كثيراً ما يحصل إلتباس وسوء فهم بسبب عدم تمييز المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، وهذا ما دفعني إلى كتابة هذا البحث.
إن المعنى الاصطلاحي لمفردة((الموضوع)) يختلف بحسب إختلاف العلم. وأود أن أسلط الضوء على بعض المعاني الاصطلاحية لمفردة((الموضوع)) من خلال العناوين التالية:
أولاً: الموضوع في الدلالة الوضعية.
ثانياً: الموضوع في القضية الحملية.*
ثالثاً: موضوع العلم.
رابعاً: الموضوع في الجوهر والعرض.
خامساً: موضوع الحكم الشرعي.
سادساً: الموضوع في الشبهة الموضوعية.
////////////////////////////////
ثانياً: الموضوع في القضية الحملية.
————————————–
الآن أريد أن أسلط الضوء على معنى إصطلاحي آخر للموضوع وهو أيضاً من المصطلحات المنطقية..
يعرف علماء المنطق (القضية): بأنها المركب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الكذب.
وتقسم القضية إلى حملية وشرطية. ومن الأمثلة على القضية:
الحقُ منتصرٌ (قضية حملية)
البخيل لا يسود (قضية حملية)
حرث الفلاح الأرض (قضية حملية)
إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال (قضية شرطية)
إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها(قضية شرطية)..
ما هي القضية الحملية؟
يعرّفها علماء المنطق بأنها: (( ما حُكم فيها بثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه)).
والقضية الحملية تتألفُ من طرفين:
الطرف الأول: هو الموضوع.
الطرف الثاني: هو المحمول.
إن المراد من ثبوت شيء في التعريف، هو ثبوت المحمول. والمراد من ((لشيء)) هو الموضوع اي ثبوت المحمول للموضوع. وكذلك الحال بالنسبة لنفي الشيء عن شيء يعني نفي المحمول عن الموضوع.
وتتضح الصورة من خلال بعض الأمثلة: الحقُ منتصرٌ (قضية حملية).
الحق: هو الموضوع.
منتصر: هو المحمول.
يعني ثبوت الانتصار للحق.
مثال آخر: البخيل لا يسود (قضية حملية).
البخيل: موضوع.
لا يسود: محمول.
يعني نفي السيادة عن البخيل.
ومن خلال ما تقدم فقد تبيّن المعنى الاصطلاحي للموضوع في القضية الحملية وهو يختلف عن المعنى الاصطلاحي للموضوع في الدلالة الوضعية، كما هو واضح لمن تدبّر…
بقيَّ الإشارة إلى أمرين:
الأمر الأول: إن القضية الحملية هي: نحوٌ من أنحاء الاتحاد بين الموضوع والمحمول، وهذا يسمى (الحمل). فإن للحملِ ركنين:
الأول: هو الاتحاد بين الموضوع والمحمول فإن كان الاتحاد بين الموضوع والمحمول بحسب المفهوم، كان الحمل ذاتياً أولياً.
وإذا كان الاتحاد بين الموضوع والمحمول بحسب المصداق، كان الحملُ شائعاً صناعياً. مثال ذلك( زيدٌ إنسان).
الثاني: التغاير بين الموضوع والمحمول، فمثلاً (زيدٌ إنسانٌ)، فإن مفهوم (زيد) مغاير لمفهوم (إنسان)، ولكنهما متحدان بحسب المصداق..
لأن الصورة الذهنية لزيدٍ(مفهوم زيد) مغايرة للصورة الذهنية للإنسان(مفهوم إنسان)، ولكن زيد في خارج الذهن هو مصداق لمفهوم زيد وأيضاً مصداق لمفهوم إنسان وهذا يُسمى الاتحاد بحسب المصداق. وهو حملٌ شايعٌ صناعي…
الأمر الثاني: كثيراً ما يواجه طلبة العلم بعض الصعوبات في تشخيص الموضوع والمحمول، على سبيل المثال: زيدٌ إنسانٌ، فإن زيداً هو الموضوع وإنسان هو المحمول.
مثال آخر: حرث الفلاحُ الأرضَ، أن الموضوع هو (الفلاح)، والمحمول هو (حرث الأرض). ويتضح من خلال المثالين السابقين أن الموضوع تارة يأتي مبتدأ وأخرى يأتي فاعل. يعني: إذا كانت الجملة أسمية، فإن الموضوع هو المبتدأ والمحمول هو الخبر. وإذا كانت الجملة فعلية وتدل على الإخبار لا الإنشاء، فإن الموضوع هو الفاعل والمحمول هو الفعل.
أما في المضاف والمضاف إليه، مثل: (( انتصار الحق ))، فإن الموضوع هو المضاف إليه، والمحمول هو المضاف. لأن ((انتصار الحق )) بالرغم من كونه مركبا ناقصا ولكنه في المرتبة السابقة يمثل ثبوت الانتصار للحق أي: الحقُ منتصرٌ..
ومن خلال ما تقدم فإن الموضوع يمكن تشخيصه في الجمل العربية أي: أما أن يكون مبتدأً، كما هو الحال في الجملة الأسمية (الحقُ منتصرٌ). أو يكون فاعلاً كما هو الحال في الجملة الفعلية (حرث الفلاحُ الأرض). أو يكون مضافاً إليه، مـثال ذلـــك (انتصار الحق)…
ويتبعه القسم الثالث….