بالامس ذهبت الى مدينة النجف، وبالتحديد الى مقبرة وادي السلام، لزيارة ابني أخي الطبيب عمر والمهندس علي الشابين اللذين قضيا بسبب اهمال المستشفيات وأخطاء الأطباء أصحاب السماعات من الذين أحرزوا معدلات عالية فذهبوا الى كلية الطب، دخلت في مقبرة كلها من الشباب، صرخت إحدى النساء صرخة عالية، واعقبتها: ( يمّه … عزه ابعين الحكومه)، فصرخت من مكاني عزه ابعين الحكومة حين جعلت المستشفيات مسالخ للاحياء، عزه ابعين الحكومة حين جعلت من حوادث الطرق نتيجة لاهمالها حرباً جديدة يخوضها العراق المسكين، عزه ابعين الحكومة حين القت الحبل على الغارب وتركت التجار يستوردون ما يشاؤون من المواد الغذائية القاتلة، عزه ابعين الحكومة حين اعلت من شأن العشائر وجعلت الموت شيئاً عادياً يسير في الطرقات ، عزه ابعين الحكومة حين سلّحت الأطفال ، وتركت البنادق والمسدسات تباع كحلوى العيد في أيام زمان، عزه ابعين الحكومة التي ادخلت وسمحت باستيراد كل شيء يجلب الموت من التكتكات الى السايبات الى الدراجات التي تقتل من تشاء، لا استطيع لوم احد على ما يفعل، قبل عشرين سنة كنت استهجن الذين يمزقون ثيابهم على قبور الموتى، لكنني الآن اؤمن ان على كل عراقي ان يمزق ثوبه من الحزن على ما وصل اليه هذا البلد المنكوب، شباب بعمر الورود ضاعوا تحت مسميات عديدة، الحرب الطائفية والتصفيات الجسدية والحروب التي لم يحسب احد حسابها وحوادث العشيرة التي صارت دولة تحكم بما تريد، ومن ثم حوادث الطرق والمستشفيات.
كنت ابكي عند كل قبر لشاب قضى بحادث جبان، وشاركت العديد من الامهات بكاءهن، لا لشيء فقط لأطفىء جذوة النار التي تلتهب بداخلي، ويذيلون النعي بحادث غادر وجبان، ما ان تنتهي حتى تقرأ شاهدة القبر الآخر، بحادث مؤسف وتتوالى الحوادث والأحداث، مئات الآلاف يرقدون تحت التراب، حوادث الطرق التي حصدت من الارواح مالم تحصده حروب كبيرة، وحوادث انتشار الاسلحة ووقوعها بيد الجهلة بلا ادنى ضابط انساني، كنت اكرر امام كل شاهدة لمغدور اوشهيد او مقتول بنزاع عشائري: عزه ابعين الحكومة، حتى عدت مرهقاً كسيراً، تعبت من الدوران حول القبور، فقد صار الأحباب هناك أكثر ممن تبقى لنا في الحياة، عدت واذا بي اقرأ منشوراً لأحد الأصدقاء يكرر ذات اللازمة : عزه ابعين الحكومة، حيث ان امرأة سألت زوجها: لماذا الجميع يشتم الحكومة ويسبها بمناسبة وبدون مناسبة، فكر الرجل ملياً لكي يختصر لها الطريق ولا يجلس يعدد المساوىء التي ارتكبتها الحكومة بحق الشعب، فلجأ الى حيلة مفهومة، وناداها اطفئي الضوء وتعالي، وحين انتهى منها قال: هذا مافعلته الحكومة بالشعب، فقالت: (عزه ابعين الحكومه هيج امسويه بالشعب)، وانا ارجح انها فعلت الكثير وأدمت قلوب الناس، مرة لأنها تريد ذلك وأخرى بغبائها وثالثة استجابة لأوامر وتدخلات خارجية، ورابعة لضعفها وعدم تمكنها من ضبط الشارع الذي صار لا يطاق.