في عام 2008 شرحت أستفتاء للسيد مقتدى الصدر عن التقليد اﻹبتدائي وأحببت اليوم إعادة نشره وهذا هو النص الكامل للشرح:
(( الى سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد الحاج مقتدى الصدر(دام عزه)
كثر الكلام في مسألة تقليد السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس) إبتداءً وعدولاً بين أوساط الشباب المؤمن ولم نجد جواباً شافياً يروي ظمأ القلوب والعقول.
فنلتمس من سماحتكم الجواب الواضح على ذلك.
وجزاكم الله خير جزاء المحسنين
مجموعة من مقلدي السيد الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر(قدس) قضاء الشطرة.
بسمه تعالى
في السؤال اكثر من شق:
الأول: تقليد سماحته(قدس الله سره الشريف)إبتداءً,فيمكن القول بجوازه بناءً على فتوى كلية تجيز تقليد أعلم الأحياء والأموات….وهو(قدس الله سره الشريف)القائل “أنا أعلم الأحياء والأموات”,وهذا القول يوجب الأطمئنان..
الثاني: تقليد سماحته(قدس الله سره الشريف)عدولاً,وفيه فرعان
أ-من عمل بفتواه من دون تقليد.فهو جائز بلا نقاش.
ب-من لم يعمل,فمع أعلميته فلا مانع حسب فتاوى العلماء وكلامهم..
وإن قيل ان بعض الفقهاء(أدامهم الله) لا يرون سماحته(قدس الله سره الشريف) الأعلم,فنقول:هذا أمر راجع لإطمئنان الفرد وشهادة أهل الخبرة وما الى ذلك من أمور
يبقى أمر مهم: وهو الرجوع في مستحدثات الأمور,فيمكننا الرجوع الى قول سماحته(قدس الله سره الشريف)بما فحواه:ُإني تركت لكم فقها ينفعكم لأربعين عاماً,وإلا فالرجوع لأعلم الاحياء.
مقتدى الصدر 25جمادي الاولى 1428
##############################
شرح الأستفتاء
إن مسألة تقليد الميت ابتداء مسألة خلافية حيث ذهب بعض الفقهاء إلى عدم الجواز وذهب البعض الآخر إلى الجواز.
وبالحقيقة إن المسألة هي في شرطية الحياة بالنسبة للتقليد الابتدائي.
فهل يبتدئ الشخص بتقليد الميت أم لابد من تقليد الحي ابتداءً؟وبعبارة أخرى هل إن شرائط مرجع التقليد تشمل الحياة أم لا تشمل شرط الحياة؟
فإن شملت الحياة كانت النتيجة عدم جواز تقليد الميت ابتداءً، ولو كان الأعلم، لأنه فاقد لأحد الشرائط.
وإن لم تشمل شرط الحياة كانت النتيجة جواز بل وجوب تقليد الميت ابتداء، إذا كان هو أعلم الأحياء والأموات.
ومن هنا عبر السيد مقتدى الصدر(دام عزه)” تقليد سماحته قدس الله سره الشريف ابتداءً، فيمكن القول بجوازه بناءً على فتوى كلية تجيز تقليد أعلم الأحياء والأموات”.
فالسيد مقتدى الصدر استعمل تعبيراً دقيقاً وفنياً، وهو تقليد أعلم الأحياء والأموات، باعتبار إن الواجب شرعاً في التقليد ابتداءً أو بقاءً هو كونه تقليد للمجتهد الجامع للشرائط.
فالفقيه الذي لا يشترط الحياة في التقليد الابتدائي فإنه يفتي بالشرائط الأخرى بما فيها الأعلمية.
فأعلم الأحياء والأموات هو جامع للشرائط سواء كان ميتاً أو حياً. فالحياة طبقاً لهذه الفتوى ليست شرطاً…
وهذا ينطبق على السيد الشهيد محمد الصدر في حياته وبعد مماته لأنه الأعلم مطلقا…..
لماذا وصف السيد مقتدى الصدر الفتوى بأنها كُلية؟.
