23 ديسمبر، 2024 2:05 م

ينشغل السياسيون العراقيون في صالاتهم الكبيرة والمفترضة بما يجري حولهم أكثر بمئات المرات وزيادة عما يدور بين ظهراني العراق، ونحن نتعمد الحديث عن ظهراني العراق، لأن للسياسيين عندنا أولويات في اماكن تواجدهم  واهتماماتهم خارج العراق، بشكل يجعل من الالتفات لهموم الوطن والمواطن مغامرة سياسية، أو ربما ترف فكري أو غيره، لذلك يتنوع التخبط وتزداد الصورة ظلامية.
يهتم سياسيو العراق أكثر من اللازم بتطورات الأوضاع في تركيا وايران وسوريا مرورا في مينامار ومصر وجنوب أفريقيا، وكأن ما يجري في العراق ليس اشد خطورة من غيره، لا سيما وان كل الخيوط والتوجهات متشابكة عند أضعاف هذا الوطن، بالاستفادة مما يجري من تناحر طرشان قبل غيره، اضافة الى فهلوة تحميل الأخرين أسباب الفشل، فيما الصحيح أن ما يجري من سجالات عراقية يسهل لكل متربص، بغض النظر عن طوله وعرضه وخفة حركته من عدمها، نقول يسهل عليهم جميعا محاولة تحقيق اهدافهم، حيث فن الممكن مهما عند غير أكثر سياسيي العراق.
والقضية التي تثير القلق حد الاشمئزاز أن أغلب “سياسيي الصدفة” في العراق يقرأون الحدث بالمقلوب، فيحملون هذا أو ذاك مسؤولية التخبط في توجهاتهم، وكأنهم لا يعرفون أن اصدقاء السياسة أقرب الى الخيال، فكل فريق يدافع عن مصالحه، أما عندنا فننشغل كثيرا بطريق حل هذا الأخر لمشاكله، وكأن العراق واحة استقرار ومحبة وتجانس في الرؤا والأفكار والتوجهات، بحيث لا مشاكل مع كردستان وسحب الثقة بات من الماضي ومشروع المصالحة وصل مدياته الأخيرة، مثلما هي القدرة طي صفحة الماضي.
يقول بعضهم ان المحاصصات والتوافقات هي مريط فرس الفشل والتراخي، وكانه لم يخرج من رحمها، ويقول أخر ان السلطة هي نقطة الفراق، فيما يصل الخيال باخرين حد القول أن ” المؤامرة أكبر من العراق ، وتحتاج الى تحالفات من نوع جديد”، وكأنهم يكتشفون عناصر الأوزون في صيف العراق اللاهب، أو لأن خارطة التحالفات بكل كوارثها لم تحقق أهدافها في تمزيق عراقيتنا من الداخل، حيث العزف على العرقية والطائفية والحزبية هو الحصاد المر جدا لهذه التحالفات، أو أن محاولة ” سبي” وحدة العراق لم تكن قد ولدت من رحم تحالفات القوت الضائع وغير المتكافيء ايضا.
ان الانشغال بمراقبة نظافة زجاج نوافذ الجيران ليس بالضرورة الخيار الأفضل لترك مهمة جمع الحصا، ثم ان الأهتمام أكثر من اللازم بمستقبل التوازنات في المنطقة لا يجب أن يتحول الى مصدر قلق عراقي كبير، لأن خيوط اللعبة توضحت جيدا، وأن المشاريع الكبيرة التي لا ترتكز الى خيار وطني متفق عليه، لن تصمد بوجه اية عاصفة، كما أن غض الطرف عن التحديات المحيطة بعراقيتنا تحسبا من أجندات جديدة، نقول ان هذا التوجس فيغير محله، لأن عراقيتنا هي الحبل السري لأي مشروع يتعكز على النجاح لا يتفنن بالفتنة، لذلك ومن باب أولى أن يقفز العقلاء على كل محاصصات الأمس ويعودوا الى رشدهم من بوابة الانتصار لعراقيتهم، التي هي مصدر تباهي واعتزاز، لا كما يتوهم بعضهم من انها اصبحت من الماضي، فيما يكيل نفس هذا الفريق مديحا ” مزمنا” لاعتزاز غيرنا بهويته الوطنية!!
صحيح ان ما يجري في سوريا وايران وتركيا والسعودية والكويت بحاجة الى قراءة عراقية عاقلة جدا، في زمن تتتغير فيه التحالفات بل وتنشطر ، كما هي قدرة بعضهم على تغيير جلدته وبوصلة اتجاهاته حتى لو تطلب قمع ما كان يحلم به في الأمس، حيث تتحول الحريات الى جهد عدائي للسلطة ،والحقوق الانسانية الى ” معركة ارهابية خاسرة” على الورق طبعا، فيما عندنا في العراق، الذي أمتحن في ظروف وسيناريوهات مخيفة وخرج منها على رجليه، نقول أن قراءتنا لكل المتغيرات يجب أن ترتكز الى قدرة المحافظة على عراقيتنا من الصديق والغريب على حد سواء ، دون تفضيل الى اشقر على اسمر أو شبيههما، نقول أن المحافظة على اسس عراقيتنا هي الحل الأسرع لكل خلافات سياسيينا، الذين هم بامس الحاجة الى اعادىة توجيه بوصلاتهم قبل فوات الأوان ، لكي لا يقعوا في فخ غيرهم كما يحدث حولهم، ” فليس في  كل مرة تسلم الجرة” كما يقول أصحاب الرأي الناضج.

رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]