23 ديسمبر، 2024 7:32 ص

صراع الفِيَلةُ على بيوت النمل

صراع الفِيَلةُ على بيوت النمل

عندما تتصارع الفيلة في مكان ما، حتماً ستسحقه وتدمر كل ما فيه، ولا تخلف سوى الخراب، فما بالك اذا تصارعت فوق بيوت النمل، ماذا ستفعل بها؟ وكيف سيكون حالها؟.
هذا هو حال دول الخليج، في الصراع الدائر بين الدول الغربية ودول الشرق الأوسط، او بصورة ادق صراع امريكا وإسرائيل مع ايران.

ضعف الدول العربية وخنوعها جعلها مكشوفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ولن تستطيع حل آثار ذلك الصراع.

توسع الاستيطان الغربي بشكل ملحوظ في الشرق الأوسط، اصبح احد اهم الاسباب التي تدفع ايران لبسط نفوذها في المنطقة، ومد أذرعها داخل الدول العربية بصورة عامة، والخليجية بصورة خاصة.

لقد تغير منظور الاحتلال، وتطور مع الحداثة وجاء بثوب ولون جديد يتلائم مع متطلبات المرحلة، سابقاً كانت الدول الكبرى تستخدم القوة العسكرية، لبسط سيطرتها على اراضي الدول الغنية بالثروات الطبيعية، لتدعيم اقتصادها، وتوسعة نفوذها.

اليوم الامر مختلف، فهناك مجلس امن, وأمم متحدة, ومنظمات حقوق انسان, وغيرها من المسميات التي يمكن ان تكون حائلاً دون ذلك، مما جعلها تبتدع طرقاً جديدة، للسيطرة المجانية الربحية، فقامت بصناعة عدو وهمي لكل دولة ومنطقة.

فأنشأت عدو اسمته(تنظيم القاعدة) لتهديد امن الدول العربية والإسلامية، ثم استبدلته بآخر اطلقت عليه (تنظيم داعش الإرهابي) الأكثر دموية، واستخدمت فيه شعوب الدول الاسلامية، لتجعل منه عدواً داخلي يهدد امن عروشهم، في حال فكروا بالانقلاب عليهم، ولا يعرف النمل المسكين عدوه القادم الذي سيرهبه، النمل الذي لا يريد سوى المحافظة على بيوته ومماليكه.

العدو الداخلي لا يكفي، فهي تحتاج الى عدو خارجي تهددهم به ، فصنعت لهم صدام، وارهبتهم به، وتطوعت لحمايتهم منه، بوضع قواعد عسكرية على اراضيهم، وما ان خرج صدام عن طوع ارادتهم انهوا وجوده، وأخذوا يوهمونهم بوجود عدو جديد ينوي احتلال المنطقة، ليعززوا وجودهم فيها.

فبدل ان يطالبوهم بإخراج قواعدهم العسكرية من على اراضيهم، اخذوا يدفعون لهم من اجل بقائها، وتحولت الحماية المجانية الى حماية مدفوعة الثمن، وبدأت امريكا بجمع الأتاوات من الحكام.

امريكا تمتلك الحرفية العالية في التعامل مع مستحدثات الامور، ولا تواجه اَي صعوبة في بسط سيطرتها على الشعوب والحكام، وهذا الامر هو بداية لمشروع قادم يدركه العرب، لكنهم يغمضون اعينهم عنه، في سبيل كراسي الحكم.

امريكا وإسرائيل تسعى للسيطرة على الشريط النفطي الممتد على طول أراضي الدول الخليجية، ولكي تعزل الدول العربية عنها، دفعت بداعش للانتشار في الدول العربية، لتشغلها عن مشاريعها القادمة، كالتوسع الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية والشريط الحدودي الممتد عبر سوريا والأردن ولبنان.

في نوفمبر ١٩٧٥ تقدمت اسرائيل بورقة الى الكونغرس، تطلب منهم الموافقة على احتلال الشريط النفطي، الممتد عبر دول الخليج، الا ان الاخير طلب التريث، مادامت دول مجلس التعاون الخليجي تقدم كل ما تريده الولايات المتحدة الامريكية وأكثر، فلما السماح لهم بالاحتلال؟ واشعال حرب تربك المنطقة وتقوض مصالحهم.

انطلت اللعبة عليهم وصدقوا ان ايران عدوهم الحقيقي، الذي يهدد امنهم بصورة مستمرة، لتأمين بقائهم بشكل دائم، فكل من يقول ان ايران هي من ضربت البواخر في الإمارات والناقلات النفطية في خليج عمان فهو واهم، لأنها لن تغامر في بدأ حرب تكون فيها اكبر الخاسرين، والا كيف غفلت المخابرات الامريكية عن نقل طائرات بدون طيار من ايران الى اليمن، وتسلم الى الحوثي بدون اَي اعتراض؟ كما سمحوا لها بقصف مواقع نفطية سعودية بدون ان يعترضوها، امريكا تقول بأننا نعلم كل شيء، فلماذا لم يعلموا بحركة سرب الطائرات تلك! وقصفها مواقع نفطية سعودية؟ لأنها هي من ارادت ذلك ان يحدث، كي تقول للسعودية وغيرها ان ايران عدوكم الحقيقي فاحذروه، ونحن فقط من يستطيع حمايتكم منه، وحمايتنا لن تكون مجانية من اجل السلام، لأننا نحن من نصنع الحرب والسلام في آن واحد، هذا من جانب.

الجانب الآخر لاستمرار الضغط الاقتصادي على ايران، للحد من نفوذها الذي يهدد مصالحهم، ويكونون عبرة للدول الاخرى كتركيا وروسيا، اللتان تتصارعان على بسط نفوذهما في نفس المنطقة.

بالنتيجة سيكون امر دخول امريكا في حرب مع ايران امر مستبعد، وايران من جانبها لا تسعى الى دخول في حرب مع امريكا إطلاقاً، لكنها لن تسمح لنفسها بالخضوع للضغط الامريكي، ما دامت القواعد العسكرية الامريكية تحت مرمى نيران الصواريخ والقاذفات الإيرانية، ايران تعتبر تلك الورقة اداة تهديد مستمرة ضد الولايات المتحدة الامريكية، وامريكا لن تتخلى عن مشروعها الكبير في الشرق الاوسط, وستسحق الفيلة النمل وتهدم بيوته.