الاستثناءات العربية التي تمت تصفيتها بطرق مختلفة . هؤلاء القوم يقفزون على التأريخ دائماً ، يطمسون تأريخنا ، ويلمعون تأريخهم ، من أجل إرضاء العقدة التي يحملونها وما تحدث عنه علي يونسي كان تنفسياً لغيض من فيض ، وكعادتهم الإيرانيون الماكرين ، فهم يطلقون الكلام ، وينتظرون ردة الفعل التي ستحدث حتى يبنون أفكارهم ومخططاتهم المقبلة عليها ، وإن موضوع صدور بيان نفي صحة كلام يونسي لاحقاً ، ليس إلا من أجل رفع الحرج الذي تعرض له سياسيون عراقيون تقودهم طهران وتتصرف بهم كأدوات الشطرنج ، حيث لم يشفع ذلك عن حصول حرج شديد قد تعرض له السيستاني ومرجعيته التي يتصرف من خلالها ، فأضطر وكلائه أمثال أحمد الصافي للتبرير بكلمات ضعيفة لا معنى لها لأنه مقتنع أن الحقيقة معروفة للجميع ، وأن يونسي قد قام بخطوة إستباقية غير موفقة من حيث التوقيت فهو بتصريحه قد أحرج مرجعية السيستاني الصامت دوماً وأبدا والمختبئ عن الدين والدنيا بحجة عدم معرفته باستخدام اللغة العربية ، وعدم القدرة على نطقها ، وهذا ما يؤكد على إن ( العذر أقبح من الفعل ) ، فكيف لمن يدعي

الاجتهاد والمرجعية ، يجهل لغة القران التي هي أساس كل مجتهد ، لأن من صفات المجتهد والمرجع أن يكون متبحراً بكلام الله ، وبلغة دستور الله إلا وهو القران ، ومن يتمكن من قراءة القران وفهمه ، سيتمكن من تفسير آياته لأبناء الأمة ، حتى يبني أحكامه على ما فهمه ، وبذلك يصبح طليق القول بلغة الضاد ، لغة العرب التي ينتمي أليها النبي العربي الأمي محمد ( ص ) والسؤال المطروح على الدوام هو إلى متى سنظل ننتظر مرجعاً حياً بالاسم فقط ولكنه مختبئ عن العيون ، ومن سيضمن أو يؤكد أنه هو من ألف رسالته العملية المطروحة بالأسواق ما دام هو غير قادر على توضيحها لعموم الناس ؟

إن خير من وضح إمكانية السيستاني العلمية والفقهية هو العلامة المرجع ( كمال الحيدري ) حيث أكد بلقاء مسجل بالصوت والصورة ، أن السيستاني لا يمتلك علمية كافية تؤهله ليكون مجتهداً ومرجعاً حتى ، وهذا التقييم قد صدر من مرجع كبير متبحر بالعلم ولا غبار عليه ، وليس من شخص عادي ، وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد على أن شخصية ومرجعية السيستاني ما هي إلا شخصية لمرجعية سياسية بامتياز صنعت لأجل مهمات محددة ، والعلاقة الدينية التي يتبناها هي فقط للصورة العامة التي تؤثر بعواطف الناس وخاصة من البسطاء والأميين اللذين لا يستخدمون عقولهم بعلمية ويحاكون عقولهم بشكل أمرنا الله به أن يكون ، وهذا هو المطلوب ، كي تظل الأمة نائمة والشعب مقتنع .

لقد مللنا هذا الخرف المتواصل ، ومللنا الاستهانة بعقولنا ، أقولها ولأول مرة مكرهاً أنا شيعي من جنوب العراق ، وأرفض كما هو غيري الملايين من المهمشين اللذين يخافون الجهر ، أن هذه المرجعية لا نعرفها ، ولا نمت لها بأي صلة ، هذه مرجعية الخراف التي يسوقنها للذبح ، ونحن نرفض أن نكون كذلك ، كيف لأمة أن تقبل بالتعامل مع زعيم روحي كما يدعي أو يدعون ، وهو مختبئ بالكواليس أو خلف الجدران ، أنما هي لعبة سياسية قذرة ، وإن علي يونسي لم يتكلم من فراغ ، بل هو تكلم وهو مطمأن لما سيكون .