الشرعية هي الالتزام والتقيد بأحكام القانون،وهي اساس السلطة التي تحكم مجتمع معين وتمارس فيه الحقوق. ومشروعية السلطة تأتي من باب الأيمان بها وتطبيقها دون مصلحة شخصية أو انحراف سياسي معين ، وهي تمثل العلاقة القانونية التي تختص بتطبيق الحق القانوني واقراره المُلزم للوطن والشعب ،وكل التعليمات القانونية الصادرة من الاعلى الى الادنى..بحق قيادة الوطن في التطبيق..فأين من يحكمون الوطن العراقي اليوم منها..؟
والشرعية هي النظام او المنهج الواضح الذي يُرسم أو يُسن للناس في شؤونهم. وبهذا المعنى يفهم قول الشافعي) الا سياسة الا ما وافق الشرع(.أي المنهج والنظام الذي أختارته الجماعة وأتفقت عليه وأرتضته لنفسها ميراثاً أو أكتساباً لصالحها وخدمة شؤونها لينتفع منه عامة الناس .من هنا يتبين لنا ان السياسة الاسلامية هي ما تقره الشريعة الحقة المعترفة بمساواة الحقوق ضمن صيرورة الزمن في التغيير،وهي بمنزلة الجزء من الكل. وفي الاسلام هي المبدا الاعلى والمنطق الاسمى الذي يتوج نظام الحكم الاسلامي،وهو التضامن الحقيقي بين الناس وهيئة الحكم في تنفيذ ما أمر الله به دون اعتراض..مستبعدة تطبيق العدالة الأنفرادية بين عامة الناس خدمة للصالح العام .
والشرائع القانونية قديمة قدم الحضارات كما في العراقية واليونانية والرومانية ، ففي الحضارة العراقية القديمة شريعة أصلاحات آوركاجينا، وشريعة آور نمو عند السومرييين ،وشريعة حمورابي عند البابليين االمتمثلة، بمجموعة قوانين حمورابي الملزمة التنفيذ في وقتها والتي هي اكثر عدالة مما يطبق اليوم في ظل عدالة الاسلاميين الذين انحرفوا عن الشريعة الاسلامية واستبدلوها بشريعة السلطة الميتة المبتكرة ظلما على المسلمين .،والمعروف ان حمورابي قد وضع في شريعته ما مجموعه 282 مادة قانونية في مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية. وتعتبر الشرائع العراقية القديمة من اقدم الشرائع العالمية..وأفضلها وغالبية ما جاء به الاسلام من قوانين شرعية مُستل منها.. كما في :”العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص”.
لكن الكلمة لم تظهر بمعناها الواسع الا في العصر الحديث بعد الثورةالفرنسية عام 1789 والنهضة الاوربية وحركات الفصل الديني عن السياسة حيث أصبحت ذات معنى عريض،ومكانة عظيمة، فهي تدل على سيادة القانون وحقوق المواطنين في الحرية والاخاء والمساواة في الدولة،وربما كانت جزء من مصطلح الايديولوجيا.. اي المبدأ والعقيدة والفلسفة التي يقوم عليها النظام المعاصر في بلد معين،ولربما أستعملت الشرعية بمعنى مطابقتها الفعل اوالعقد اوالقرار لنظام قانوني صحيح،فيكون شرعياً بهذا..وليست شرعية المتدينيين الذين حصروا الحقوق بهم دون الأخرين والذين تجاهلوا ان العلاقة بين القديم والجديد هي علاقة جدلية يتبادل الاثنان فيها التاثر والتاثير وصولا الى حالة الاستقرار يلتقي عندها الاثنان في تركيب لا يشبه اياً منهما .
ولا يستطيع اي باحث او كاتب ان يتعرض لمعطيات شرعية دولة من الدول في النظام او القوانين ،في الحياة الاجتماعية او السياسية او الثقافية لبلد معين،سواءًًكان هذا في الماضي او الحاضر ،مالم يدرس او يبحث ويسلط الضوء على المنهج او الشريعة لانها تمثل طبيعة الفلسفة والقوانين التي كانت تحكم ذلك النظام،او هذه الدولة،في هذه الحقبة او تلك،لاننا لا نستطيع ان نتفهم كيان أسمه نظام أو دولة مالم نتلمس معنى دقأئق تلك الفلسفة أو المعتقدات التي أرتضتها الجماعة لتكون لها ميراثاً قانوني عَتيد.
