الإسراج هو الإضاءة , فهل يمكننا أن نضيئ ما يعتمل في أعماقنا لكي يتبين أمام بصائرنا حقيقة وطبيعة ما فينا , قبل الشروع بتنفيذ ما يدفعنا إليه من سلوكيات ومواقف وتوجهات وإنطلاقات قد تكون ذات نتائج مأساوية ماحقة.
فالأعماق البشرية تكنز ذخائر فكرية وإعتقادية وإنفعالية وعاطفية متنوعة , وهي في حالة تفاعل وتداخل مما يتسبب بتأجيجها والضغط على صاحبها للإتيان بما يتوافق ما تريده , وتسعى إليه من كينونات قائمة في البيئة التي تتفاعل معها.
بمعنى أنها تتحول من موجودات كامنة مطمورة خانسة إلى كيانات قائمة ومؤثرة بالواقع الذي تتجسد فيه , وتتأكد على أنها ذات دور وقيمة ومقام يحسب له ألف حساب وحساب.
ولكي يكون ما حولنا مضيئا وواضحا ومتوافقا مع إرادة الحياة وبناء الذات والموضوع المتجانس مع التواصل والبقاء , يتوجب علينا أن نجتهد في إضاءة أعماقنا وتنويرها وفتح منافذها , ودعوة النور الإدراكي والوعيوي للتسلل إلى دياجيرها لتبصيرها بمفردات مافيها من النوازع والرغبات.
وهذا التفعيل بحاجة إلى مجاهدة وطاقات إنفتاحية , وقدرات إصغائية وتأملية وتفكرية , تمنح الضوء جواز مرور وتأشيرة إقامة لأمد يتوافق وكثافة المتراكم فينا.
والملاحظ أن الرسالات بأنواعها الدنيوية والسماوية تهدف إلى إسراج أنوار المشكاة الأعماقية في دنيا البشر , لكنها وفي معظمها قد عجزت عن التنوير الداخلي , وفشلت في تحقيق الديمومة الضوئية في قيعان الأعماق البشرية , مما تسبب بتحويلها لأضواء محمولة في رابعة النهار , فأدى إلى إنتفاء دورها التنويري وتحولها إلى مسوغات تدميرية وتخريبية ودموية , لأنها تدفع بالأعماق المتعفنة للتعبير عن إرادتها وهي تحمل بيدها مشكاة نور وبالأخرى سيف ثبور.
وما دامت الرسالات بلا قدرة على التسرب التنويري إلى أعماق البشر , وبلا آليات إسراجية لمصابيح الأعماق البشرية , فأن البشر سيبقى بلا بصيرة ولا تبصر , ويمضي على سكة الضلال والبهتان , وهو يحمل سراج دين في نهار ساطع الضياء , فلا يُرى ولا يَرى لكنه يتفاعل كالثرى!!
وهذه معضلة البشر مع البشر , ومأزق البشر مع الدين , ومحنة الضوء مع الضوء , ومتاهة البشر في الدنيا وما يأتيه من نوازع الخطر!!
فهل من نور يضيئ ولا يساهم بإذكاء نار؟!!