لم يكن ابن أخي يتوقع ان تحمل دعوة بعض الأصدقاء لتناول طعام العشاء في احد مطاعم بغداد ،مصادفة جميلة بجمال روح بطلها الفريق الركن حامد الزهيري آمر الكلية العسكرية حالياً،حيث جلب انتباهه تجمع لبعض مرتادي المطعم حول شخص رشيق اسمر طوله فارع شامخ كشموخ نخيل الجنوب، وهم يلتقطون الصور ويتبادلون التحايا وهو يبادلهم ردها والابتسامة لا تفارق محياه.
يقول بمجرد ان وقع نظري عليه،عادت بي عقارب الساعة للوراء وتحديداً سنة (2000 )،عندما التحقت لأداء الخدمة العسكرية الالزامية بـ (مركز تدريب منصورية الجبل) ،وكان أمر السرية الرائد” حامد الزهيري” آنذاك.
لم يكن الحصار الدولي المفروض على الشعب العراقي بأقسى من نظام صدام،فقد مارس البعث وصدام الوصاية على المواطنين،فكان شعارهم:(أذا قال صدام قال العراق)!.
في يوم لاهب من شهر آب “اللهاب” كما يصفه العراقيون ،فقدت أعصابي بسبب حجم المضايقة والأهانة التي نتعرض لها من قبل الضباط وعرفاء التدريب،فشتمت “صدام” وحزب البعث” وجميع من يمت لهم بصلة،هرب الأصدقاء من حولي لمعرفتهم بمصير من يشتم الطاغية حينها ومصير من يستمع اليه،حيث تصبح المسافة بينه وبين الموت مجرد إجراءات!.
عند المساء جاءني عريف الفصيل “دريد”،بوشاية بعض العيون الخائنة،صاح بي انهض دون أن يسمح لي بأرتداء الزي العسكري،اصطحبني الى إلى آمر السرية،أوقفني ببابه ودخل العريف لوحده،بعد لحظات اخبر بها الرائد حامد الزهيري،بأنني شتمت صدام و حزب البعث،وهناك شاهد “خفي”!،(الشاهد الخفي بزمن صدام شاهد يذهب بشهادته صاحب الدعوى الى مقاصل الموت دون ان يحق للمعدوم ولا أهله أن يتعرفوا عليه،وهؤلاء كانت لهم تسميات مختلفة فيطلق عليهم في جنوب العراق “شمشوم” فهم يشمون أخبار الناس ويوصلونها إلى مديريات الأمن،وفي العاصمة بغداد “وكيل” وعند مديريات الأمن “مصادر سرية” وهؤلاء غير موظفين بل من عامة الناس،وعادت ما يكونوا من بيوتات منحطه أخلاقيا،فهم بين “مأبون” او “مؤمس”،يمارسون الخيانة والوشاية انتقاماً لعقدهم الاجتماعية لا غير،بدليل أن الامتيازات التي كانت تمنح لهم من قبل السلطة لا تساوي حجم الأرواح التي أزهقت بسبب المعلومات الكاذبة التي قدموها عن جيرانهم وأبناء مدنهم لمديريات امن صدام المنتشرة على طول خارطة العراق،فهي عبارة عن حصة تموينية أضافية عبارة عن ربع كيلو عدس وحصة البان وطبقة بيض!!!).
أدخلني العريف على الأمر ووقف خلف الباب يسترق السمع لإجراءات الأمر،فبإمكانه أن يعدم كلانا أذا لم يقتنع بإجراء آمر السرية،طلب مني بعض البيانات الشخصية وعرف أني انتمي إلى سلالة رسول الله (ص)،عندها على صياحه علي،وبدا يُسمع العريف انه يضربني،وهمس في أذني: (تريد تهجم بيوتنا هسه تجي هليكوبترات تأخذنه من المعسكر)،فهمت ما يريد فأنكرت شتمي صدام والبعث.عندها نهرني بقوة وأمرني بالعودة الى سريتي.
عندما التقيته اليوم بعد ثمانية عشر سنة،ومثلهما بتلك الحادثة قال لي:(هم سيد وساب صدام)!.الشكر لله أولا ولمن منحني الحياة ثمانية عشر سنة أخرى الفريق الركن ” حامد الزهيري”.