والجواب إننا في المسألة الشرعية نراعي أمرين مهمين وهما:
الأمر الأول: هو الحكم أو الشبهة الحكمية.
والحكم غالبا تتم معرفته من قبل المجتهد وهو متعذر على العامي، ولذلك عرف السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) الفتوى بأنها بيان الأحكام الكلية المستنبطة من أدلتها التفصيلية(منهج الصالحين ج5 كتاب القضاء).
الأمر الثاني:هو الموضوع أو الشبهة الموضوعية.
وتحديد الموضوع وإحرازه لا يتوقف على الاجتهاد، بل هو من شأنية الفرد العامي (الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد).
فلا نحتاج إلى عملية استنباط في سبيل معرفة الموضوع، سواء كانت الشبهة الموضوعية أعلميه أو تحديد اتجاه قبلة أو نوعية لحم أو شيء آخر يكون مصداقاً للموضوع أو الشبهة الموضوعية.
وفي هذه المسألة”جواز تقليد أعلم الأحياء والأموات”.
فمن حيث الحكم والفتوى فإنها من شأنية المجتهد…
أما من حيث الموضوع فهذا يعتمد على العامي نفسه، كلٌ حسب حجته الشرعية، والتي من مصاديقها الاطمئنان.
وقد يختلف الأفراد في ذلك!
لذلك فالواجب على الفرد هو إحراز الأعلمية بطرق متعددة، منها الاختبار لمن له الأهلية لذلك..
ومنها الرجوع إلى أهل الخبرة.. ومنها الوثوق والاطمئنان..
فعلى سبيل المثال إننا سمعنا السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس سره) يقول أنا الأعلم أو أنا أعلم الأحياء والأموات…
فالفرد لا يقلد السيد محمد الصدر في ذلك، لأنها ليست فتوى بالحكم بل إن الفرد يحرز الموضوع بذلك إذا حصل له الاطمئنان، والاطمئنان حجة عقلا وعقلائيا.
بل إن قول السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) يوجب الاطمئنان..
والسر في ذلك إن السيد الشهيد محمد الصدر لم يكتف بهذا القول بل إنه حينما أصدر كتاب منهج الأصول قال ما مضمونه:
” أما الآن لا حاجة أن أقول أنا الأعلم لأنه صدر دليل حسي على أعلميتي وهو منهج الأصول”.
مع إنه من الطريف الذي ينبغي ذكره هو إن السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) بالرغم من إن منهج الأصول ولحد هذه اللحظة لازال الدليل الحسي في إثبات أعلميته إلا إنه يقول في مقدمة هذا الكتاب إنه:
“ليس كل ماينبغي أن يقال بطبيعة الحال”.
بمعنى إن هذا الذي صدر لا يعبر عن كل علمه بالرغم من إنه دليلاً حسياً على أعلميته المطلقة ولحد الان.
مع إن علماء الفقه والأصول في أبحاث الخارج يقولون كل ما لديهم فتأمل تغنم ….
ولكن ولكي نسد الطريق بوجه كل من يصطاد في الماء العكر نطرح هذا السؤال وهو:
ما هو المورد الذي قال فيه السيد الشهيد الصدر(قدس سره) كل ما عنده بعد أن سمعنا منه أنه لم يقل كل ما عنده في البحث الخارج الأصول؟.
والجواب هو الفتوى لأن الفتوى يتم استنتاجها واستنباطها عن طريق ملكة الاجتهاد فهو(قدس سره) سيصدرها جاعلاً الله فوق رأسه وجهنم تحته…
بل إن الفتوى تستلزم بذل كل جهده وطاقته من أجل استنباطها وهذا ما نجده فعلاً في الفقه الذي صدرعنه (قدس سره) حيث إنه انفرد لوحده ولحد هذه اللحظة بفروع كثيرة لم يشاركه فقيه في ذلك لا من المتقدمين ولا من المتأخرين…..
وما فقه الفضاء وفقه الطب وفقه الموضوعات الحديثة إلاّ شاهداً على ذلك.
بل انه حتى في الفروع الأخرى أبدع بحيث أنه يتفرع بالمسألة إلى جميع محتملاتها.
