8 سبتمبر، 2024 2:50 ص
Search
Close this search box.

سرقوا رغيف الجياع

عاشوا يتسكعون على ارصفة العواصم العربية والاوربية، ويستجدون من اجهزة مخابراتها عظام الذل والمهانة نتيجة انعدام حس المسؤولية لديهم، وعمالتهم لأعداء  وطنهم وخسة افعالهم ومؤامراتهم التي اثبتتها الايام بعد احتلال العراق، واكدها ما جاء على لسان قادة الاحتلال وخصوصا ماورد في مذكرات الحاكم المدني بريمر وهو يصف هؤلاء الذين لم يهمهم سوى اخلاصهم للمنافع الشخصية، متجاهلين لما جرى ويجري من خراب ودمار في وطنهم شابت له الولدان.
مضى على احتلال العراق عقد ونيف من الزمن ، سلبت فيها ارادته وسيادته وهدرت مقدراته وسفكت دماء ابنائه ظلما وبهتانا وتبددت ثرواته بين كروش ساسته التي اتخمت من شدة الفساد والخيانة ، ولم تنضح من جباههم قطرة خجل او وجل او حتى طرفة عين تشفع لهم امام رب العرش يوم ينادي المنادي: ” لمن الملك اليوم ” فلا من مجيب .
    لقد نشرت احدى المجلات الامريكية التي تعنى بالمشاهير أسماء شخصيات سياسية عراقية ، وقد انتابني شعور جميل وانا اقرأ الخبر خاصة انها تتحدث عن بعض الشخصيات العراقية البارزة ، ولكن سرعان ما تبدد هذا الشعور الدخيل وتحول الى لحظة الم وحزن حبست فيها انفاسي واعتصرت لها قلبي من شدة وهول ما قرأت ولعل المفاجىء والملفت للنظر فيها انها احتوت على اسماء لشخصيات سياسية عراقية تميزت بامتلاكها لمليارات الدولارات في البنوك اضافة للعقارات المتميزة في عواصم عربية وغربية ، بينما يعيش من هم احق بهذه الاموال في الكهوف والجبال والوديان ، حفاة عراة بين تقلبات المناخ القاسية بثلوجها وامطارها ورياحها العاتية ، دون مأوى او رغيف خبز يسد صراخات اطفالهم لشدة جوعهم ، الامر الذي دفع بعض ذويهم الى ان يتقاطروا امام موائد اللئام عل الغيرة تناجي ضمائرهم الميتة ، ليغدقوا عليهم فضلات ما يتساقط  من افواههم الشرهة التي كانت يوما ما تلعق عظام موائد اسيادهم وولاتهم .
لا اريد ان ادخل في خطيئة هؤلاء السياسيين بهذا القول ولم اتجن عليهم بوصفي لهم ولكن ما نلمسه من حقائق كشف المستور الذي لم يكن يوما غائبا عن العراقيين الشرفاء الذين ذاقوا مرارة الحياة وبؤسها وشقائها على يد اولئك الابطال الذين تصدروا قائمة سراق اوطانهم وجوعوا ابناء شعوبهم لخستهم ودناءتهم وتمتعهم بأكل المال الحرام .
  لقد احتوت هذه المجلة على أسماء لسياسيين مخضرمين ، ليس في انجازاتهم او اصلاحاتهم لمجتمعهم ولكن في تلاعبهم بمشاعر الناس والمتاجرة بهمومهم ومعاناتهم وقسوة ايامهم التي كانت نتاج فعلهم السيىء لأبناء الوطن، فهناك بون شاسع بين العفة والذلة ، فالأولى تمنح اصحابها المهابة والاكبار والكرامة والاقتدار ، والثانية تجعل حاشيتها واربابها في المقام الأول من المهانة والوضاعة والاحتقار.
 الغريب في الامر ان هذه الفئة الباغية تقول ان الله منَّ عليها بهذه الأموال اكثر مما يستحقون ، وقد غاب عنهم ضمير الإنسانية، لان مثل هذه الكلمات تؤلم جياع الارض وفقرائهم الذين نهبت وسلبت أموالهم من قبلهم دون رحمة او ضمير ، فهم يتحملون مسؤولية كل عراقي لا يوجد في بيته كسرة خبز ، ومسؤولون امام الله عن كل من يُظلم ويجوع ، لقد اصبحنا في زمن سيئ اختلطت فيها اقدار الناس ، فقد اصبح صغار القوم كبارها في التآمر والعمالة وأثريائها في المال ، وجهلاؤها امسوا علماءها ، والمنافقون اصبحوا سياسيين والرشوة والفساد أضحت فنجان قهوة اللصوص ، اما وجهاء القوم وعليتهم فاصبحوا غرباء الدار  صابرين ومحتسبين الى الله عسى ان يبدل حالهم الى ما هو خير وإصلاح .
وودت ان اختم مقالتي بقضيتين تأثرت بهما : الأولى عن عادة تركية يقومون بها عند تساقط الثلوج  حيث ينثرون الحبوب للحيوانات والطيور فوق الثلوج كي ﻻ تموت من الجوع في مثل هذه الظروف ، تعبيرا عن رحمتهم وانسانيتهم ، وتيمنا بخليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
 والثانية مقولة للزعيم الراحل نيلسون مانديلا ، يقول فيها: ” الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم ، والشجعان لا يذوقون الموت الا مرة واحدة ” .

أحدث المقالات