23 نوفمبر، 2024 5:23 ص
Search
Close this search box.

سامحيني يا دموع

يا حبيبتي احذري من الشارع أنت جميلة، وكأنني وضعت يدي على جرحها، حتى قالت بطريقة وكأنها تستنجد بي : ايه والله يا خاله… انهم يؤذنونني كثيرا ..يؤذونني ..

لم أر في حياتي كلها بؤسا كحجم البؤس الذي يصرخ بوجه تلك الصغيرة،  ما ان سألتها عن اسمها حتي قالت دموع، نعم كانت دموعا متحركة بقدمين، لا تعرف حتى ان تسيل على الخد، دموع تصرخ وتستغيث، بلا دمعة ولا كلمة ؟ ربما هددها أحدهم لو نطقت حرفا..
 
 رأيتها عند اشارة مرورية، لفتت نظري لأنها بدت مختلفة عن زملائها، الذين نراهم يتسولون تحت غطاء بيع الحلوى،أو تنظيف السيارات،  كانت نظيفة جدا، وامارات البؤس طاغية على ذلك الوجه الحنطي الصافي الجميل، والعيون العسلية اللوزية، حقيقة كانت أكثر من جميلة ،  مرتبة الهندام، ترتدى حجابا اسود لعله بلون أيامها، هادئة تتحرك ببطىء شديد، بعيون منكسرة النظرات، تقف على جانب الرصيف، لا تتوسل ان نشترى منها كما يفعل زملائها،  لمحتها بالضبط وهى سارحة، تلك النظرة التي ما زالت أمامي، وهي تنظر بزاوية في التراب، لعلها تحاول ايقاظ ابيها من تحت الثري ليمد لها الحماية والأمان، بدت لي كامرأة تكلى هدها الدهر فزادها الشقاء جمالا ، أخذني الفضول سألتها بأي شىء أنت سارحة؟ أجابتني بهدوء “في شؤون الدنيا يا خالة.. الدنيا مو زينة” ، وأحنت رقبتها على كتفها، عمرها 14 عاما، لم تدخل في حياتها المدرسة استشهد والدها باحدى معارك العراق العنترية، أمها مريضة بعد اصابتها بانفجار، وهي تعمل يوميا من الخامسة صباحا الى السابعة مساء، اشفقت عليها جدا، وقلت لها يا حبيبتي احذري من الشارع أنت جميلة، وكأنني وضعت يدي على جرحها، حتى قالت بطريقة وكانها تستنجد بي :
ايه والله يا خاله… انهم يؤذنونني كثيرا ..يؤذونني ..

كانت رنة  صوتها أمواج دموع بلا دموع، انشقت الارض وبلعتني، أختنقت معها، وانفتحت الاشارة المرورية، السيارات خلفى ترفع مزمارها، ولم املك الا الرحيل مع دموع في دموعها التي لم تسقط.. مثلها مئات ان لم يكن الالاف ظللت أفكر ما الذي ستواجهه طفلة مثلها في الشارع؟ ما نوع الاذية التي ستتعرض لها ؟ لم استطع مجرد التخيل أو القبول حتى بخيال .. تحدثت مع صديقة بشأنها،  كيف يمكن لنا ان نقوم بانقاذ ولو حالة فردية معينة؟ ولان القضية ذات تشعبات خطيرة ومخيفة في واقع مزري جدا، حتى لو حاولنا انتشال فرد منهم وتخليصه هناك موانع ومعيقات كبيرة،  فتساءلت أما زالت وزارة المرأة مشغولة باعداد لجان للنهوض بالمرأة العراقية؟ !!….
سامحيني يا دموع، وان كنت لا أملك عذرا،  كما قلتِِ لى الدنيا مو زينة، لا أستطيع فعل شىء لك، لان القضية كما قالت صديقتي قضية أخلاق بالدرجة الأولى.. فالعراق يعاني من داء مستعصى يستفحل كالسرطان اسمه أزمة اخلاق بكل ميدان.. كل ميدان 

أحدث المقالات

أحدث المقالات