وهذا واضح وجلي لمن قارن رسالته العلمية (منهج الصالحين) مع الرسائل العلمية للفقهاء الآخرين.
وهذا هو الذي جعل السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) أعلم بالفقه إضافة إلى أعلميته بالأصول…
بل إن الملفت للنظر أن السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره ) ألفّ رسائل عملية عديدة سجلت رقما قياسيا تأريخيا لو صح التعبير فقد تجاوز عددها أكثر من خمسة وعشرين رسالة عملية هذا بحسب الإثبات أما ثبوتا فإن العلم عند الله لأن هناك الكثير من المخطوطات التي لم تر النور بالرغم من الجهود العظيمة المشكورة التي يبذلها السيد القائد مقتدى الصدر دامت بركاته من أجل طباعتها ونشرها.
وهذا هو الذي يفسر القول بأنه ترك لنا فقهاً لأربعين عام.
أقول معلقاً على هذه العبارة:
انه ليس المراد من الأربعين عام هو تحديد الفترة الزمنية بل إن المراد هو الكثرة!
فعلى سبيل المثال فقه الفضاء، هل إن هذا الكتاب مدته أربعين عام بحيث يصبح السفر إلى الفضاء كالسفر بالسيارة أو القطار؟
بل إن هذا الأمر يحتاج إلى مئات السنين بل الآلاف!!.
مع انه لو أصبح السفر عبر المركبة الفضائية والعيش هناك حالة اعتيادية فهذا الأمر الاعتيادي أيضاً سيستمر مدة طويلة قد تمتد لآلاف السنين!!.
وهذا لا يعني إننا نريد أن نلغي دور الاجتهاد ونغلق بابه ولكن نقول لجميع الناس هذا هو محمد الصدر(قدس سره)….
وإن كنا قد عرفنا القليل القليل عنه، لأن محمد الصدر يحتاج إلى من هو أعظم منه لكي يعرفه كالمعصومين(عليهم السلام)…
أما من كان دونه فيتعذر عليه الإحاطة به فالمعصوم لا يمكن أن يعرفه إلاّ المعصوم، وأنا أُقدّم اعتذاري إلى الله سبحانه وتعالى وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فمحمد الصدر(قدس سره) قال في مقدمة منهج الأصول أنه ليس كل ما يقال بطبيعة الحال، إلاّ أنه استطاع أن يحشد كل علمه واجتهاده خدمة للشريعة والدين الحنيف، وهذا هو الذي يفسر الإبداع الذي صدر منه وخصوصاً في سده للفراغ الذي كان يعيشه الفقه الإسلامي بجميع مذاهبه.
فتقليد الميت ابتداءً ممكناً, إذا كان هذا الميت أعلم الأحياء والأموات.
وحيث أن محمد الصدر أعلم الأحياء والأموات، وهذا يمثل جانب الموضوع الذي هو من شأنية العامي، يبقى تطبيق هذه الفتوى الكلية على الموضوع.
ولكن ينبغي أن تكون هذه الفتوى حجة لكي تكون سارية المفعول، بمعنى أن هذه الفتوى جواز تقليد أعلم الأحياء والأموات دون اشتراط الحياة تخالفها فتوى أخرى، وهي عدم الجواز إذا كان أعلم الأحياء والأموات ميتاً بالنسبة للتقليد الابتدائي.
وعندها يتم الرجوع إلى فتوى المجتهد الجامع للشرائط في ذلك، فإذا أحرز الفرد” الذي يريد أن يقلد ابتداءً” إن صاحب فتوى الجواز هو المجتهد الجامع للشرائط فالواجب على هذا الفرد تقليد أعلم الأحياء والأموات ميتاً كان أم حياً.
حتى أيضاً مع التساوي أي أن القائل بالجواز والقائل بعدم الجواز في حال كونهما متساويين بالشرائط بما فيها الأعلمية بناءاً على فتوى التخيير بينهما, يجوز للفرد أن يختار القائل بالجواز وعندها يلزمه تقليد أعلم الأحياء والأموات سواء كان ميتاً أم حياً.
