حكومة “المظروف” التي قدمها السيد ألعبادي، بعد ارتفاع مناسيب الضغط الجماهيري الذي أعقب صمت المرجعية الدينية المشروط بمراقبتها لتطورات الأحداث عن كثب ، وعزوفها عن تناول الشأن السياسي في خطب الجمعة.أسفر عن ما لا يحمد عقباه، بعد نزول السيد “مقتدى الصدر” إلى الميدان، واعتصامه داخل المنطقة الخضراء ومطالبته بأحداث إصلاحات حقيقية.حراك ساخن نتج عنهُ رجة عنيفة حركة” البركة الراكدة” منذ عقد من السنين.أربك جميع الحسابات، وكشف عدم نجاح ممارسة “القفزات السياسية” التي توفر مسافة الهروب إلى الأمام من المشاكل، وتجعلك تأخذ نفس حتى يلحقك الخصوم !.حضر السيد “حيدر العبادي” أمام مجلس النواب بعد نهاية المهلة التي منحها له الجمهور، وقدم الظرف الذي يحوي التشكيلة الوزارية (التكنوقراط)، وحصل على ما كان يتوقعه.تصويت مبكر على رفض آلية تقديم حكومته بغض النظر على ماهية الشخصيات داخل المظروف.فقد عَد الرافضون طريقة السيد رئيس مجلس الوزراء استفزازية وتجاهليه للأعراف السياسية السائدة ،ولم تراعي المبادرات والمواقف التي طرحتها القوى السياسية المختلفة أثناء الحراك السياسي ،وغالباَ ما تمثل مجموع هذه الأطروحات خارطة طريق يستطيع صانع القرار الاستفادة منها لرسم القرار السياسي الذي يمثل” القاسم المشترك” بين الجميع (وهذه أحدى مهام رئيس الوزراء).يبدو أن الاستشارة بتعليق الفشل على شماعة “المحاصصة” ،واستدارة الظهر وجلد الجميع على العلن، أشبه بسائق يضع قدمه على “كوابح” سيارته وهي تسير بأقصى سرعة!!.سرعان ما تبخرت نشوة النصر برمي كرة النار بحجر مجلس النواب ،فقد كشفت مواقف الكتل السياسية المتصلبة والرافضة لآلية التغيير انسدادات جديدة وخطيرة ارتدت على المشهد السياسي برمته.حراك الشارع العراقي استدعى حراكا دولياَ. تمثل بزيارة الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” ورئيس البنك الدولي والإسلامي، لطمأنة الجميع بمواصلة الدعم للعراق للحفاظ على العملية السياسية .أعقبه زيارة وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” التي رشح منها ان الولايات المتحدة الأمريكية ترغب بحكومة (موحدة)، وعلينا أن نضع خطوط كثيرة تحت مفردة موحدة، فهي لا تعني حكومة “وحدة وطنية”!،بل تعني موحدة قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية ،وهذا لا يتحقق ألا بإرادة جميع المكونات العراقية الشيعية والسنية والكردية والأقليات.( علما أن هذه الرؤية طرحتها قوى سياسية عراقية منذ وقت مبكر لكنها لن تحظى بدعم دولي ولا إقليمي آنذاك، ويبدو ان الجميع رضخ لها الآن) !.أذن جاء كيري ليقول للجميع أن الدعم الأمريكي مشروط بقدرة الساسة العراقيين على أنتاج حكومة موحدة، وخلاف ذلك فان الولايات المتحدة اقل ما تفعله أن تقف على التل(سيما وان سجلها حافل بنقض أكثر من 150 معاهدة)!، ما يعني فواتير مضافة سيدفعها الشعب العراقي ، قد تكون اكبر من سقوط الموصل وأخواتها!.هذا يعني أن على القوى السياسية الفاعلة أن تدخل مرحلة الجد في إنقاذ سفينة العراق والرسو بها على بر الأمان.اعتقد أن السيد ألعبادي غير قادر على تقديم حكومة موحدة ،ليس لقصور في أمكانية الرجل، لكنه ينوء بتركة ثقيلة ورثها من سلفه مليئة بالتقاطعات والأزمات مع جميع القوى السياسية، بما فيها مكونات التحالف الوطني تصعب من مهمته وتجعلها مستحيلة.من هنا ليس أمام التحالف الوطني سوى تقديم شخصية تحظى بمقبولية وطنية تؤسس حكومة موحدة،تكمل عمر الحكومة الحالية، لحين الانتخابات القادمة، وعند ذاك تكون الكلمة الفصل للشعب العراقي الذي سجل له ارتفاع وعيه السياسي واختمار تجربته السياسية.