لم تكن حليمة أول البخلاء ولا أخرهم, حين جزع زوجها حاتم الطائي, من شدة بخلها ومرارته, فكانت لا تشبع الطعام من السمن, إلا بعد أن أقنعها بأن كل ملعقة زائدة منه, تطيل عمرها يوما أخر.
تحقق لكريم العرب ما تمناه, وفعلا بدأت حليمة بزيادة ملاعق السمن, بانت حلاوة طعامها في أفواه الضيوف, حتى مات ابنها العزيز, فعادت من جديد تقلل من السمن, عسى أن تفارق الحياة وتنتهي من جزعها.
عادت حليمة إلى عادتها القديمة, ليتناقل الناس قصتها دليلاُ للتعويد والتكرار, ومصداق لتلك القصة.. أصبحت الحكومة العراقية, تعود بين الفينة وأخرى إلى عادات الماضي المأسوف عليه, من تعيين بالوكالة والتفريط بالشركاء.
ثمانية عشر هيئة مستقلة كلها تدار بالوكالة, ومن جهة سياسية واحدة كما السابق, والأغرب أنهم يقدمون للرأي العام, على أنهم مستقلون.
يفرض الدستور العراقي عرض أسماء المرشحين, للمناصب العليا في الدولة للتصويت في مجلسي الوزراء والبرلمان على التوالي, وبغير هذا الأجراء غير مسموح شغل المكان بالوكالة إلا لفترة محددة, لحين التعيين بالأصالة.
برزت ظاهرة التعيين بالوكالة بشدة. في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي, في نهج خطه لنفسه, مما دعاه لضرب كافة الشركاء السياسيين, وتجاهله لنداءات المرجعية الدينية المتكررة, التي أشكلت في أكثر من مناسبة على هذا النهج.
ما أن انقضت حقبة المالكي, عبر الشعب عن أرتياحه بزوال حكومة الوكالة, وأيدت معظم القوى السياسية حيدر العبادي, رئيس الوزراء الحالي أصالة, لكن وبعد فترة وجيزة تبين أن العرق دساس, ومشاكسات القديم أثمرت بالجديد.ً
جدالاً نفترض.. أن الدستور يسمح بالتعيين وكالة, ما الذي جنيناه من (الكرعة) لننتظره من (أم شعر)؟! ثماني سنوات والعراق من أزمة إلى أزمات, كوارث أمنية ومشاكل خدمية, والمناصب تباع كالجارية الرخيصة لمن هب ودب, تجار “حكومة الوكالة” أمسوا أغنياء الطبقة الأولى, في قائمة أثرياء العالم.
والشعب.. آه على الشعب, سبايكر والمحافظات الأربعة والشهداء والجرحى, كلها فداء الوكالة, فقط نريد أن يتنازل دولته ويفهمنا, لماذا يعين أراذل القوم بالوكالة؟
هل يخشى التصويت في البرلمان؟
هل يعتبر جنابه الكريم شخص فوق القانون؟
أليس هو المنادي بدولة القانون؟
كيف يتوقع دولته أن يحترم الناس القانون, في وقت يضربه هو عرض الحائط؟!
واقعا هي أزمة جديدة لا تقل شأنا عن كل الأزمات المفتعلة, ومن يقودها هذه المرة هم الطابور الخامس.. الذي برع بصناعة الأزمات وخسر إدارتها, والغاية معروفة ومكشوف حجابها, فالتخريب ديدنهم أينما كانوا, وبأي منصب وجدوا.
ظهور بعض القيادات السياسية الحكيمة, في موقف الرافض لنهج العبادي الجديد, يبشر بأحتواء سريع للأزمة, وهو ما يعتبر رسائل مطمئنة للشعب ومحذرة في الوقت ذاته, فمن الخطأ التعامل بالأسلوب ذاته.. وتوقع نتائج جديدة.
أذا ما بقي رئيس الوزراء مصرا على خطأه, سيجد نفسه خجلاً في الأنتخابات القادمة, وله في نوري المالكي مثالا.
بين المالكي وحليمة يظهر وجه العبادي الحقيقي, نتمنى أن يكون وجهه صالحاً, مؤمناً بحقوق الشعب والوطن, حريصاً على العمل بالقانون والدستور.