23 ديسمبر، 2024 10:16 ص

إن حالات سرقة الحياة الحديثة وزيادة التعقيد والجوانب متعددة الأبعاد للممارسات الاجتماعية والزيادات في معدل تدفقها والتي ترتبط بتضاعف كثافة عمليات المعلوماتية المجتمعية وزيادة معدل تقادم المعلومات تؤدي إلى جلب المخاطر والتهديدات الغريبة للحياة وتغييب المعايير الرئيسة التي يتم عبرها المساعدة بدراسة المشاكل الاجتماعية ليتم التنبؤ بها وحلها، وإذا كانت الإدارة العامة مرتبطة بالإصلاح المستمر للبنى الاجتماعية سواء كانت تتشكل المخاطر والتهديدات لنظام المجتمع عبر وجود أو غياب للمعلومات أو إن هناك زيادة في معدل تقادم المعلومات أو زيادة في كثافة الاتصال في المجتمع فأن اثر ظهور مشاكل أمن المعلومات مرتبط بأخذها من ذلك المفهوم لتبان مجمل الخصائص التقنية والنفسية فيلاحظ أنه أحد مكونات الأمن القومي وله اتجاهين هما حماية المعلومات النسبية وحماية المعلومات الخطيرة والغير مناسبة للعرض العالمي، وبذلك فإن أمن المعلومات موجود إلى حد ما كضمان لجميع أنواع الأمن بدءًا من البيئة وصولا إلى معلومات الأمن القومي والرقمي.
أن أمن المعلومات هو التأكيد على حماية المعلومات من التهديدات المحتملة الحقيقية والموضوعية عبر السيطرة على الفضاء الرقمي، وتوافر الفرص والظروف والوسائل لصد تلك التهديدات والتي تحدد مستوى أمن المعلومات لكل موضوع لإن المفتاح هو التحكم في المعلومات فضلاً عن توافر القدرات والوسائل لمواجهة التهديدات الناشئة. ومن المهم تطوير فهمنا بأن أمن المعلومات لا يؤثر فقط على مشكلة فعالية سياسة الدولة في ضمان الأمن القومي والدولي في بيئة المعلومات ولا حتى في مشكلة حمايتها أو في مشكلة المواجهة المعلوماتية لمختلف الجهات الفاعلة اجتماعيا، لاننا نرى أن تعريف أمن المعلومات وحمايتها المعلومات يحتاج إلى إعادة التفكير، وكما انه ومن المهم أن نفهم أن ظهور “مجتمع المعلومات” وتنمية المعلوماتية يجلبان معهم تغير سمات الحياة الاجتماعية كزيادة في أهمية المعلومات وسرعتها وتنوعها وتقادمها، وإن نطاق المخاطر والتهديدات التي تنتجها الحداثة والمتمثلة في زيادة السرعة وتنوع المعلومات كبيرة، وأن السرعة والزمنية للوضع الاجتماعي تضاعف وتهور بشكل غير متناسب القدرات البشرية فتتشكل ممارسات جديدة للسلوكيات تهدف إلى ضمان أمن المصالح الذاتية والنفعية ليتم التعبير عن ذلك في نمو مؤقت للأشياء في حياة الناس والوقت والعلاقات الزمنية والوجود الزمني للتنظيم والتعاون ومؤقتية للمعلومات والأفكار والمعاني من أجل البقاء في محاولة حتى لو كانت بلا جدوى لمنع صدمة المستقبل. وهنا يجب على الفرد أن يصبح أكثر قدرة على التكيف بشكل لا نهائي ومعرفة أكثر من أي وقت مضى، كما يجب عليه أن يبحث عن علاقات وطرق اجتماعية جديدة تماما لترسيخها لأن كل الجذور القديمة أصبحت تحت وطأة هجوم الإعصار الرقمي المتخبط.
هذه السمات وغيرها تحدد خصوصيات جديدة للممارسات الاجتماعية وتشكل أشكال جديدة من العلاقات بين الناس، مما يؤكد إن العمل مع انسياب بحار المعلوماتية المتدفقة وتطور المعارف ليست خياراً بل ضرورة وفي ضوئها تحدد الموضوعات الاجتماعية لتحقيق مصالحها وحمايتها بتحديد أو تحوير أشكال العلاقات الأخرى، وادراك أن انتشار سياقات الخبرة وثقافات المعرفة في المجتمع عامل توافقي في نمو المجتمع إن عملنا على تدريج رفع وعيه، وإن الوجود الواسع الانتشار لمثل تلك الثقافات ينطوي على إعادة تجميع للعلاقات الاجتماعية حول وسائل المعرفة بأن الأشياء تحل محل الناس كشركاء في التفاعل وتتوسط بشكل متزايد في العلاقات الإنسانية مما يجعلهم يعتمدون عليها لا إن تحل محلهم كما هو جاري ولا إن تبعدهم وتجزر علاقاتهم بينهم.
