18 نوفمبر، 2024 12:46 ص
Search
Close this search box.

طائفية ضد الوطنية!!

طائفية ضد الوطنية!!

ليس هناك من وصفة جاهزة يمكن تقديمها لتعجيل الشعوب في ايقاد شرارة الاحتجاجات الشعبية، المحكومة بظروف وأولويا مختلفة في بلد عن غيره، رغم أن محركها الأساس هو الخروج على سياسة الحكم، ليس بسبب لون أو شكل أو انتماء الحاكم، بل على الأهمال المزمن لاحتياجات الشعب الانسانية، والتعدي بلا عقلانية على حقوقه، ما يبرر لكل هؤلاء قول كلمة لا منسوجة في وشاح حب بلادي.
وضمن هذا المنطق فان العراق يعيش مفارقات عجيبة غريبة، تصل في احيان كثيرة الى اللاوعي بما  يقوله المسؤول أو يعمل على تحقيقه، حيث كان ذلك واضحا في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية، على سياسة الحكومة أو كيفية التفاعل مع هموم الشعب، فعندما تغرق بغداد بسبب المطر دون اقالة اي مسؤول رفيع، فان أحدا لا يتحدث عن الخلل وفوضى الادارة، لكن عندما تتفجر مشاعر المواطنة بسبب الاجحاف و التسويف و الاهمال ، هنا يبدأ العزف الطائفي، الذي هو رأس الفتنة في العراق.
وما يثير الاستغراب حد الضجر هو التفسيرات الجاهزة لردود فعل المواطن، ومحاولة حشرها في زاوية ضيقة، وكأن التثقيف على النهج الطائفي ليس ردة فعل أو أداء مرتجل، بل سياسة مدروسة لتحجيم الدور الوطني في اية احتجاجات شعبية، الأساس فيها الانتصار للمشروع الوطني، مثلما  بات واضحا في ردود فعل المواطنين الأخيرة، وهو ما أقلق الكثير من السياسيين، ليعيدوا ترتيب بيادقهم  بلا وعي، مع التأكيد على أن رؤوس العملية السياسة متنخندون طائفيا وعرقيا ، بحكم طبيعة الحكم التي وزعها الاحتلال على أسس غير عراقية في الهدف والغاية.
ان محاولة تفصيل رداء المشروع الوطني العراقي على مقاسات هذا الشخص أو تلك الكتلة مراهنة فاشلة، كما أن اختزال هموم العراق بقضية حزبية أو طائفية هي ذر قديم للرماد في العيون، فالقضية ليست صراعا مذهبيا بل ردود أفعال على أداء حكومي متهالك، ومليارات تتبخر بسرعة البرق، مقابل توجه حكومي للحصول على قرض جديد، وكأن ميزانيات العراق الانشطارية لم تتمكن لوحدها في تحقيق الرفاهية، أو على الأقل الاستقرار النفسي للمواطن، وهي مفارقة من العيار الثقيل ،  لأنه لو وظف ربع الموازنة العامة للحد من هموم المواطن العراقي لأمكن تفادي نقاط الخلل الجانبية، و سوء الفهم العملي للشراكة السياسية.
ان محاولات  طمس العناوين الوطنية للاحتجاجات، رغم مشاركة شرائح واسعة فيها، هو استنساخ مثير للشفقة لاستراتيجة تعامل العقل الرسمي العربي مع  ردود افعال المواطنين، مثلما ان كل توجه سياسي أو غيره لايذاء وحدة العراق أو بث روح الفتنة الطائفية من جديد، هو اخطر من تقاعس الحكومة عن مهامها، لأنه يمكن تغيير شكل الحكومة وتوزيعها الحزبي، وغيره، لكن من المحال اعادة لملمة وحدة العراق اذا ما تم نحرها بأجندات مجهولة الروح العراقية، ما يتطلب حكمة من المحبين لوحدة العراق و أهله، فهناك الكثير جدا من الخناجر المسمومة، التي لا يسعدها غير حرق أخوة العراقيين مذهبيا وعرقيا.
ولأن التحديات أخطر من فهم الكثير من السياسيين العراقيين، ولأن المشكلة ليست نزاعا عشائريا أو حزبيا، فان الوقت قد حان للاعتراف بالخطا، والابتعاد عن الشحن الطائفي والعرقي لتبرير الفشل، خاصة وأن العراق ليس مرشحا لحكم طائفي، مثلما هو ليس ضيعة لحزب أو جماعة، ما يتوجب معه العودة السريعة الى منطق العقل، والقبول بنتئج معادلة حياتية بسيطة،  ” الفشل مبرر لكن السكوت عليه و تلميعه لم يعد ممكنا”.
وبمقدار حقدي على كل المروجين للفتنة الطائفية، ورفضي المطلق اعتبار الوطنية العراقية من خصوصية فئة دون غيرها، ولأن جميع السياسيين يستفيدون من الشحن المذهبي، أقول ان كل جهد لتفريق عرى عراقيتنا لن يباركه الله، لذلك لن يبصر النور، وليس صدفة أن تتوزع عشائر العرا ق، العنوان البارز في تجانسنا الاجتماعي، نقول ليس من المصادفة أن تتقاسم عشائر العراق ارض كل محافظات الوطن، ما يعني أن الطائفية مناطقية، وليست نهج حياة متوراث، ، وعليه فان  كل زرع خارج مصلحة الوطن لن يثمر.
نحن عراقيون ومن حقنا محاسبة الحكومة على سوء خدماتها، ورفض الأجندات الحزبية الضاغطة باتجاهات مغلقة، وبالمقابل على الحكومة والبرلمان وباقي مؤسسات الحكم أن تصغي لصوت لشعب جيدا، وأن تبتعد عن الأطر الطائفية أو الأنتصار لمزاجية هذا أو ذاك، فهي بضاعة قد ردت الى أصحابها ، وأن الحكومة ليسن سلطة تنفيذية فقط، بل هي مشروع خدمي من الطراز الأول، فعندما تخطأ تعتذر وتحاسب عناوين الفشل بصرامة، وتنتصر لارادة المواطن لا التفنن في تهميشها، حيث أثبتت التجارب أن الشعب مصدر السلطات، وأن من يراهن على صمت شعبي مطبق واهم جدا، والعبرة ليست في محاولة تغيير معاني الاحتجاجات، بل في كيفية الاستفادة منها قبل فوات الأوان، عندها لن يتحمل فريقا دون غيره فاتورة الغرق السياسي فالجميع في نفس القارب، ومن من الحكمة الاصطفاف مع الشعب لتحصينه أكثر من الشحن الطائفي، وليس تفنن سياسيون في العزف على ذلك بمناسبة أو بدونها، حيث لم يخل تصريح في الأيام الأخيرة من عبارات الفتنة، وهي أم المصائب!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]

أحدث المقالات