23 ديسمبر، 2024 1:49 م

طلبان والأنسحاب الأمريكي من أفغانستان

طلبان والأنسحاب الأمريكي من أفغانستان

على الرغم من أتفاقية السلام التي وقعتها الولايات المتحدة الأمريكية مع حركة طلبان في الدوحة بتاريخ 29/2/ 2020 والتي نصت على أنسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهر، على أن تبدأ أمريكا بتخفيض قواتها بغضون 135 يوم من تاريخ توقيع المعاهدة أعلاه ، ألا أن الأنسحاب الأمريكي من أفغانستان شكل مفاجأة كبيرة لكل متابعي الشأن السياسي في العالم حيث أثار الأنسحاب الأمريكي جدلا كبيرا وواسعا في الأوساط السياسية العالمية وقامت الدنيا بذلك ولم تقعد! ، وكثرة الأسئلة والتحليلات والعالم كله يسأل، لماذا أنسحبت أمريكا من أفغانستان؟ ولماذا بهذه الطريقة التي هي أقرب للهروب منها للأنسحاب المنظم والمدروس والمتفق عليه!؟ وهل هو تكتيك من قبل أمريكا؟ وكيف تركت أمريكا أفغانستان لطلبان بهذه السهولة بعد 20 سنة من التواجد قتلوا خلالها أكثر من 2400 جندي وأضعاف هذا العدد جرحوا ، كما وأنفقت أكثر من 750 مليار دولار خلال تلك الفترة!؟ ، ثم السؤال الأهم هو كيف تركت أمريكا أفغانستان التي تحتوي أراضيها وجبالها على معادن نادرة تقدر قيمتها بأكثر من 3000 مليار دولار!! وتدخل في تكنولوجيا الصناعات المتطورة العالمية المستقبلية تلك المعادن التي يمكن أن تسجل لأمريكا تفوقا أقتصاديا واضحا على غريمها التنين الصيني؟، وغيرها الكثير الكثير من الأسئلة 0 نقول مهما تكن هناك من أسباب ومسببات خفية ومعلنة ألا ان الأنسحاب الأمريكي من أفغانستان في الحقيقة ، شكل أنتكاسة عسكرية وسياسية لأمريكا يذكرها بأنتكاستها المروعة والمخزية والمذلة في الحرب الفيتنامية (1954 – 1975)! ، فقد وصف (أيثان ثارور) محلل الشؤون السياسية في صحيفة ( الواشنطن بوست الأمريكية) ، الأنسحاب الأمريكي من أفغانستان بأنه أنهيار مفاجيء وهزيمة بطيئة لأمريكا! ، كما تصدر مانشيت كبير لصحيفة (نيويورك تايمز) يقول بأن (( طالبان أكتسحت أفغانستان بعد سنوات من الحسابات الأمريكية الخاطئة ، فالدعم الذي قدمته أمريكا خلال 20 عاما مسحته طلبان خلال أسابيع!)) 0 وهنا لابد من الأشارة بأنه بقدر ما شكل الأنسحاب الأمريكي مفاجأة فقد كان لأنهيار حكومة أفغانستان وجيشها الذي يزيد تعداده على أكثر من 300 ألف مقاتل والذي صرفت عليه أمريكا الكثير من المال والسلاح والتدريب خلال 20 عاما وهروبهم وأستسلامهم أمام مقانلي طلبان وتسليمهم السلاح لهم كان مفاجأة كبيرة أيضا لا تقل عن مفاجأة أنسحاب أمريكا!0 وبغض النظر عن أي سبب وعن أي ظرف أو حسابات لدى أمريكا أو تكتيك عسكري متوقع وغير متوقع من قبلها فأن سمعت أمريكا السياسية والعسكرية قد تضررت كثيرا بهذا الأنسحاب!0وقد حاول الرئيس الأمريكي بايدن بخطابه للشعب الأمريكي بعد الأنسحاب أن يحفظ ماء وجهه ووجه أمريكا!، عندما قال ((بأنه لا يريد أن يورث أفغانستان للرئيس الأمريكي الذي سيأتي بعده! وأضاف قائلا ، بأنه لم تكن على أمريكا أن تقاتل في أفغانستان الى الأبد! ، ومن المفارقات الغريبة التي جاءت بخطاب الرئيس الأمريكي بايدن أنه قال بأن مهمتنا في أفغانستان لم تكن بناء دولة!!)) 0 ويرى الكثيرون بأن الأنسحاب الأمريكي المفاجيء من أفغانستان وبهذه الصورة والمشاهد التي نقلتها وسائل الأعلام والفضائيات في مطار كابول ، ليس بجديد على سياسة أمريكا! ، فهم أصحاب بيعة وتنصل لكل من يساندهم ويتعاون معهم فلا صديق لهم وبالتالي هم لا يحترمون العملاء الذين يخونون وطنهم! ، وسبق لهم عندما أنسحبوا من فيتنام في الحرب (الأمريكية الفيتنامية 1954- 1975 ) تركوا ورائهم كل العملاء وكل من تعامل معهم في أي وبأي شكل الى الموت المحتم والى المصير المجهول الذي ينتظرهم من ثوار الفيتكونغ! 0 نأتي الى مقاتلي طلبان فهذه هي المرة الثانية لهم للسيطرة وحكم أفغانستان حيث سبق لهم أن أقاموا فيها أمارة أسلامية للفترة بين (1996 – 2001 ) ، ولكن أمريكا حينها أستطاعت أن تقضي عليهم وتحتل أفغانستان وتنصب حكومة تأتمر بأمرها! 