ان الحكم في الاسلام اساسه التراضي او التوافق وفق مبدا الحق والعدل وليس مبدأ التفرد والأستغلال كما يعمل به اليوم في دولة اللاقانون ،لأن الشرعية علاقتها واضحة بمبدأ الشورى والرضى عن المُولى يأتي عن طريق توليته وحقه الشرعي،ثم يكون المُولى أهلا للحكم وليس غاصباً له “كما يقول نوري المالكي : “أخذناها وبعد ما ننطيها”،أو كما قال الدكتور محمود المشهداني رئيس الحزب الاسلامي : “نحن جئنا كعصبة تفليش وتهديم لا بناء واصلاح”..وهم يمثلون احزابا أسلامية تعاملت مع الخيانة الوطنية بعد التغيير.لان الخلافة او الرئاسة في المفهوم الاسلامي تمثل السلطة التي تقوم نيابة عن الرسول(ص)بالنظر في مصالح المسلمين – كل الشعب دون تمييز-حيث يعتبر الخليفة او الرئيس الحاكم الاعلى للدولة ويجب طاعته بشرط ان لا يخالف الوصايا العشر في الحقوق التي وردت في الفرقان شرطا مكتوبا عليه.
ويبقى الشرط مقرونا بشروط الكفاءة التي يجب ان يتمتع بها الحاكم وبأخلاقية التطبيق، منها العدالة والعلم وسلامة الحواس وسلامة الاعضاءوالشجاعة في قول الحق وحقوق الرعية والرأي المفضي الى تدبير المصالح للامة او الشعب.يقول الحق :”ألم*الله لا آله الا هو الحي القيوم* نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدىً للناس.. وأنزل الفرقان آل عمران 1-3″.أي ان القرآن قد صادق على ما ورد في الكتابين السابقين،لأن الوحي لا يتجزأ في جوهرة الذي يأتي في أتفاق مع كل عصر..من هنا فالشرعية الدينية واحدة لا تختلف يجب ان تطبق على الجميع لا كما فهمها فقهاء الدين الذين حول الاسلام الى مذاهب لا دين والتي لم يتفوه بها الامام جعفر الصادق ولا الأمام ابو حنيفة النعمان..ومن لديه الاعتراض فليأتينا بنص ودليل.فحول الفقهاء الدين الى أديان ومن يتبعهم بالانفرادية بهم دون الاخرين..فأذا جاء الدين من اجل الفرقة والأقتتال بين الناس وتدمير الحقوق والشتيمة للسابقين .. فلا اعتراف بدين من هذا القبيل.
اما التراضي والتوافق اللذان ينادي بهما من يحكمون اليوم باطلاً فقد حددت الشريعة المتكاملة له شروطا اقسى وأمر منها :ان لايُقدم المفضول على الافضل لاي سبب كان..وان يُختار صاحب المنصب المتوافق عليه ممن تنطبق عليه شروط التولية وان يكون أمينا يتمتع بالسمعة والسلوك الحسن دون ان يحق لاحد مجاراته لاي سيبب كان.،كما في رفض الامام علي(ع) تولية اخاه عقيل لعدم توفر شروط الطلب فيه.فأين نحن من تطبيق الشرعية الملزمة بالقرآن التي يدعون بها اليوم؟..في دولة فقدت الشرعية القانونية في التطبيق.
