لم يعد العراق دولة راشدة بل مجموعة غير متجانسة من مسؤولين يتصارعون على كل شيء غير مصلحة الوطن، يزحفون على بطون لم تشبع من السحت و لم تعتبر بالفشل و سوء التقدير و انعدام الكفاءة، لتتحول استثناءات الادارة و النجاح الى خصوصية عراقية بأمتياز، ما يبرر بقاء الخائفين في مناصبهم و تهجير الكفاءات أو قتلها بدم بارد، لأن الفشل يطرد النجاح لتبقى الأمور في عنق زجاجة اللاخوف من تجاوز حدود الله في خلقه!!
لا يوجد بلد في العالم يدار بعقلية الوكالة و الهاتف النقال مثل العراق، حيث المناصب المهمة لم تستكمل شروطها القانونية ولا المهنية، مزاج شخصي يوصل المغمور الى صناعة القرار و يحارب المهني بكل الوسائل لذلك يتفاقم الخراب و تضطهد الحقوق و تتعطل القوانين، لتغرق بغداد و المحافظات و المسؤولين يراقبون على الفضائيات ملاحقة مياه الأمطار للمواطنين في غرف نومهم و محلاتهم و حتى في خصوصية أحلامهم ، ومع ذلك لا يستقيلون و رئيس الوزراء يعلل فشل المؤسسة الحكومية بالارهاب و الخصومة السياسية وصخرة عبعوب!!
لا نعرف ماذا قدم عبعوب عندما كان معاونا للمرشدي كي يتم تكليفه بادارة أمانة بغداد، ولماذا يتجاوز المالكي مشاعر العراقيين الرافضين أسلوب ادارة شؤون العاصمة و خدماتها، و ما هي الرسالة التي يريد ايصالها للجميع ولماذا؟؟ ربما يفكر المالكي بعقلية ” القائد الأوحد” وهذا من حقه لأنه يدير العراق بالوكالة دون أن ينتفض النواب و باقي المؤسسات لهذا الخرق، وربما لأن معارضيه وصلوا حد اليأس من التغيير السلمي فقرروا السكوت عليه حتى يأكل الخطأ من جرفه فينهار بطريقة أخرى ، وربما سلطة القضاء و الأمن تبيح المحظورات، لكن ما لا نستطيع هضمه أن مسؤولين تربوا على فشل الادارة و تنعموا منه يحاولون اليوم توجيه الانتقاد للحكومة بسبب ” طلاق الكرسي”.
البعض منهم يقول ان العراق يتراجع بسبب تصدر الجهلة لمواقع الدولة والسلطة، و آخرون يرفضون الصعود الى مقصلة التصفيات الشخصية فيتهمون مسؤولين كبار في الحكومة بأنهم من قادة الأمس القريب و يفرضون توجهاتهم على الجميع، محملين مكتب المالكي مسؤولية غض الطرف و فتح المفات في وقت واحد، و في الحالتين فأن المسؤولين المشار اليهم شاركوا عن طيب خاطر في تعميق الفشل و يريدون ركوب موجة الاصلاح بالمراهنة على ثقب في ذاكرة الشعب،في مهمة مستحيلة لأن الذي تربى على الفشل سيبقى في قائمة الأحتياط المستقبلي و لن يحصل على الوكالة مرة أخرى!!
و الغريب في الأمر أن المنتقدين هم من أساسيات الفشل المتراكم لأنهم عملوا على تجذيره بالدفاع عن هيبة الحكومة و قانونية اجراءاتها، لذلك ما يصدر عنهم لا يعفيهم من المسؤولية، لكنه يزيد من فضح الطرق الاستفزازية في ادارة الحكومة، بدليل أن رئيس الوزراء نوري المالكي تجاهل غضب الشارع العراقي و كلف عبعوب باداة امانة بغداد بالوكالة، رغم أداء مشكوك في عفته و مهنيته لأنه لم يقدم شيئا على أرض الواقع سوى الانتصار للمالكي، وأن مقربين يشيرون باصابع الاتهام الى أحادية القرار في كل شيء ، بالاعتماد على قيادات معروف عنها المجاملة والتضليل و معرفة ما يطرب مسامع الحاكم بالتجربة، لذلك يحظون بثقة المالكي المفتوحة!!
ان ادارة الدولة العراقية لا تحتاج منافقين أو سحرة أو قطاع طرق و خارجين عن القانون، لأنها في هذه الحالة ستتحول الى دولة عصابات، مثلما هو متحقق حاليا، حكومة تصدر أمرا باحالة قائد ميليشيا مسلحة الى القضاء، و هو يقول بصوت مسموع انه ينفذ توجيهات حكومية و علاقته بكبار المسؤولين راسخة الجذور، فكيف يأتي الفرج من دولة تسيطر فيها الميليشيات على حركة الشارع و الحكومة تتفرج بل و تخاف على نفسها من سطوة قادتها، الذين يحاولون جر العراق الى معركة خاسرة بوصفة ايرانية لا يعرفون تركيبتها باستثناء الآذعان المطلق لراسمي حروفها في جمل غير مفيدة ، لكنها ستلحق ضررا بالجسد العراقي عبر ” حقن جاهزة” انتجها مختبر الحقد الايراني على العراق و اهله، فمن اين يأتي الفرج و لماذا يسكت الشعب على هذا الظلم، واين أخوتنا العراقية العروبية من دسائس الجار الايراني بالنيابة!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم
[email protected]