23 ديسمبر، 2024 5:46 ص

صندوق المالكي المليء بالأسرار

صندوق المالكي المليء بالأسرار

لا شك في أن صندوق المالكي يختزن الكثير جداً من الفضائح، والأسرار، التي تسوّد وجوه السياسيين والمراجع الدينيين، وأبنائهم وحواشيهم، ومافياتهم، وتسلط الضوء الفاضح، بالنتيجة، على تفاصيل مخفية لأكبر عملية نصب واحتيال، يمر بها شعب من الشعوب، في التاريخ كله. فالعصابات التي تعرف جيداً أن الحقيقة الوحيدة التي يمكن الاطمئنان لها هي أن الجميع لصوص، والجميع عديمو الشرف، تتحسب دائماً ليوم أسود قد يطل برأسه في أي وقت، كقط بعيون لامعة.

إذن، ليس غريباً أبداً أن يحتفظ المالكي، كما يحتفظ غيره، بالمزيد من المستمسكات التي توثق زلات الآخرين، ففي ظل معادلة توازن الرعب لن يؤجل إطلالة القط المرعب سوى إشعار الآخرين أنهم فئران أيضاً!

قد ينجر المرء، لوهلة، وراء فضوله، متسائلاً عن ماهية العجائب والغرائب، التي خبأها المالكي في صندوقه، ولكني لا أعتقد أنها ستكون أغرب كثيراً من تلك الفضائح التي أزكمت أنوفنا، بل لا أحسبها ستثير نشاطاً، أو اهتماماً استثنائيا بعد أن انفتح أفق المواطن العراقي على كل عجيب وغريب، ولسنوات طويلة، وصار من الصعب جداً أن تفاجئه بشيء يتعلق بحكامه الفاسدين.

ما يستحق التفكير به، أكثر من محتويات الصندوق العجائبي، هو الموقف الشعبي الذي يبدو، إلى الآن، وبعد كل هذه السنوات المريرة، لا يزال يعتقد أن ثمة نقطة بيضاء مجهولة في جلد الثور الأسود، وأن ما أفسده الدهر قد يصلحه العطار يوماً!

لا أكاد أجد تفسيراً مقبولاً لبعض الهتافات التي يبدو أصحابها لا زالوا يعتقدون بأن العبادي والمؤسسة الدينية يمكن أن يكونا حائطاً يسندون إليه ظهورهم، على الرغم من كل الميلان، والنخر الذي أكله من الرأس، إلى الأُس. بل إني لأعجب، حقاً، أن يكون اكتشاف زيف المؤسسة الدينية، والمافيات التي تدور في فلكها، قد تأخر كل هذا الوقت، وأخشى ما أخشاه أن يتأخر وقتاً أطول، لأن مجيئه المحتوم سيتحقق، عندئذ، بعد أن تكون البصرة قد خربت.

ليس من المعقول أن يتأخر الشعب في التقاط المعنى الذي تلطخت به الشوارع، والأرصفة، والحقول، والعيون، والليل، والنهار، والأرض، والسماء، ليبقى فاغر الفم بانتظار ما خبأه المالكي طيلة سنوات كانت الشعب فيها يُذبح كالخراف الرخيصة، دون أن يدري من يذبحه، ولأي سبب هو يُذبح. هل يوجد استهتار أكثر، وهل توجد قسوة أشد من أن تترك شعباً يتلظى في الجحيم، وأنت تعرف سر مأساته، وتعرف قاتله، ولما يقتله، ولكنك لا تريد التفريط بصندوقك الأسود لحسابات أنانية بحت؟

لا يظنن أحد أن هذا الكلام ينطبق على المالكي وحده، بلى هو ينطبق عليه، ولكنه ينطبق كذلك على الجميع دون استثناء. فلا المؤسسة الدينية ولا البرلمانيون، ولا الوزراء، ولا المدراء، ولا المحافظون ولا أعضاء المجالس، ولا كل من يدخر في صندوقه الخاص شيئاً؛ صغُر، أو كبُر، مستثنى، فالجميع شركاء، والجميع ينطبق عليهم ما ينطبق على المالكي، وإذا كان ثمة فارق، فهو فارق في الدرجة فقط.