لكن النقطة التي يجب التنويه اليها هو ان قادة الشيعة العلوية لا يلتزمون بهذا المبدأ العام في تطبيق الشرعية السياسية،بل بمبدأ شرعية التفضيل لاهل البيت دون سواهم وأهل البيت ابرياء منهم ومما به يعتقدون حين لا نجد نصا مقدسا في ذلك وان الامام علي قبل بولاية البيعة في التنصيب … حين جوزوا ان لا احد يسمى امير المؤمنين الا علي بن ابي طالب، ولا يجوز لغير الأئمة من نسل الامام علي وزوجه فاطمة الزهراءان يتلقبوا بهذ اللقب. لان كل أمام يوصي للذي يليه في الامانة،حتى يصبح المرشح الشرعي للوظيفة المقدسة( السيوطي،اللآلىء المصنوعةج 1 ص 184-185).وماذا بعد انتهاء الأئمة الأثنا عشر ..ابتكروا قضية المهدي المنتظر لتبقى صلة الحكم فيهم الى يوم الساعة..علما ان الامام الحسن العسكري(ع) مات دون عقب.ويقول كولد سيهر المستشرق الالماني في كتابه العقيدة والشريعة ان سورة الشمس بأدعاء الشيعة الامامية جاءت في القرآن بحق محمد وعلي والحسن والحسين( عقيدة الشيعة ص175).من هذا المنطلق فقد عدت الشيعة الامامية كل من يخرج على هذه المفاهيم خارجاً على المصادر الشرعية والارشاد الديني وقيادة الجماعة الاسلامية . وهذا يعني من وجهة نظرهم هم اولياء الناس دون غيرهم.فأي شرعية هذه التي بها يعتقدون. .
من هذا التوجه الخاطىء هم يعتقدون ان وجود الامام لكل عصر آمر ضروري برأيهم لا يمكن الاستغناء عنه لتنفيذ الشريعة واحقاق الحق وقواعده وأرساء العدل والمساواة التي جاء بها الاسلام وياليتهم يطبقون مبادىء الاختيار. وعلى هذا الاساس فالامامة واجبة وتنتقل بوراثة لا تنقطع للحائزين على هذه الصفات،لانهم كانوا لا يرون الحكومة الا ان تكون حكومة مقدسة ويا ليتهم كانوا اوفياء لاهل البيت كما يدعون بعد ان مسخوا تاريخهم الى ابد الأبدين بهذا الأنحراف السياسي البغيض والذي قل نظيره في العالمين غش وتزوير وسرقة وقتل وتدمير.. ان من يدعون بهذه القيم الشرعية أولى بهم ان يكونوا هم المطبقون لها وليس الخارجين عليها في كل آدوار التاريخ الاسلامي..كما في الدولة المهدية في المغرب والفاطمية في مصر والبويهية في العراق..ودولة الخيانة اليوم في العراق .
ان مسألة الشريعة والتشريع مسألة في غاية الدقة والاهمية بعد ان رأينا ان التجربة الكبرى التي بدا بها صاحب الدعوة قد توقفت بعد وفاته حين اشتد الخلاف على الرئاسة بين المسلمين كل يريدها له ،وكأن الدولة اصبحت شركة قابلة للقسمة بينهم وليست لعامة المسلمين.
. ولقد خاض الفقهاء الذين لم يستوعبوا فلسفة الرسالة الدينية اثناء الخلافة الراشدة مساجلات ومناقشات ادى الى تشريد وقتل الكثير منهم،فكان الصحابي ابو ذر الغفاري وأبو عبيدة منهم،فكانت اول ثورة على الواقع المزري في الخلافة الراشدة كما سموها تجاوزا على التشريع ..حين بدأت اعوان الخلافة بتفريق اموال بيت المال على الاقربين والمحاسيب دون حسيب او رقيب كما نرى أحفادهم اليوم في عراق المظاليم ..وكما نشاهده اليوم في دولة الشيعة العراقيين الذين خانوا الوطن مع الاجنبي الذي يسمونه بالكافر والذين ركعوا على يديه قبل التغيير ،ونهبوا اموال الناس وزوروا كل حق الى باطل بعد ان سكتت مرجعياتهم الدينية (المقدسة )عن الأعتراض سوى تلميحات لذر الرماد في العيون ..لا بل شاركت في الجريمة وشرعنة الاحتلال .وباعوا حتى سيف الامام علي للمحتل الكافر دون اعتراض من احد منهم ..هذا مبدأ خطير جر على الدولة الويلات..
