السياسة ألاعيب ومسرحيات , وما يجري منها خلف الكواليس أعظم مما يظهر على خشبات مسارح الأحداث , وما يبدو منها كالذي يبين من جبل الثلج الغاطس في الماء.
ففي الإقتراب تلادغ ولسعات , ومنافذ لنفث السموم والشروع بمتواليات الويلات والملمات , والإنطلاق نحو العواصف والزوابع والأعاصير والهزات التدميرية التخريبية الهوجاء.
ولا يمكن لعقل القبول الساذج بأن أي تقارب ما بين قوى مرهونة بإرادات قوى أخرى , أنها تتحرك إنطلاقا من نفسها وتقديرها للأحداث والأمور , وإنما هي تنفذ برامج ومشاريع وتقوم بدورها المطلوب في مسلسل الأحداث المرسومة والبرامج المحكومة التي تم الإعداد والتدريب على تنفيذها.
فما يجري في المنطقة لا يمكنه أن يكون من صنع أنظمتها الغير قادرة على صنع أي شيئ , وهي في مآزق دفاعية وتورطات مصيرية , وكأنها المشرف على الغرق ولا يعنيه سوى التمسك بما ينجيه منه.
فلا يمكن التصديق بأن المرهونين يمكنهم أن ينطلقوا بحرية وإرادة ذاتية وموضوعية , وتفاعل جماعي لخدمة مصالحهم وتعزيز قوتهم , لأن في ذلك تعارض مع مصالح القابضين على مصيرهم.
وإن صح هذا الإقتراب فأن المنطقة مقبلة على أزمات متفاقمة ذات نتائج وخيمة , وأن دائرة النكبات المفرغة التي تدور فيها منذ بداية العقد التاسع للقرن العشرين وحتى اليوم , ستمضي بتعجيل متسارع يهدف إلى التشظي والتمزق والإضعاف , وإلى مزيد من الإرتهان والتبعية والخنوع والإستسلام المطلق للعابث بمصير المنطقة , والآخذ بها إلى حيث يريد تحقيق ما يعتقده في الأوراق العتيقة الصفراء.
فالواقع المتهالك يكشف بوضوح أن الحالة العربية تتدحرج إلى وديان إنقراضية وإتلافية , يساهم في دفعها إليها العرب أنفسهم والقوى الإقليمة بوعي أم بغير وعي منها , أو أنها مخمورة بأوهامها ولن تستفيق منها إلا على شفا حفرةٍ من الخراب والهلاك المبين.
فالتناحر ما بين جيران ذوي تصاهر وتداخل حضاري وتأريخي وثقافي وسلوكي , يعني أن الواقع بعناصره المتفاعلة سيأخذ الجميع إلى مستنقعات التلاحي والخسران والنكد المهين.
ووفقا لإرادة المتنفذين المقررين لمصير أمة بأجيالها , فأن التقارب يتسم بطبائع عقربية , والتجاور الرحيم يجب أن يكون جورا أليما!!
فهل من يقظة جيرانية وإسترشادٍ بقيم الجوار التي أعلى دورها الله والرسول والكتاب الحكيم؟!!
وهل من عربٍ يغارون على العروبة والدين , وبالتي هي أحسن يتفاعلون؟!!