تنوعت تجربة الشاعر أحمد مطر، ربما يمكن بتنضيدها بالشكل التالي:
قراءتي تميل لشعريته الساخرة المكينة في الشعرية المختزلة للحدث
وفي هذا القول الشعري تقترب نصوص أحمد مطر من الشفاهية المرحة الساخرة من كل البؤس اليومي الذي يفترسنا ما يزال.
( حيرة
ما أصعب القرار
لو شِئتُ أن أختار
بين حياةِ القِط.. أو
بين حياةِ الفار
فلا أنا مؤهّل ٌ
لأن أقودَ دولة ً
ولا أنا لي رغبة ٌ
في دورِ مُستشار!)
هذه القصيدة القصيرة تقول مأساتنا الطويلة بتفاصيلها كلها.
فهذا المواطن بين خيارين و لا توجد ثالثة الأثافي ليختارها
القط / الفار
قائد الدولة/ مستشار القائد
ربما هذه الحيرة سببها الخوف المتأصل فينا كما جاء في قصيدة(دائرة) التي يقول فيها الشاعر
(نخافُ مِن رئيسنا
لأنه ُ يخاف.
هو الذي أخافنَا
وحين خِفنا خاف
مَن سيًزل ُ خوفنَا
وكلّنا خواف ؟!)
لعل الخوف والحيرة والقلق والتردد راسخة في (مذهب الرعاة) الحكاية الشعرية القصيرة التالية
( الكبشُ تظلّم للراعي :
ما دُمت َ تُفكّر في بيعي
فلماذا ترفض ُ إشباعي؟
قال له الراعي : ما الدّاعي؟
كُلُّ رعاة ِ بلادي مِثلي
وأنا لا أشكو وأُداعي.
إحسبْ نفسَك َ ضِمن قطيع ٍ
عربيّ
وأنا الإقطاعي)
كقارئ أرى أن هذه القصائد تهجو الوضع السياسي العربي بطريقة شعرية أنيقة وتشكيلها الشعري كحكاية يزيدها حلاوة ً وبمرور تكرار القراءة يحفظها القارئ ويستطيع نقلها للآخرين فتتضوع هذه القصائد بين الجماهير. وكما تحاور الكبش مع الراعي فهناك من يتحاور مع الببغاء التي لا حول لها ولا قوة
(- قل ُ لنا يا ببغاء
إن يكون فيك ذكاء
لم لا تخجلُ مِن ترديد ما تسمعهُ
صُبح َ مساء؟)
هنا يكون رد الببغاء نوعا من الجبر المطلق الذي لا فكاك منه
(لست ُ إلاّ طائراً في قفص ٍ
لا أرضَ من تحتي
ولا فوقي سماء
أنا محكومٌ بقانون التدلي في الهواء
ليس لي أي عزاء)
ما يقوله الببغاء هو نفس القول التبريري للكافة في كل العصور والأمكنة. من قصائد القول على لسان الحيوانات، التي يطرزها الشاعر الكبير أحمد مطر تتضوع بحكمة كتاب (نكهة كليلة ودمنة)
للحكيم بيدبا، الذي ترجمه الكاتب عبدالله ابن المقفع. السيء الحظ
السخرية تبلغ أعلى مراحلها في قصيدة (إستراحة)
(مُنع َ التخدير في المستشفيات
عند إجراء الجراحه
زعموا أن مريضا
ساعة التخدير مات
بصراحه
ينبغي أن يعلن الشعب ارتياحه
فمن الممكن أن تَفنى الحياة
بين تخدير الأطباء
وتخدير الولاة)
في هذه القصيدة يستعمل الشاعر الخبر الصحفي الساخربشكل كريكاتيري ، والمعمار الهندسي للقصيدة يشطرها إلىنصفين . النصف الأول ينتهي بكلمة (بصراحه) ويمثل الخبر/ أو ما يزعمون وما تبقى من القصيدة هو النصف الثاني وقوة هذا النصف أن فناء الشعب .. بين تخديرين مدمرين (تخدير الأطباء) و(تخدير الولاة)
إذن الشعب مبتلى بالحاكم والحكيم.. في قصيدة (الرجل المناسب) تجسد القصيدة شخصية الحاكم الذي يذكرني بحكم قرقوش
(باسم والينا المبجلّ
قرروا شنق الذي أغتال أخي
لكنّه كان قصيراً
فمضى الجلاّد يسأل
: رأسه لا يصل ُ الحبل
فماذا سوف أفعل؟
بعد تفكيرٍ عميق ٍ
أمر الوالي بشنقي بدلا منهُ
لأنّي كنت أطول)
وبهذا الاختيار يعرف القارئ الفطن من هو القاتل الحقيقي الذي قتل شقيق المتكلم في القصيدة... في قراءتي التي اختارت النصوص الشعرية الساخرة للشاعر أحمد مطر. كانت هذه القراءة غير موضوعية، أعني منحازة للنصوص القصيرة التي تعلن بسطوح التمكن الشعري القوي للشاعر من جهد الشاعر في توفير السخرية المرحة والتحاور المسرحي والحكاية بنكهة شعبية يتقبلها المثقف المتخصص والقارئ العادي وهنا تكمن عبقرية الشاعر الكبير أحمد
اعتمدت قراءتي على المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر، التي أصدرتها دار البوّاب في بغداد/ الطبعة الأولى 2014
المقالة منشورة في صحيفة مهرجان المربد الشعري/ العدد الثاني 8/ 2/2024 المربد الشعري(35) دورة الشاعر أحمد مطر/