فالمسألة تعتمد على الفرد نفسه، لأنه هو المسؤول عن إحراز الشبهة الموضوعية.
ولأنه لا يصح التقليد في الموضوعات، بل إن التقليد يكون بالأحكام(الفتاوى).
هذا بالنسبة للتقليد الابتدائي.
أما بالنسبة وكما عبر عنه السائل عدولاً والمراد منه التقليد البقائي. ولكن يحتاج الأمر إلى توضيح.
إن العدول في التقليد ليس فيه حرية واختيار من قبل الفرد، بل انه انتقال نحو تقليد المجتهد الجامع للشرائط، وهو التقليد الشرعي، فليس كل تقليد هو تقليد شرعي، بل إن تقليد المجتهد الجامع للشرائط هو التقليد الشرعي…
وكذلك تقليد المجتهد بعد قيام حجة شرعية تامة أيضاً تقليد شرعي.
فمثلاً الفرد الذي يقلد مجتهدا ً ظناً منه أنه جامع للشرائط. وتبيّن له إنه ليس كذلك! وجب عليه العدول إلى المجتهد الجامع للشرائط. وهذا هو معنى التقليد عدولاً.
فكثيراً من الأفراد والعوام أصبح ضحية التشويش وقول الزور، وبالتالي يُستَغفَل الكثير في مسألة التقليد وهذا ما حصل فعلاً في أيام الشهيد محمد الصدر وحتى بعد وفاته، ولا حاجة إلى ذكر مصاديق لذلك لأنه وجداني ومعاش!!.
مع أن الشهيد محمد الصدر في أكثر من مناسبة شددّ على مسألة التقليد الشرعي، حتى أنه وصفه بأنه أي التقليد دين المرء، لأن بالتقليد الشرعي تصح العبادات والمعاملات كما جاء في الخطبة (الحادية عشر).
مع ذلك نجد الكثير يقلد لا عن حجة شرعية، متذرعين بأقوال ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن لابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر، فقد شعر الكثير بأنه مقصّرْ تقصيراً شرعياً في التقليد بعد أن ثبتت أعلمية محمد الصدر لديهم…
وهؤلاء الأفراد هم إما أن يكونوا مقلدين لمجتهد آخر أو لم يلتزموا نفسياً بتقليد أحد بالرغم من ثبوت أعلمية السيد محمد الصدر لديهم ولكن بعد استشهاده فماذا يفعلون.
أولاً:- إن الواجب شرعاً عليهم هو تقليد المجتهد الجامع للشرائط أو يكون تقليدهم عن حجة شرعية تامّة.
ثانياً:- وحيث إنهم أحرزوا واعتقدوا بأعلمية السيد الشهيد محمد الصدر فهل يعدلوا إليه في التقليد؟
وهذا ما أجاب عنه السيد مقتدى الصدر بناءاً على فتاوى الفقهاء.
حيث قال : تقليد سماحته ( قدس الله سره الشريف ) عدولاً، وفيه فرعان.
أ- من عمل بفتواه من دون تقليد، فهو جائز بلا نقاش.
ب- من لم يعمل، فمع أعلميته فلا مانع حسب فتاوى العلماء وكلامهم.
أما بالنسبة للفقرة (أ)
هناك إشارة إلى التقليد العملي.
فالتقليد العملي هو: العمل اعتمادا على فتوى المجتهد سواء التزم في نفسه بذلك أم لم يلتزم.
ومعنى الالتزام النفسي. هو النية أي أن يقصد ويعين المرجع الذي يريد تقليده، فالذي يعمل عملاً مطابقاً لفتوى المجتهد من دون قصد ولا نية فقد قلده عملياً، فإن كان هذا المجتهد جامع للشرائط كما هو المفروض فقد قلده.
وبالتالي يلزمه البقاء عل تقليده، فهذا الفرد وإن كان قد إختار مجتهداً آخر وعمل بفتوى المجتهد من دون قصد فإن التقليد هو لمن كان أعلم، وحيث أن المجتهد الذي اختاره ليس أعلم، فيلزمه العدول إلى الأعلم الذي عمل بفتواه بدون أن يلتزم بذلك.
