19 ديسمبر، 2024 12:43 ص

شهادة  الاوراق الصفراء في سوق عريبهْ

شهادة  الاوراق الصفراء في سوق عريبهْ

مابين النوم واليقظة هنالك خيط رفيع جدا، يسلسل الاحداث كما هي ساعة الموت حين يصفونها بشريط من الذكريات، هاهو يهيىء نفسه ويصطحب خمسا من النسوة الفاقدات، ومابين اليقظة والنوم اتجه معهن الى سوق عريبه بالثورة داخل، وهناك بحث عن شجرة معمرة قريبة من الانفجار، وراح يفرك اوراقها ويقربها من اذنه، هنالك همهمات عن الريح والامطار، الاشجار دائما تهتم بشؤونها اكثر من اهتمامها بشؤون الآخرين، اية امطار واية رياح ونحن في الشهر الخامس من الصيف اللاهب، هذه الشجرة المعمرة ربما اصيبت بالخرف، هل ابحث عن شجرة اخرى؟، لا انها اقرب الاشجار الى الانفجار، وقد اصفرت بعض اوراقها من السن اللهب، هي الشاهد الاول على الجريمة ويجب ان اجرب طريقتي معها، لكنني هذه المرة سافرك احدى الاوراق الصفراء باذن المرأة التي فقدت فتاتين اتيا للتسوق من سوق عريبه لانه سوق الفقراء كما اشيع عنه، دنا من المرأة المتشحة بالسواد وهو يقول اعيريني اذنك، فاستسلمت بدون اي اعتراض، وراح يفرك الورقة اليابسة، هل كان اسمها منتهى، نعم اسمها منتهى وهي في الثامنة عشرة من العمر، اذن هذه هي ورقتها، اصغي اليها جيدا ستقول لك كل شيء عن موتها في الانفجار،لقد طارت عباءتها في البداية وهي تهم في الخروج من السوق مع اختها، لم تكن تمشي بقرب اختها التي فقدت حتى ورقتها، كانت تسبقها بخطوات، ولذا وجدتم منتهى ولم تجدوا ليلى، حتى عندما فتش اخوتها على سطوح المباني لم يجدوا شيئا.نعم لقد دفنا التابوت فارغا مع عباءة وقطع ممزقة من الثياب، نعم منتهى اقتنت ماتريد وغادرت مسرعة، وقالت انها ستنتظر في بداية السوق، كانت السيارة مركونة قريبا وهي تحمل اطنانا من المتفجرات، عبرت بكل بساطة، والمجرم تمتم باسم الله ، وقرأ شيئا من القرآن ، كما تقرأون انتم الآن على روح الاموات، ربما كان يقرأ على روحه هو ، يبدو الامر متشابها، بعدها وبسرعة اصفرت بعض الاوراق واهتزت الاغصان والجذع، نادى على المرأة الثانية وراح يفرك ورقتين اثنتين قرب اذنها، نعم هذه ورقة علي وتلك ورقة موسى، لقد توكلا على الله وخرجا للعمل مبكرين، ننتظرهما بفارغ الصبر، دائما مايقولان: ( يمّه انتي ليش تخافين، شو احنه قريبين عليج بعيدين عن باب الشرجي وباب المعظم، شيوصله الارهابي لسوك عريبه)، انا دائما ادعو لهما بالسلامة واصلي الفجر  لربي ان يحفظهما، لكن الله لم يستجب لصلواتي، اعتقد انه اتخذ موقفا من العراقيين، احمد كان هو الكبير، كانت الاوراق متشابكة، كنا الاثنين معا في المحل ننتظر الزبائن، انا وعلي طارت واجهة المحل الزجاجية فاعتنق احدنا الآخر، واصفرت الاوراق، نعم كانا محترقين سوية، وقد التصقت اجسادهما، في المغتسل استطعنا تمييز احدهما عن الآخر، الشجرة صادقة فيما تقول، لم تخرف هذه الشجرة على الرغم من عمرها الطويل.نادى المرأة الاخرى التي بقيت كشاهدة للقبر فقط ملامح انسان، اقتربي كي نرى قضيتك، ان هذه الشجرة هي الشاهد الوحيد الذي بقي على قيد الحياة، وهي ستقول لك عن ماجرى بكل امانة ونزاهة، لاتستمعي للاعلاميين ولا لقادة العمليات ولا المتحدثين باسمائهم، كلهم يكذبون، لم يكن اي منهم حاضرا بالانفجار، ولذا فهم يرسمون الحقيقة فقط ولايعرفونها، اما هذه الشجرة فهي تعرف كل شيء، يا الهي ان هذه الاوراق متشابكة، واذا ما اردنا قطعها ستقطع باجمعها، وستكون الانباء متضاربة والاصوات مختلطة، يالها من مأساة، هل هم من عائلة واحدة، نعم لقد ذهبوا مع ابوهم، ولم يرجع احد منهم، لا اريد ان اسمع شيئا، دعهم متعانقين، واياك ان تفرك اية ورقة من اوراقهم، هكذا يرقدون، لقد دفناهم بقبر جماعي ولم نفرق اجسادهم.