23 ديسمبر، 2024 6:03 ص

شولوخوف و تخليد الألم في الواقعيّة الرّوسيّة

شولوخوف و تخليد الألم في الواقعيّة الرّوسيّة

على ضفاف نهر الدون بروسيا و نتيجة عشقٍ محرّم بين عامل حقير على طاحونة وأوكرانية أميّة خادمة في البيوت رأت عيني شولوخوف النور ٢٤/مايو/١٩٠٥ فغدا ابن الحبّ هذا واحداً من أعظم أدباء روسيا و صاحب جائزة نوبل في الأدب عام ١٩٦٥م .
أُجبرت أُمّه على زواجها من رجل غير أبيه وانتظر الحبيبان حتى مات زوجها ليتمكنا من عقد قرانهما في الكنيسة و إعلانه رسمياً .
شولوخوف وليد الحبّ والفقر ولد في قرية قوقازية صغيرة إلا أنه لم ينتمي يوماً إلى القوقازيين ، حياته كانت حافلة بالغموض و الأسرار و ماتزال حتى الآن تحت البحث و التحليل . عمل حمّالاً وأجيراً ومحاسباً و معلّماً في مدارس محو الأمية فكان أُستاذ أمّه و علّمها القراءة . و أصرّ الحزين هذا على متابعة تحصيله الأدبي رغم فشله الدراسية فهو لم يكمل دراسته الإبتدائية ، فعزم أن يصبح صحفياً و صار من كبار أدباء روسيا و أخذ نوبل عن روايته ( الدون الهادئ) .
إلى موسكو عام ١٩٢٢ بدأت رحلة الصبي ذو السبعة عشر عاماً و باشر بكتابة القصص القصيرة ليصبح عضواً في جمعية ( الحرس الفتي الأدبية ) ، وخلال أصعب المراحل السياسية التي خاصتها روسيا من حرب أهلية و حربٍ دامية بين الثوريين الشيوعيين و الجيش الروسي و الثورة الشيوعية اختار شولوخوف مسار الثوريين الشيوعين وعمل بقسم المواد التموينية و شارك بمصادرة مخازن طعام الأغنياء و توزيعها على الشعب الثائر .
جُمعت قصصه القصيرة ونُشرت عام ١٩٢٤ في صحف مختلفة و جمعت لاحقاً بمجموعة Tales of the don و Lezurevaya step .

عام ١٩٢٥ عاد الى موطنه الأصلي بمنطقة الدون و قضى بقيه عمره هناك . فباشر بنحت أعظم منتوجة أدبية بمسيرته حيث نهر الدون و قرى القوقاز و مربى الطفولة الأليمة خطّ شولوخوف روايته ( الدون الهادئ) وهي من أعظم ما خلّفه الأدب الروسي .
على مدار ١٤ عام بدءاً من عام ١٩٢٦ تحدث فيها شولوخوف عن كل ما دفنه بقلبه عن الحرب العالمية الأولى و الحرب الأهلية الروسية و سيطرة الحكم السوڤييتي على منطقة الدون ، تحدث عن عيشة القوقازيين وهم أنصار الجيش الأبيض فاستتب بوصف البطل ( غريغوري ميلوخوف ) ذو الشخصية الانفعالية التي تثور بأوامر من قلبهاولا تسمع لعقلها ، نزقة متسرعة لم تكمل تعليمها في الكنيسة ، عشق ميليخوف أكسينيا أستاخوفكا وهي متزوجة تُعنّف يومياً من زوجها الحقير ستيبان فكان غريغوري ملجأها كعاشق شرس وفيّ .
وكما هو الحبّ دائماً سيد السادة أستطاعت أكسينيا أن تدبّ بحبيبها غريغوري الحياة وهو القروي ابن التجار عاشق الأرض قاعدته في الحياة ( أنت قوقازي لذا عليك ومن أجل أرضك أن تقتل دون رحمة ، وكلّما قتلت رجلاً في الحرب غفر الله لك خطيئة ) . لذا يلتحق بطل الدون بعصابات فومين ويُسجن و بذا لا يبقى له سوى الحبيبة أكسينيا .
لم يكن شولوخوف مع الشيوعية أو مع أي حزب أو إيدولوجية فنراه يجعل بطله غريغوري يتراجع عن قراره قبيل العفو الذي تمنحه ثوره ١٩١٧ م في مناسبة عيد العمال العالمي فيلقي ببندقيته في نهر الدون .
اُقتبست الرواية في أعمال سينمائية عديدة و عايش الكاتب أكثر التيارات التي عرفتها الثورة الاجتماعية في روسيا – عُمقاً ، ورافق نيران الحرب الأهلية و انتقادات الكثيرين وراجت شائعة سرقته لرواية الدون و قبل أنها مخطوطة لرجل مسن في القوقاز قام شولوخوف بسرقة عمله .
غدا ثوريّاً مصقولاً وكاتباً موهوباً مغرّدا. خارج سرب السلطة حتى كادت روايته تودي بحياته لولا تدخل ستالين شخصياً حيث كسرت عنفوان الواقعية الاشتراكية .
في الدون الهادئ ستمئة شخصية تتناهى مع بعضها البعض في لوحة ديناميكية و ثماني و عشرون عاماً بكتابة أرضنا البكر تناول فيها سياسة دمج أرض الفلاحين معاً و تحويلها الى مزارع جماعية .
أمّا مصير إنسان فقصة إنسان بسيط أخذت الحرب أسرته و منزله لكنها لم تتمكن من إهانته فهو رمز للشعب الروسي المناضل .
منحته الدولة الروسية ميدالية الانتصار على ألمانيا في الحرب الوطنية العظمى ونال نوبل للآداب عام ١٩٦٥م ، تّرجمت أعماله لعشرات اللغات و طبعت حوالي ٨٠ مليون نسخة ، توفي ٢١/٢/١٩٨٤ بسرطان الحلق ودُفن بموطنه الأصلي في فيوشينسكايا .
“ بدا له حلوا حب امرأة تكبره عشرة أعوام ،
حلوا مثل تفاحة برية شتوية أصابها أول الصقيع ”
“أي نمط من الحياة رسموه لنا؟ فهم يلصقونك بإمرأة واحدة وعليك أن تلازمها حتي الموت. تري كيف ينتظرون منا ألا نملها؟ وفوق ذلك يعلنون الحرب. الدون ”
“لا أحدَ ينتصرُ في الحرب سوى الحربِ نفسِها، فهي التي تنتصرُ على الجميع. – ميخائيل شولوخوف” .