مع إننا نعلم إن التقليد يكون في جميع العبادات والمعاملات وسائر الأفعال والتروك.
فالفرد الذي فعل أو ترك أو عمل عملاً عبادياً أو أجرى معاملة وكانت بالصدفة مطابقة لفتوى السيد الشهيد محمد الصدر الذي اعتقد بأعلميته، فهو قد قلد السيد الشهيد محمد الصدر، لأن التقليد يتحقق بالعمل سواء إقترن بالالتزام النفسي(القصد) أم لم يقترن، ولذلك يقول الفقهاء؛ أن العمل بدون تقليد يكون صحيحاً في حال علم الفرد بمطابقة عمله لفتوى المجتهد الحجة حال العمل.
إن تحديد المجتهد الحجة حال العمل إن لم يتم تحديده في وقت العمل فإن تحديده يتم بعد العمل حتى بعد استشهاده وهؤلاء الأفراد الذين عملوا بفتوى السيد محمد الصدر من دون تقليد(أي بدون قصد واختيار) فباعتقادهم بأعلمية محمد الصدر(قدس سره) حتى لو كان هذا الاعتقاد بعد استشهاده فهم بالحقيقة مقلدون للسيد محمد الصدر ويلزمهم البقاء على تقليده.
أما الفقرة(ب).
فهي تشير إلى التقليد النظري.
وهو تحقق التقليد بمجرد القصد والنية والالتزام النفسي حتى بدون عمل.
وبالحقيقة إن هناك خلافاً بين الفقهاء في تحديد ماهية التقليد، فمنهم من قال بأن التقليد عمل بغض النظر عن الالتزام النفسي، وهذه هي فتوى السيد الشهيد محمد الصدر وآخرين.
ومنهم من قال بأن التقليد التزام نفسي، بحيث تشتغل ذمة المجتهد بمجرد قصد العامي ونيته بتقليده سواء عمل بفتواه أم لم يعمل، ولكن بشرط أن يكون هذا المجتهد جامع للشرائط، وهذا ما عبر عنه السيد مقتدى الصدر (دامت بركاته) “من لم يعمل، فمع أعلميته فلا مانع حسب فتاوى العلماء وكلامهم”.
والتقليد النظري أيضا له مورد آخر وهو فيما إذا كان المجتهد الأعلم لم يمارس الاستنتاج الفقهي فإنه غير قابل للتقليد العملي وإنما يقلد نظريا، أي بالالتزام النفسي.
بقي شيء مهم ينبغي الإجابة عليه، وهو رُبَ سائل يقول لما كان التقليد في جميع العبادات والمعاملات وفي سائر الأفعال والتروك فكيف يمكن أن نتصور إن الفرد لم يعمل ولو بفتوى واحدة لان الفرد تصدر منه أفعال كثيرة ومعاملات وعبادات، على الأقل بيع المعاطات مثلا، مع إننا نعلم إن التقليد يتحقق بمجرد العمل بفتوى، سواء أن كانت هذه الفتوى متعلقة بعبادة أو معاملة، وسواء أن كانت متعلقة بفعل أو متعلقة بترك، وسواء أن كانت اتفاقية أو خلافية وهذا لمن راجع الرسائل العملية للعلماء في كتاب الاجتهاد والتقليد.
فبعد هذا هل يعقل أن يكون الفرد لم يعمل عملا مطابقاً لفتوى المجتهد الحجة حال العمل؟.
والجواب بناءً على اشتراط الحياة للتقليد الابتدائي” يمكن ذلك”. وهو فيما إذا كان الفرد أصبح قابلاً للتقليد كأن يكون صبياً مميزاً أو مكلفاً ولكنه لم يدرك من حياة المجتهد الحجة” أعلم الأحياء فضلا عن أعلم الأحياء والأموات”. إلا ساعات قليلة أو يوم، وفي هذه الحالة يمكن إن ينطبق هذا الوجه بحيث يكون مقلداً نظرياً. والمهم إن مسألة التقليد الابتدائي لها شرعية بناء على فتوى بعض الفقهاء في عدم اشتراط الحياة.
