19 ديسمبر، 2024 12:36 ص

على شارع عام يعج بالبشر، يمتلك صيدلية تتربع على ناصية الشارع.
سخرها لتكون بلسماً للأوجاع، وملاذا للمرضى.
فكم من صُداع انتشل صاحبه من شفا جرف الألم، فوضع رأسه على وسادته هادئاً بعد ليلةِ معاناة، وكم من ممغوص انعصرت روحه مع الوجع تناول شيئاً من مسكناته فهدأ وزالت عنه أوجاعه..
ربما تكون تلك الصيدلية نافذة تقطر رحمة، أو بستاناً من الرياحين يقطف منه الناس ما يذهب عنهم همومهم ويجلو أفئدتهم، أو يدللون أنفسهم بقائمة طويلة من المستحضرات والكريمات والشامبوات وما يتبعها من منتجات تدلل الجسد.

يجلس خلف منضدة الاستقبال محلقاً في دنيا لا يعرفها أحد.
يرون جسده متسمراً في الصيدلية يستقبل الزبائن ويرشدهم ليسهل وصولهم لطلباتهم، ويقرأ الوصفات الطبية، يصارع خطوط الأطباء السيئة، ثم يجلب علب الأدوية، يستلم ثمن الأدوية والمشتريات ويلقي بها في صندوق(الكاشير) الأسود.
الشيء الذي لم يكن يخطر لهم على بال أنه كان يمتلك صيدلية ثانية تكاد أن تضارع هذه الصيدلية في منافعها، بل تتفوق عليها جودة وتنوعاً وعلاجاً..
تقع الصيدلية الثانية في شارع لا يعرفه الناس، وفي حي زجاجي عجيب!
تختفي حتى عن خرائط الأقمار الصناعية، وإشارات المايكرويف!
كان هو المستهلك الأول المستفيد من تلك الصيدلية، ولا يتقاعس عن صرف أدويتها وعلاجها لكل محتاج، ولكل من يعبره، أو يأنس بتقبله لذلك العلاج.

كانت في قلبه صيدلية روحية، علاجها الدعاء، ودواؤها حي على خير العمل، وكل مستحضراتها من منتجات مصنع اللجوء إلى الله.

صيدلية ممتلئة بمختلف الأدوية الروحية، والعقارات التي تسبح بحمد الله وتستغفره آناء الليل وأطراف النهار.
كان يمتلك عقاراً لكل ساعة من ساعات اليوم، ولكل حركة وسكنة ، أحياناً تكون في شكل سجود، أو ركوع، أو صلاة، أو وقفة تأمل وبوح ممتد بين السماء والأرض.