0 أرى من وجهة نظري ويرى ذلك لربما الكثيرين أيضا أن طلبان اليوم هي غير طلبان الأمس! ، لا أقصد من ناحية التغيير العقائدي كحركة أسلامية ولكن من ناحية الخبرة في طريقة التعامل وكيفية أدارة شؤون البلاد! ، فحركة طلبان الان هي أكثر نضوج وتعقل ولا تحمل أي روح من التطرف والأنتقام ، ويستدل على ذلك من خلال النداءات والتصريحات المطمئنة التي صدرت على لسان الكثير من قادتها ومسؤوليها والتي وجهوها الى الشعب الأفغاني ، حيث لم تشهد المدن الأفغانية التي سقطت وأستسلمت غالبيتها بيد طلبان الواجدة تلوه الأخرى بما فيها العاصمة كابول أية أعمال عنف ومشاهد قتل كالتي جرت في فترة حكمهم الأولى والتي تتشابه مع أعمال ومشاهد العنف لدى بقية التنظيمات الأسلامية الأرهابية مثل داعش والقاعدة والنصرة وغيرها! وأن وقعت حادثة هنا وحادثة هناك فهي لا تعني أبدا أن حركة طلبان جاءت للأنتقام كما يتصور الكثيرون 0 وهنا لابد من الأشارة والتأكيد بأن أمريكا هي من توسلت وترجت وطالبت طلبان بعقد معاهدة للسلام والأنسحاب!!؟ ، وقد بدأت وساطاتها منذ عام 2012 عندما طلبت من موريتانيا ذلك!! ، (((والتي نصحتهم عن طريق أحد رجال الدين المتنورين المشهود له بالحكمة والرأي الرشيد ، بأن لا حل ولا خلاص لكم ولحفظ ماء وجهكم ألا بالتفاوض مع طلبان؟؟! ، التي بدورها ستلزم أية جهة بعدم التعرض عليكم مثل القاعدة وداعش والنصرة وأية تنظيمات أسلامية أخرى من التي كانت تعمل على الأرض الأفغانية وذلك بحكم قوة وسطوة حركة طلبان عليهم!)))0 وهنا لابد من التوضيح بأن طلبان أثناء مفاوضاتها مع الأمريكان في الدوحة ظهرت بمظهر القوة ، وليس بمظهر اللاهث وراء توقيع المعاهدة!! ، فكان أول شرط لهم على الأمريكان قبل التفاوض هو ((أخراج مقاتلي طلبان المعتقلين في سجن كوانتنامو أو كابول أو باكستان وأعتبارهم ضمن وفد التفاوض! ، ورضخت أمريكا على الفور لطلبهم! ، والشرط الآخر الذي ألزموا فيه الأمريكان هو أنكم ستخرجون من أفغانستان ولا تتدخلوا كيف سنحكم أفغانستان ومن سيحكمها ، لأن هذا الأمر يرجع لنا نحن الأفغان!!؟)) 0 وقد لاحظ الكثير من المراقبين للحدث السياسي التفاوضي بأن المفاوض (الملا عمر برادر) ، ممثل حركة طلبان والوفد المرافق له كانوا على مستوى من الحنكة والذكاء والقوة التي أربكت وفاجأة (زلماي خليل زادة) ممثل أمريكا في مفاوضات الدوحة!!؟ 0 الشيء اللافت في أمر دخول طلبان الى أفغانستان بعد أستسلام الجيش الأفغاني وهروب كل القيادات والمسؤولين الأفغان ، الذين هرب قسم منهم الى طاجاكستان ، وقسم منهم الى تركمانستان ، وقسم منهم هرب الى أيران ، بما فيهم الرئيس الأفغاني (أشرف عبد الغني) الذي هرب الى دولة الأمارات ومعه كل ما تبقى في الخزينة من أموال ، (قدرت بحدود 139 مليون دولار وضعت في 4 صناديق كبيرة!!) ، نعود بالقول أن الشيء الذي لفت أنظار العالم أنه رغم هذه الفوضى والهروب الجماعي ، لم تحدث أية حالات نهب وسلب وحرق لقصور المسؤولين ولكل مرافق الدولة ودوائرها ومؤوسساتها ، (كما حدث عندنا في العراق!!) ، فقد حرصت حركة طلبان الأفغانية والشعب الأفغاني على ذلك! رغم وجود وسائل الأعلام الغربية التي كانت تراقب الأحداث وتصورها بكل التفاصيل والدقة فلم تجد وسائل الأعلام وكافة الفضائيات ، أي حدث يستحق النشر لكي تعكر به مزاج وصفاء أنتصار حركة طلبان التي مرغت أمريكا وكل عنجهيتها بالوحل! 0
خارج المقال /// قال رئيس وزراء السودان الراحل الأستاذ محمد أحمد المحجوب رحمه الله (( أذا حكمني مسلم فلن يدخلني الجنة ، وأذا حكمني ملحد فلن يخرجني من الجنة ، وأذا حكمني من يؤمّن لي ولأولادي العمل والحرية والكرامة وعزة النفس فسأقف له أحتراما وأجلالا، ويبقى دخول الجنة من عدمه رهين أيماني وأعمالي فكفوا عن التنازع على السلطة بأسم الدين معتقدين أنها طريقكم الى الجنة، فليست وظيفة الحكومة أدخال الناس الجنة وأنما وظيفتها ان توفر لهم جنة في الأرض تعينهم على دخول جنة السماء0))