بعيداً عن الضجيج الاعلامي والتوقعات المتسرعة عن قرب سقوط النظام السوري الحالي، إلا أن الحقائق على الأرض تدعو الى التأني في أصدار الاحكام على وفق الأمنيات. فسورية اليوم وإلى مدى لايقل عن عام ستظل تدورعلى نفسها، خصوصاً وإن ميزان القوى مايزال يميل لصالح النظام. أما المعارضة المسلحة، فالبرغم من الدعم المالي والعسكري الغربي والخليجي، فأنها غير قادرة على توحيد صفوفها، بل والازيد من ذلك لايثق أياً منهم بحليفه! يقابل هذا وحدة صف النظام بجيشه وأجهزته الأمنية، ناهيك عن الحزب الذي لم تظهر عليه حتى اليوم أي من بوادر الانشقاق. وحتى وإن كان دور الحزب هامشياً في ظرف المعارك الطاحنة إلا أنه يظل غطاء يضفي نوعاً من الشرعية على النظام ويجمع حوله كثير من اعضائه المتباينين في انتماتهم، فمنهم العلوي والسني والدرزي والمسيحي والاسماعيلي. بينما نرى إن المعارضة المسلحة تنطلق من استقطاب طائفي يضاف إليه صراع خفي بين السلفيين والأخوان المسلمين داخل الطائفة الواحدة .
وتميل التقديرات الواقعية إلى أن الحال في سورية سيبقى على ماهو عليه حتى ربيع العام المقبل، أي الى مابعد الانتخابات الرئاسية الامريكية، ومع هذا فان الغرب وأمريكا تحديداً لم تعد متحمسة لاسقاط النظام السوري بعد ما حدث مؤخراً في لبيا من هجوم على قنصليتها في بنغازي وقتل السفير وثلاثة من معاونيه على أيدي السلفيين الذين جاءت بهم القوات الأمريكية كذلك في مصر واليمن إلى الحكم بعد اسقاط انظمة القذافي ومبارك وصالح. ويذهب العديد من المراقبين السياسيين إلى أن تجربة أمريكا مع السلفيين ابتداءً من حرب أفغانستان وحرب العراق بعدها، وأنتهاءاً بغزو لبيا واسقاط نظامها الاستبدادي وتسليم البلد الى القبائل المتنازعة وبالتالي الى السلفيين المتطرفين.. بعد هذا كله لم تعد واشنطن جادة فعلاً في اسقاط النظام السوري خشية أن يسيطر السلفيون على ماتبقى من الدولة، وما ينتج عن ذلك من حرائق هائلة تتعدى حدود سورية إلى دول الجوار، قبل امتدادها إلى دول الخليج.
يتوقع بعض المحللين السياسيين بأن العراق سيكون ثاني البلدان المستهدفة من قبل القاعدة في حال استولت على السلطة في سوريا، خصوصاً وإن للقاعدة حواضن في المحافظات الغربية. وكان لهذه الحواضن دور كبير في امداد المعارضة المسلحة السورية بالرجال والسلاح والمال.
ويتكهن آخرون من بين المحللين السياسيين بأن العراق سيكون لقمة سائغة للغزو السلفي والذي سينطلق من سوريا بأتجاه بغداد، لاسقاط نظامها. غير إن آخرين من السياسيين يرون غير ذلك، إذ عادة ما تسعى القوات المسلحة المنتصرة إلى خصم هش لايحتاج لنزاع العسكري مكلف والى عدد وعدة كبيرين، وهو الأردن في هذه الحالة. فالأردن رغم مظهره الخارجي المتماسك يعد من أكثر الدول العربية مهيأً لصراع داخلي مرير. وتنام فتنة خطيرة تحت الرماد منذ عشرات السنوات بانتظار رفع الرماد عنها، ألا وهي فتنة : هذا فلسطيني وذاك أردني. بمعنى إن صراعاً غير معلن، ولكنه معروف، يدوربين الذين هم من أصول فلسطينية (اكثر من نصف سكان الأردن) وبين من هم من قبائل بدوية كانت ومازالت تعتقد بأن الدولة والحكم من حقها ولا ترى للفلسطينيين أيةَ حقوق غير حق اللجوء.
