29 ديسمبر، 2024 3:00 ص

المجتمعات المعاصرة أصبحت منشطرة إلى نصفين لا توسط بينهما , فالدنيا منقسمة إلى مجتمعات ذات أسرار وأخرى ذات إسجار , عالمة وجاهلة , تدري ولا تدري , قوية وضعيفة , غنية وفقيرة , متقدمة ومتأخرة , ما بعد الدين وما قبله , صاعدة ونازلة , مقيدة ومتحررة , منهوكة وناهكة , مجزورة وجازرة , عادلة وجائرة , متحدة وممزقة , ذكية وغبية , واعية ومغفلة , عمياء ومبصرة , قاصرة وقادرة , مسجورة وساجرة.
الدنيا منشطرة بإعوجاج وإمتهان وإرتهان , حتى لتبدو وكأنها جلاد وضحية , ومفترس وفريسة , وظالم ومظلوم , ومجهول ومعلوم , والقاسم المشترك الذي يوصّف الحالتين هو العقل.
فيمكن القول أن المجتمعات الأرضية عاقلة وساذجة , فالعاقلة تستفر عقولها وتُفاعلها لتكتشف وتخترع وتعرف , والساذجة تهين عقولها وتخاصمها وتشردها , فتمعن في توحلها بالويلات والسيئات.
فالمجتمعات العاقلة أصبحت ذات أسرار ومعارف أرضية وكونية , لا تمتلكها المجتمعات المناهضة للعقل , والمنشغلة بما لا يمت بصلة لعصرها ويقترب من مكانها وعناصر التفاعل المتحرك في معادلات الصيرورات الناهضة بإحتدام دفاق العطاءات والريادات.
والمجتمعات المؤمنة بالعقل وقدراته الإبداعية تكون الأقوى لأن القوة الحقيقية في العقل , والمعادية للعقل ضعيفة لأنها منعت ينبوع القوة من التدفق والإرواء.
ومن عجائب عصرنا أن المسافة ما بين المجتمعات التي تعرف والتي لا تعرف أصبحت شاسعة , وكأنهما يعيشان في كوكبين وليس على أرض واحدة , وهذا يعني أن المجتمعات القوية ستهيمن على الضعيفة وتفترسها وتحرر طاقاتها لتنمية قوتها , والإمعان في ولادة صيرورات كبرى ذات إمتدادات عميقة في بدن الوجود الأرضي والكوني , لأنها تبذل جهودا للتحكم بالأرض وليس بدولها وبقاعها وحسب , فهي التي تجند عقولها لتشكيل درع إليكتروني ومحطات متأهبة لمواجهة الهجمات الكونية القادمة من كواكب أخرى قد تفكر بغزو الأرض.
فالمجتمعات الضعيفة عارية ومفضوح كل ما فيها من التفاعلات , مصيرها مقبوض عليه , وهي تحت رحمة الآخرين ولا قدرة لها إلا على الإذعان والخنوع والإستسلام , والتحول إلى أداة طيعة تسخّرها القوى المالكة لها لتحقيق مآربها , ولهذا تجد المجتمعات الضعيفة تؤسس لأنظمة تناهض مصالحها , وتمعن بتحقيق مصالح الآخرين الذين يقررون لها إتجاه ومواضع الخطوات وأهداف الإجراءات ومعايير القرارات.
وعليه فأن القول بأن المجتمعات الضعيفة يمكنها أن تكون ذات قوة حميدة وصالحة لديمومتها وقدرتها على الحياة المعاصرة , فيه الكثير من الفنتازيا والتصورات اللاواقعية , لأن مصادرة العقل في هذه المجتمعات تحكم عليها بالتبعية والتدهور والإندثار , لأنها مجتمعات غير مبصرة وغير مؤهلة للسير في طرقات الوجود المتشابكة , وهي بحاجة لدليل ولإرشادات وبوصلات إليكترونية تعينها على وضع خطواتها في مكان آمن يساهم في ثباتها وحياتها.
وإن عادت لعقلها فأن المسافة الفاصلة بينها وبين عصرها ستكون أقصر , ولها الخيار في أن تكون أو لا تكون!!
وإن الحياة للذين يتفكرون ويتعقلون!!