23 ديسمبر، 2024 5:04 ص

شيعة العراق وعلاقتهم بالقضية الحسينية

شيعة العراق وعلاقتهم بالقضية الحسينية

لا يخفى على الجميع، ان الامام الحسين (عليه السلام)، ولد وترعرع في المدينة، حيث انها تعتبر موطنه الاصلي، وكان الاولى به ان يبقى فيها، ويتخذ منها القاعدة الرئيسية للإنطلاق بثورته ضد الطاغية (يزيد ابن معاوية)، لأسباب عديدة: كونها مسقط رأسه, ومحط لجميع اهله وبنو عمومته, والمعقل الرئيسي لأنصار جده رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم, بالإضافة الى وجود عدد كبير من الموالين لهم فيها, مع هذا فإنها مدينة والمدينة عادةً ما تكون محصنة، ويكون القتال فيها افضل من الصحراء المكشوفة، من الناحية العسكرية، لكنه تركها وتوجه للعراق وبالخصوص الى كربلاء، بكل تأكيد لم يكن اختياره عفوياً، فلا بد من وجود اسباب دعت الامام الحسين عيله السلام الى تركها والتوجه الى كربلاء.

كل الروايات والاحاديث المنقولة في امهات الكتب، ومن كلا الطرفين تؤكد على إن الحسين عليه السلام كان يعلم بنتائج المعركة، وأنه مقتول ونساءه مسبيات لا محال، وهو يعلم اينما قتل سيكون لمقتله نفس الاثر في نفوس المحبين والموالين والمتعاطفين معه، حيث سيكشف للعالم مدى خسة ودناءة عدوه، الذي لا يمتلك شيء من المروة، وكان لابد لخروجه من اجل الاصلاح في امة جده، وان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, وان يظهر للعالم مدى فسوق وفجور دعاة الخلافة، وان الوقت حان لمحاربتهم للحفاظ على بيضة الاسلام، وسيكشف للعالم بأن من يدعي الخلافة لرسول الله قتل ذريتة وسبى نساءه، لكنّ هذا الامر لا يكفي؟ فلا بد للقضية ان تستمر ولا تتوقف عند مقتله.

فكان سلام الله عليه يبحث عن حملة لمشروعه وقضيته ومظلوميته، ولابد ان تبقى تلك الملحمة مناراً للأجيال المتعاقبة، فكان لشيعة العراق ذلك الشرف بحمل القضية الحسينية، وإستمرارها وديمومتها على مدى التاريخ، وان لا يتوقف الامر على رواية الحادثة والمعركة فقط، حالها حال الآلاف من الحوادث التي مرت على مدى العصور، فلا بد من ايجاد الوسائل والادوات الكفيلة بتجسيد تلك الواقعة الأليمة، من الناحية العاطفية والانسانية، بالإضافة الى تبيان الدروس الحقيقية التي تجسدت في اليوم العاشر من محرم كالتضحية والايثار والشجاعة والايمان وغيرها الكثير من الدروس والعبر، التي لا يمكن تجسيدها في سطور.

فأخذ شيعة العراق الدور الرئيسي البارز، في حملها وإظهارها للعالم عن طريق الشعائر الحسينة بكل طرقها المتنوعة والمختلفة، لأن القضية عاشت في نفوسهم، وتناقلوها جيلاً بعد جيل، وهذا الامر غير موجود عند غيرهم من الشيعة في العالم، فاستلهموا منها قوتهم وعزيمتهم ورفضهم للظلم والاستبداد، فكانت لها نفحات حسينية عطرة ارتبطت ارتباطاً قوياً بنفوسهم ودينهم، واخذوا العبرة من واقعة الطف، من حيث المقارنة العددية والزمانية، بين انصار الحسين واعدائه، حيث جسدوها في ثورة العشرين، مع اختلاف العدة والعدد بينهم وبين العدو، ليعيدوها مرةً اخرى بعد مئة عام مع داعش، ليحققوا اروع واجمل الانتصارات والتضحيات.

حافظوا شيعة العراق على الشعائر الحسينية، على مدى التاريخ ومنذ الاحتلال العثماني مروراً بالاحتلال البريطاني والملكية ثم المواجهة مع المد الشيوعي في المنطقة باسرها، الذي اخذ يحارب تلك الشعائر بكل قوة، ليأتي بعدهم الحكم ( العارفي) الطائفي المقيت، ولم ينتهي عند هذا الحد، بل امتد الى النظام الفاشي المستبد نظام البعث الدموي، وشهد العالم بأسره مدى وحشية نظام (صدام) والعنف الذي تعرضت له الشيعة (والشعائر الحسينية) حتى وصل الحال بالخطيب ان لا يرتقي المنبر حتى يجلب موافقة من (دائرة الامن)، وتلك الخطوة بذاتها كانت مدروسة جيداً، بحيث يوهمون المجتمع ان لا يعطون الاذن الا من كان يعمل معهم، لكي يبعدوا الناس عن المجالس الحسينية، إلا انها لن تتوقف، واستمرت رغم تلك الظروف القاسية، التي مرت على شيعة العراق بالخصوص، ليأتي بعدها الارهاب وكيف كان يفجر المواكب والمجالس الحسينية، والعمليات الانتحارية التي تنفذ مع الزوار، ولم تثنيهم تلك الامور عن اصرارهم على تأدية تلك الشعائر وإستمرارها والحفاظ عليها الى يومنا هذا.

لذلك لم يكن اختيار الحسين للعراق عفوياً او كان محض صدفة؟ وانما عن علم ودراية بأهل العراق، ومعرفة الروحية التي لديهم وارتباطها مع الحسين وال الحسين في كل زمان، حيث اراد الحسين منا الحفاظ على قضية عاشوراء، ومصيبة كربلاء بكل جوانبها المادية والمعنوية والعاطفية، وان نجدد ذلك التاريخ عند كل بداية سنة هجرية، ونبين للعالم اجمع ابعادها وحيثياتها، وأن ننتهج وننتهل من تلك الثورة الاخلاق والقيم والمبادئ، ونتحلى بها لنوضح للعالم بأسره ذلك الارتباط الروحي مع ال النبي الاكرم صل الله علية وعلى اله وسلم.