يضاف الى ذالك، أن التيار السلفي، رغم سعة انتشاره وقوته التي باتت تخيف الحكم في عمان، إلا انه لم يستطع حتى الآن ولا حتى في المستقبل . من توحيد صفوف أهل الاردن، أو على الأقل تبريد الصراع على السلطة بين الفلسطينيين والاردنيين الذين هم من قبائل عربية. فالأردن، لعله من أسهل الدول تأثراً باحداث سورية وما ستنتهي اليه، فإن سقط نظامها فالنظام الهاشمي لاحقه لامحالة!.
قد يقول بعض المراقبين السياسيين إن وجود النظام الهاشمي يعد ضمانة لبقاء اسرائيل آمنه. ونقول لهؤلاء: إن اسرائيل نفسها عملت وساعدت على تقسيم السلطة الفلسطينية بين فتح وحماس واقامة دولتين واحدة في الضفة الغربية واخرى في غزة، فما المانع من أن تقسم السلطة في الاردن بين الفلسطينيين والاردنيين كلاً منهما مستقلاً عن الآخر؟ ثم إن ماتطمح اليه اسرائيل هو ايجاد البلد البديل لاسكان فلسطينيي الضفة الغربية.. أليس ذلك مغرياً لأسرائيل في تقبل فكرة سيطرة القاعدة على الاردن ؟!
نعود الآن الى العراق باعتباره الهدف الأول للقاعدة فنقول: إن العراق يختلف كلياً عن سوريا.. صحيح إن العراق متنوع الطوائف والقوميات مثل جارته الغربية، إلا أن وجه الأختلاف بينهما هو أن الطائفة الاعظم في سوريا هي السنية حيث تنشط القاعدة مستعينة بحوالي سبعين بالمئة من سكان سورية وأن كان الكثير منهم غير مؤيد للقاعدة ولا راغب في سلطتها. في حين تشكل الطائفة الشيعية الكتلة الكبرى في العراق بحوالي سبعين بالمئة من سكان العراق. والمعروف إن هذه الطائفة الكبرى في حال نزاع عقائدي مع القاعدة وعداء لايمكن ايقافه عند حدود العقل. بينما تجد إن حاضة العراق(السنية) للقاعدة تختلف عن شقيقتها السورية، فهي مرتبطة بالعراق وليس بالدولة الاسلامية الموعودة. فستواجه القاعدة تحدياً سنياً عراقياً قبل أن تصطدم بالكتلة الكبرى المعادية لها. ومعنى هذا هو أن القاعدة، ومهما أوتيت من قوة مادية وبشرية لن تنجح في إخضاع العراق لسيطرتها وحكمها، وحتى وإن تدخلت أطرافاً أجنبية مثل تركيا ودول الخليج، فكل الذي سيحصلون عليه موقع قدم في المنطقة الغربية من بلاد الرافدين، وحتى موطئ القدم هذا لن يكون مستقراً آمناً للسلفيين، فسنة العراق متحضرون وأقصى مايطمحون له هو قيام دولة عراقية مدنية .وعادة، لايمكن الجزم في كل الأمور. فهناك إحتمال، وان كان ضئيلاً بإقامة دولة سنية حسب خطة نائب الرئيس الأمريكي الحالي (جو بايدن) الذي اقترح خطة لاقامة ثلاث دول في العراق منذ وقت مبكر، أي بعد سقوط نظام صدام .
وتأسيساً على هذا، لايبدو أن العراق سيكون البلد التالي بعد سورية في حال تمكنت القاعدة من الاستيلاء على السلطة في دمشق لصعوبة حالة العراق عما هو عليه حال الاردن وحتى لبنان. لكن هذا لايعني إن العراق سيكون آمناً مئة بالمئة عندما تستولي القاعدة على جزء من أرضه في غرب البلاد. وهذا هو مايخيف الحكومة العراقية الحالية، وهذا هو مادفعها إلى الوقوف مع النظام السوري في حربه ضد التطرف التكفيري المسلح.
قد يقول قائل بأن ايران حليفة سوريا هي من يحث العراق على مساندة نظام حليفه التاريخي (السوري).. لكن هذا القول فيه الكثير من التجني ، فالحكومة العراقية تدافع عن نفسها بموقفها هذا ، وتدافع عن شعبها أيضاً، وهو الذي اكتوى بنار القاعدة طوال ثلاث سنوات، وأكثر . فنظام الأسد، وهو خصم سابق لعراق مابعد صدام، وموقف المساندة العراقي هذا إلى جانب الاسد ليس حباً فيه .. ولكنه اضطراراً فرضته غريزة البقاء.