إتفاقية سايكس – بيكو لتقاسم ممتلكات الدولة العثمانية , كانت خطيئة ستراتيجية , أقدمت عليها فرنسا وإنكلترا , وعندما إكتشفتا المأزق الذي هما فيها , تحقق البحث عن معالجات لتصحيح الخطأ , وكان في مقدمتها إنشاء الأحزاب الدينية والقومية وغيرها من الأحزاب في المجتمعات العربية, لكي تضعف وتنسى بناء أوطانها وتفاعلها الإيجابي لصالح مواطنيها , وتطورت المعالجات فأقيمت دولة في فلسطين , وبهذه الإقترابات الستراتيجية , إنتصرت إتفاقية سايكس – بيكو , التي لم يستثمرها العرب , وتوهموا بأنها ضدهم , وهي في حقيقتها لصالحهم , ووفقا لتلك المعالجات تم إشاعة ثقافة مناهضة لها , وبناء تيار تضليلي مغرض جرى في نهر الأجيال بعنفوان كبير منعهم من التعبير عن طاقاتهم الإيجابية.
فلو قرأنا ما حصل في كل بلد عربي منذ تلك المعاهدة لوجدنا بأن جمبعها وبلا إستثناء قد إنتهجت سبلا لتدمير ذاتها وموضوعها , فأنشِئت فيها أنظمة حكم معادية للوطن والمواطنين , وطغت على وعيها الدعوات القومية والوحدوية , التي إنتهت إلى تمزيق الوطن الواحد.
وقد لعيت الأحزاب الدينية دورها الكبير في تدمير الأوطان لأنها لا تؤمن بوجودها وتعتبرها شيئا آخر , فلا وطن ولا قومية عند الأحزاب الدينية , لأنها طائفية وشعاراتها عولمية الطباع والسلوك وفقا لوهم ما تراه وتعتقده من التصورات والتخيلات التي لا يمكن القول بغيرها.
فلو إستثمر العرب بأوطانهم وعملوا على بنائها لأصبحوا أقوى قوة على وجه الأرض , لكنهم عملوا بجهد لا يتوقف على تدميرها وتخريب وجودهم الإنساني والحضاري , فاندحروا في كينونات متصاغرة دفعت إلى إحياء القبلية والعشائرية والمذهبية والطائفية والمناطقية , حتى صارت الأوطان حلما , وما جاءت به إتفاقية سايكس – بيكو خيالا ريما لا يمكنه أن يتحقق على أرض الواقع العقيم في هذا القرن.
فالأجيال المعاصرة تتمنى تلك الإتفاقية لأن الدول العربية أخذت تفقد قدرتها على التماسك , وأعراض التشظي والتفتت تلوح في أفق وجودها , والكثيرون يرون أنها ستتقسم إلى دويلات , وربما إلى إمارات ومحميات لا قيمة فيها للوطن والمواطنة , فالعرب سيمضون إلى حيث الإستعباد والإرتهان عند الآخرين كالوديعة التي عليها أن تدفع فائدة لحاميها الجشع الأمين.
وما أكثر الفرص التي لا يستغنمها العرب!!