وسط هذا الزحام من النصوص يقف المؤرخ حائرا في شرعية الدولة ، فيختلط الحابل بالنابل وسط منهج دراسي لم يراعي اصولية المنهج ولا مسئولية العقيدة ولا حقوق الناس.واليوم كل يدعي انها له دون الاخرين وها ترى الفِرق تتقاتل والناس تجري من ورائها دون هدى ولا صراط مستقيم كما في دعوة مقتدى الصدر للحكم حتى حولوا الدولة الى فوضى المنتفعين ..من يعتقد ان الامة ستخرج من النفق المظلم فهو واهم فهل من مشروع اسلامي نهضوي جديد او ميلاد مجتمع جديد ..؟
واليوم يطرح السيد برهم صالح رئيس الجمهورية الذي ولد من برلمان لم يكتسب الشرعية مشروعه الجديد ..واكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة الحالية لكي يفرض نفسه على مجتمع مزقته المصالح والانانيات ،وأورثت فيه من العادات والتقاليد التي لم يأتِ بها الاسلام ابدا ولا شرعنها في شريعته هذا مستحيل لأن صاحب المشروع نفسه لا يؤمن بقاعدة أسس المشروع الجديد.. وهو الذي قال امامنا قبل التغيير في واشنطن انه لا يؤمن بوطن واحد للعراقيين..فلا حل اليوم الا بحكومة وطنية تأتي بها انتخابات نزيهة وليست تحت سلاح احزاب الخونة والمارقين من قاتلي شباب تشرين الأبطال. وتنحية النص الديني في سياسة دولة المواطنين .
لقد اصبح من الصعب جدا ازاحة الخطأ الذي لم يتعلموا منه عبر العصور من رؤوس الناس بعد ان اعتقدوا بصحته عبر الزمن الطويل، ان الفكر المضاد الذي يريد ان يعالج الواقع الموضوعي عليه ان يعالج الكل الاجتماعي بظروفه وقوانينه التي تركزت في الاذهان .وهنا لابد من ان يسلك الطريق الصعب طريق الاستقراء والاحصاء والاستقصاء والتمحيص والتصنيف والتمييز بين الطبيعة الاصلية وبين الظواهر العارضة،أنظر ابراهيم الغويل ،المشروع الاسلامي ص193).
هنا يقف الكل امام حيرة التطبيق ومن اين نبدأ ؟ وكيف؟ ومن يستجيب؟ ويبقى السؤال المطروح،هل ان الاسلام يستطيع معالجة مشكلات العصر الحديث اليوم وسط هذا الضجيج العالمي الكبير ؟ وهل لديه ايديولوجية ترقى الى هذا المستوى؟وهل لديه من المفكرين الاحرار الذين يستطيعون نقل الصورة الحقيقية للاسلام للاخرين؟ بكل صدق وصراحة بعيدا عن العاطفة الدينية،أقول: لأ…؟
.لأننا لازلنا نتعكز على التفسير والمفسرين القدامى وعلى فقهاءالبويهيين والسلجوقيين الذين فسروا القرآن وفق منطوق اللغة العربية القديمة التي لم تستكمل تجريدانها اللغوية على عهدهم بعد..وفقه الفقهاء للقرون الثلاثة الاولى الهجرية..الني جاءت لخدمة السلطة لا شرعية الدين ونظرية ولاية الفقيه والمهدي المنتظر الوهمية ومراكز التوجيه الديني الحالية، لذا سنبقى نراوح مكاننا الى ان يرث الله الارض وما عليها. أذن كيف يجب ان نختار ؟ هذا ما يجب ان نبحث فيه بروح التجرد لا بمنطق الفرق الدينية المتعارضة اليوم..لا يوجد مستحيل لمن يحاول .. وهو يطلب الحق وان قل..ولكن بقناعة المنطق لا بقناعة التهريج.
ان الذين استولوا على مفاصل الدولة من العدو الكافر كما يقولون لن يسمحوا للفكر ان يحضر لنقاش حقوقهم من عدمها ..لأنهم هم اصلا لا يعترفون بحقوق الاخرين ..وما دامت نظرية الدين هي التي تحكم يؤيدها المتخلفون والنفعيون لن نصل الى ما نرغب ونريد من وضوح الرؤيا في التنفيذ.