أفرزت نتائج الانتخابات البرلمانية “”2014 ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة الوعي لدى الناخب العراقي تمثل في حصول بعض القوى السياسية التي لا تملك السلطة أو المال السياسي(ائتلاف المواطن بزعامة الحكيم وائتلاف الوطنية بزعامة علاوي فضلاً عن قوى صغيرة وشخصيات مستقلة ) على مقاعد مكنها من تشكيل رقماً صعباً في مخرجات المعادلات السياسية القادمة.
هذا الوعي الجماهيري اثبت بضرس قاطع أن السلطة والمال، لا تكفي لتحقيق الأهداف السياسية التي يطمح لتحقيقها السياسيين برغم استحقاقاتهم الانتخابية الكبيرة ،مالم تؤطر برؤية تقنع الجمهور لآلية تشكيل الحكومة بعد نتائج الانتخابات.
السيد المالكي الفائز الأكبر طرح مفهوم “الأغلبية السياسية” خارج أطار التحالف الوطني لتجاوز أخطاء حكومته السابقة على مدى دورتين متعاقبتين (2006 ـ 2010 / 2010 ـ 2014 )،بيد أن مشروعه يواجه عوائق كثيرة تقف في مقدمتها رفض قوى أساسية كبيرة وجوده على رأس حكومة لولاية ثالثة رضوخاً لإرادة جمهورها الانتخابي!، ثم “فيتو” المرجعية الدينية العليا في “النجف الاشرف”، بعدم السماح بولادة رئيساً للوزراء من خارج رحم التحالف الوطني ،فضلاً عن رغبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالحفاظ على وحدة التحالف الوطني ،ما يعني أن مشروع الأغلبية السياسية ولد ميتاً!!.وطرحه يعني رفع سقف المطالب التفاوضية لا غير وهو حق مشروع شريطة ان يكون غير معطل لتشكيل الحكومة ضمن السقوف الدستورية.
من الجانب الآخر طرح السيد الحكيم مشروع الشراكة الوطنية حلاً ناجعاً للمرحلة الحالية (أيدته المرجعية فيما بعد على لسان وكيلها الشيخ عبد المهدي الكر بلائي بخطبة الجمعة بكربلاء).
الحكيم الذي يؤمن بمبدأ “الأغلبية السياسية” علاجاً لأمراض العملية السياسية المزمنة ،بيد انه يرى ان الوقت لم يحن بعد لأخذ ذلك العلاج الذي يمثل جرعة زائدة فاقدة المفعول قد ترتد سلباً يهدد حياة العملية الديمقراطية ،طرح خيار المضطر”حكومة الشراكة الوطنية” لترطيب الأجواء وتهيئة أرضية حكومة الأغلبية السياسية حتى إنضاج الوعي الانتخابي ،وترحيلها إلى دورات برلمانية لاحقة أقصاها عام “2018 ” تمثل انتخابات مجالس المحافظات القادمة “بروفه” مثالية لها ،حتى لو كان على حساب تقديم رئيس للوزراء من خارج كتلته النيابية في الدورة الحالية( واعتقد أن هذا الخيار المرجح للسيد الحكيم ) .
إلى هذا يذهب الكثير من المراقبين والمهتمين بواقعية مثل هذا الطرح ،ويعللون تأييدهم بعدم أمكانية طرح مفهوم حكومة الأغلبية السياسية بالوقت الحاضر، بسبب عدم وجود المعطيات والعوامل لتحقيق هذا المفهوم
الواقع العراقي ومنذ تغيير النظام لم يكن يشكل المعيار الانتخابي وحسابات الأرقام فيه ُمرجح كفة لمعادلة، بقدر ما يلعب الحضور السياسي والمجال الحيوي دوراً كبيراً فيه ،بسبب حداثة التجربة الديمقراطية وطبيعة الانتقال المفاجئ من نظام دكتاتوري شمولي إلى نظام تعددي نيابي ديمقراطي ،لذلك فمن الطبيعي أن نحتاج إلى الانتقال التدريجي حتى نصل إلى مرحلة الكمال الديمقراطي أسوة بالتجارب الديمقراطية وان سرنا بخطى “السلحفاة” .