المتتبع لما يُنشر ويصدر من كتب ودراسات وغيرها , يكتشف أن السائد هو الموضوعات الدينية والأدبية وقليلا من التأريخية , وإنعدام يكاد يكون تاما للكتابات العلمية والتنويرية ذات القيمة الحضارية المعاصرة.
كتابات دينية وأدبية بحتة وتليها الكتابات المشخصنة والممولة , التي تسعى لتشويش الرأي وللدعاية لهذا وذاك , وما يتصل بالكراسي من توجهات ورغبات مأساوية , فيتم تبريرها وتسويغها , وتقديس فلان وتأليه علان , وترسيخ الثوابت المريرة , وتأكيد الحياة العسيرة , وتشجيع القبول بها والرضى عنها , وتمجيد التبعية والخنوع , وتأمين قيم وتقاليد القطيع الراتع.
وما تسمى بالكتابات الدينية ليست للدين بصلة , وإنما لأشخاص وتصورات ورؤى وأضاليل وقصص خرافية وأساطير بهتانية , تتكرر لتتمترس في وعي الأجيال الجمعي , وتسعى لتمويتهم وتحويلهم إلى موجودات معطلة العقل , مصادرة الإرادة والمصير.
لماذا لا توجد كتابات علمية؟
ربما لأن العلم يستدعي إعمال العقل , مما يتنافى مع السطوة المؤدينة التي تريد بشرا بلا عقول , يسمع ويقبع , ويدين بالأمر والطاعة , ولا يجوز له التفكير بأي شيئ , ويُلقَن من عمامة مغرضة ولحية مُعرضة , وتلك إرادة القابضين على الدنيا بدين.
بين مئات العناوين لا تجد عنوانا علميا , أو يتناول مسألة ذات قيمة إقتصادية وإجتماعية معاصرة , تتصدى لتحديات الحاضر والمستقبل , والعجيب في الأمر أن النسبة العظمى من العناوين المنشورة هي ردود أفعال إنعكاسية على حالات مقصودة لتحقيق الإلهاء والتنويم والتغفيل , وإبعاد الأنظار عن جوهر الوجيع والبلاء المبين.
إن المجتمعات التي تهمل العلم , وتبخس التفكير العلمي , لن تكون , وستداهمها الويلات من كل حدب وصوب , لأن العصر تتبارى فيه العقول , وتتنافس الطاقات العلمية ببحوثها ورؤاها الإبداعية الإبتكارية التي تسعى لإنجاز الأصيل , في زمن تفتقت فيه القدرات , وتمكن البشر من تصنيع الأفكار , وتحويلها إلى موجودات مادية ساعية في الحياة.
أما الكتابات الأدبية والدينية فأنها لن تطعم من جوع ولا تأمن من خوف , وستساهم بإبعاد الناس عن نهر الحياة الجاري وتعضيلها وتقعيدها على الجرف.
فهل من توجه علمي حقيقي لصناعة الحياة الأفضل , بدلا من التوحل بالمرير؟!!