23 ديسمبر، 2024 5:45 ص

مساء يوم 25 / 12 / 1985 عشية عيد الميلاد ، أغراني صديقي بسيارته اليابانية بالذهاب الى الكرادة للعشاء في مطعم يقدم اللحم المشوي ، وكان منزعجا بعض الشيء لكنه كان متحمسا لتغيير الأجواء وتعديل المزاج ، تناولنا العشاء وذهبنا على الفور الى الجانب الآخر من دجلة حيث يقع فندق الرشيد ، وعند دخولنا أوقفنا أحد حراس الفندق وسألنا الى أي مكان ذاهبين قلنا له الى قاعة النايت كلوب فطلب هوياتنا فوافق على الفور لأن صديقي كان يعمل في جهة أمنية ، وعلمنا أنه سيحضر الى هذه القاعة عدد من المسؤولين وعوائلهم في سهرة بمناسبة عيد كريسماس ، وتم إبلاغ الحرس بتدقيق الهويات والسماح فقط لحاملي الباجات الخاصة ، وكان ممكنا دخولنا ببطاقة الجهة الأمنية التي يعمل بها ضابطا ، وأنتهزت الفرصة لأدخل صحبته وصعدنا على الفور الى المقصف حيث السهرة الجميلة و جلسنا بقرب طاولة كتب عليها ( محجوز ) .

وفجأة دخل عدد من الحراس بأسلحتهم الخفيفة وأحاطوا بالمكان أعقبهم قصي صدام حسين وشابة جميلة فارعة الطول ومعهما رجل أسمر سمعنا قصي يقول له أستريح ( أبو جنكال ) ، جلسوا على الطاولة المحجوزة التي كانت بجانبنا وقد امتلأت بأفخر أنواع المشروبات والمقبلات ، وكان ظهر الشابة الى ظهر صديقي بينما كانت عيناي تقابلان وجه أبن الرئيس صدام الذي كان يتحدث عن الخيول والغناء ويداعب صديقته الجميلة التي رقص معها حتى الصباح .

مع وجود عدد محدود من الضيوف ، بينما كان وزير الخارجية طارق عزيز وأسرته يتناولون العشاء و المشروبات على طاولة كبيرة ، وحضر مغنيان ذاع صيتهما في بداية الثمانينات هما وحيد ومي وكانا يشتهران بأغاني الدويتو وقد غنيا في هذا الحفل ( يا سايق السيارة و ليش ليش ياجارة والله على الأسمراني ) وهي أغان شعبية راقصة حيث تقترب كثير من أغاني الحفلات الخاصة والأفراح ، حيث أطربت قصي وجعلته يرقص مع حبيبته بين الحين والآخر ، بمشاركة فرقة برازيلية نسائية راقصة جعلت بعض الحضور يرقص ويصفق بشكل مثير ، مع فقرات موسيقية وفنية كثيرة و متنوعة .

وعندما قاربت الساعة الثالثة صباحا سحب قصي سلاحه الشخصي وقام بإطلاق الرصاص بأتجاه سقف القاعة وبدأ الحاضرون بالمغادرة ومن بين المغادرين كان طارق عزيز وأسرته والعديد من المسؤولين وأسرهم ، وطلب صديقي أن نغادر من طريق يبتعد عن مكان جلوس قصي لكي لا تقع عيناه علينا ونقع في المحظور ، ولكنني كنت في غير وعيي فتوجهت الى مكان قصي مدفوعا بحماس مكبوت ورفض لواقع سيء كنت أعيشه وضحكت بطريقة غير واعية مع كلمة كانت مشهورة يرددها الممثل المصري توفيق الدقن ( ألو يا أمم ) وجها لوجه مع قصي الذي أضحكه المشهد مع ضيوفه لأنه كان مشهدا يميل الى الكوميديا ، ولم أشعر سوى أنني مكبل ومقاد الى المصعد المخفي في الفندق وتم أعتقال صديقي فور نزوله من سلم الفندق ، وتم حجزنا لفترة خروج قصي وضيوفه من الفندق وسلبونا هوياتنا وأخبرونا بأنهم سيتصلون بأمن دوائرنا لجلبنا الى الدائرة الأمنية الخاصة ، وكان الشعور العام أننا سكارى ولا نحتاج سوى لبعض التأديب ، وتركونا نمضي لكن صديقي أتصل بي في اليوم التالي بعد أن شاهده أحد زملائه في دائرة الأمن منزعجا وشرح له الأمر لكنه طمأنه أن شقيقا له يعمل في حماية قصي وهو الآن في الحبانية مع سيده وسيتمكن من حسم المشكلة التي حسمت بالفعل بعقوبة الحجز والتأديب في معسكر للضبط يتبع للقصر الجمهوري .

مضت تلك الأيام بلا رجعة ولم يعد من شيء أسمه قصي ولا صدام ولا نظام ولا حمايات ولا قصور ، وبقيت الذكريات تلف وتدور في الأمكنة التي كان يعبث فيها قصي وعدي وأتباعهما وأقاربهما بينما الشعب يلعق جراح الحروب والفقر والسجون والحصارات .