عبر تلك الثقافة الحياتية المختلفة يجب فهم أشيائها كموضوعات للأنشطة المتميزة بالتشابك الاجتماعي بمعناها العرفي مع الثقافات الأخرى لفهم العلاقات وتجاوبها مع المعرفة والمعلوماتية والخبرات والأشياء اليومية، وإن حالة المجتمعات الجديدة ترنو بالمجتمع المعرفي على أنه ليس فقط مجرد مجتمع به عدد كبير من الخبراء والبنى التحتية التكنولوجية والمعلوماتية وتفسيرات المتخصصين بل مجتمع ثقافات معرفية تنسج عضويا في نسيج المجتمع ومجموعات متعددة ومتنوعة من العمليات والخدمات المعرفية فتنطوي فكرته على المرور بانتقال أشكال التواصل الاجتماعي من التكامل الاجتماعي والتنظيمي إلى الأشياء والحاجات كشركاء في العلاقات أو بمكونات البيئة التمكينية، وإن هذا الفهم لا ينكر على الإطلاق حقيقة وجود أشكال معينة من التواصل مع الأشياء وعبرها أصبحت كوسيلة للتغلب على المخاطر والفشل الذي تم التوصل إليه في العلاقات الإنسانية، وبما أن العديد من الأشياء والحاجات والعلاقات في الحياة اليومية تتحول إلى أجهزة عالية التقنية فإن بعض الخصائص يمكن إدخالها فيها لضمان أمن وتنفيذ الفائدة مما يمكن تفسير بعض المتطلبات التي تقدمها الأجهزة والبرامج الرقمية لمستخدميها وكذلك بعض الفرص التي توفرها على أنها أدوات تكفل تجذير النظام الدقيق للحياة في ظل ظروف أمنه أنطولوجيا.
لا تقتصر المعرفة الخبيرة على كمية المعلومات العلمية والتقنية المتاحة فهي تغطي الممارسة الكاملة للقرارات الاجتماعية والجوانب الأكثر خصوصية للشخصية الإنسانية، وإن التنقيح المستمر للمعرفة الحالية للعالم يثير شكوكا جذرية بمرور الوقت أصبحت واحدة من أهم المعايير الوجودية للحداثة العالية وإن تطوير العلوم والتكنولوجيا لا يؤدي فقط إلى زيادة مستوى المخاطر الطبيعية والاجتماعية بل يحد أيضاً من إمكانيات التنبؤ به وتقييمه غير الواضح، وإن التطفل المستمر للمعرفة العلمية في الظروف الاجتماعية والطبيعية ذاتها التي تصفها هذه المعرفة يحول الواقع إلى مجموعة من السياقات والكيانات الاجتماعية المتقلبة والبعيدة عن كل التطلعات السلامية والأمنية. فتطرح هنا تساؤلات من بينها ما هو نوع الأمن الذي يقوم به الشخص والمجتمع استجابة لنمو المعلومات؟ هل يمكننا معالجة الفهم السابق لأمن المعلومات في سياقات مماثلة؟ أم أن الأمر يتعلق بضرورة توفير الأمن في ظروف مجتمع المعلومات والأمن في مواجهة تدفقات المعلومات المتزايدة؟ وفي هذا الصدد أود أن أعرض وجهة نظر مختلفة بشأن رؤية مشكلة أمن المعلومات، فمع زيادة تدفق المعلومات وتقادم المعلومات يقوم المجتمع بتطوير ممارسات اجتماعية جديدة لضمان الحفاظ على الذات ليس فقط في الواقع الرقمي ولكن قبل كل شيء في الحياة العادية، ومن المهم لنا أن نفهم أن المجتمع في سياق الكثافة المتزايدة لتدفقات المعلوماتية يقوم على تطوير ممارسات اجتماعية جديدة ليس فقط على الويب وان أمن المعلومات هو ضمان سلامة بيئة الممارسات الاجتماعية في مواجهة تزايد تدفق المعلوماتية وتقادمها، ولكن هل من الممكن أن يكون ذلك الفهم لأمن المعلومات هو تطوير لتعريف حماية المعلومات؟ وهل يتوافق نهجه عبر السيطرة على الفضاء الرقمي وتوافر الفرص والظروف والوسائل لمواجهة تلك التهديدات؟ أو هل ينشأ تصوّر أوسع لمشكلة أمن المعلومات لتشمل التعريف التقليدي لحمايتها من السرقة المستقبلية كحالة مغيبة ومنفردة وخاصة؟