وأما بالنسبة للتقليد عدولاً، فهذا الأمر واجباً لأن الفرد مسؤول عن تصحيح تقليده، لكي تصح عباداته ومعاملاته حتى إننا نستطيع القول بان العدول هنا فيه نوع من المجازية، خصوصاً إن المجتهد إذا كان ليس أهلاً للمرجعية أو إن الفرد لم تثبت لديه حجة شرعية تامة بينه وبين الله في تقليد المجتهد، بل إن مثل هكذا تقليد محكوم عليه بالبطلان، لأنه ليس كل فتوى تتصف بالحجية بل عن فتوى المجتهد الجامع للشرائط(الذي غالباً يكون هو الأعلم) هي التي تتصف بالحجية ما لم يساويه مجتهد آخر أو عدة مجتهدين فتصبح فتاواهم جميعاً حجة، حتى مع اختلافها.
بقي أمر آخر وإن كنا قد ذكرناه. وهو إن السيد مقتدى الصدر يؤكد على حقيقة وهو إنه لا يصح التقليد في الموضوعات ولذلك قال” هذا الأمر راجع لاطمئنان الفرد وشهادة أهل الخبرة وما إلى ذلك من أمور” لان تحديد الأعلمية هي شبهة موضوعية يكون الفرد العامي مسؤول عن إحرازها بأي طريقة يكون هو أهل لها.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى جميع الشبهات الموضوعية لان الفقهاء جميعاً يفتون بعدم صحة التقليد في الموضوعات.
والأمر الآخر هو المستحدثات. ومع شديد الأسف نحن نسمع هذه الكلمة من الأفراد الذين لا يقلدون السيد الشهيد(قدس سره).
ولكي نكون أكثر صراحة نحن نتحداهم إذا كان في فتوى من يقلدونهم توجد مسائل مستحدثة، بل إن فقه المستحدثات وكما يعبر أهل المنطق بالحمل الشائع، هو فقه السيد محمد الصدر (قدس سره).
أليس فقه الموضوعات الحديثة من فقه المستحدثات؟، أليس فقه الفضاء من فقه المستحدثات؟، أليست الأجزاء الأربعة من مسائل وردود والأجزاء الثلاثة من الرسالة الإستفتائية الأغلب الأعمْ من مسائلها هي من فقه المستحدثات؟، أليس فقه الفن والأدب من فقه المستحدثات؟، أليس فقه القارة السابعة(الدائرتين القطبيتين) من فقه المستحدثات؟، أليس فقه الطب من فقه المستحدثات؟ أليس ….؟…الخ.
“فالمستحدثات هي مسائل لم يستنبط حكمها ” ونقول لهؤلاء أين فقه المستحدثات بالنسبة لمراجعكم وخصوصاً الأحياء (حفظهم الله).
إن السيد الشهيد محمد الصدر كان حينما يريد أنْ يستنبط حكماً شرعياً كان لا يتقيد بالمسائل الفعلية الحالية، بل انه ينظر للماضي فيستنبط أحكامه كما في مسائل الرق والعبيد وهي أيضاً من المستحدثات إذا تحقق موضوعها، وكان ينظر للحاضر، وكان ينظر إلى المستقبل ويستنبط أحكامه كما في فقه الفضاء.
أما مع وجود مسألة مستحدثة لا توجد لها فتوى فالأمر يرجع إلى أعلم الأحياء مع إننا ولحد هذه اللحظة لم نواجه مسألة مستحدثة لا توجد لها فتوى للسيد محمد الصدر(قدس سره).
مسك الختام:
إستفتاء للسيد الشهيد عن التقليد:
بسمه تعالى: سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد الصدر( دام ظله )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س/ هل تقليد غير سماحتكم مبرئ للذمة؟
1- أمامَكم 2 – أمام نفس هذا المقلّد 3- أمام الله سبحانه
أفتونا مأجورين وجزاكم الله خير الجزاء.
ج/ بسمه تعالى:
هو غير مبرئ للذمة مطلقا لأني أرى وجوب تقليد الأعلم وأعتقد أني الأعلم ولا يجوز تقليد غير الأعلم.))