22 ديسمبر، 2024 11:33 م

ساسة العراق والوطن والوطنية

ساسة العراق والوطن والوطنية

الوطنية ليست ادعاء او لباس يرتديه المدعي متى ما يشاء، بل هي موقف واضح يتخذ في أوانه، يحدد ملامح العمل والمواقف من الاحداث، ولا تحتسب لأجلها المنافع والخسائر، فهناك مواقف حقيقية للبعض معروفة نتائجها مسبقاً، وهناك مواقف مبطنة الغاية منها المكاسب الحزبية والشخصية، مواقف صورية ينتفع من خلالها البعض، بعيداً عن المصلحة العامة، وهذا ما شهدناه خلال الاحداث الجارية في العراق، والموقف من الاستفتاء والانفصال المزعوم.

انتج المشهد السياسي العراقي مواقف متباينة ومتعددة، لبعض ساسة العراق، فمنهم من ذهب الى التصعيد بين الحكومة والاقليم، والدفع لحرب داخلية لن يكون فيها احداً رابحاً على الاطلاق، ونسي أن التاريخ مازال يتحدث عن فشله وتضييعه للبلد، ومنهم من يتمنى ان يكون رئيساً للوزراء، ليضرب رأس هبل حسب تعبيره، بمعول بحجم العراق، وكأن العراق والعراقيين اداة يستخدمونها متى ما شاءوا، وهناك من دفن رأسه تحت التراب وكأن العراق لا يعنيه بشيء، وهناك من كانت مواقفه واضحة وضوح الشمس، ويتحدث بها على الملأ بكل جرأة، بعيداً عن المجاملات والمحاباة والمصالح الخاصة.

كثيراً من اتهموا السيد (عمار الحكيم) بعلاقته مع الاكراد، متناسين الإمتداد لتلك العلاقات المتأصلة بين آل الحكيم والكرد ساسةً وشعباً، منذ عهد الامام السيد (محسن الحكيم)، وموقفه من الحرب على الاكراد، الى علاقتهم مع الشهيد السيد (محمد باقر الحكيم) والمرحوم السيد (عبد العزيز الحكيم)، فنرى الكل يلقي باللائمة على السيد (عمار الحكيم)، بسبب هذه العلاقة، متناسين إن الكرد لا يمثلهم (مسعود البرزاني) أو المرحوم (جلال الطالباني) او كم شخصية محددة، فهناك الكثير من سياسيي الاكراد تربطهم تلك العلاقة مع ال الحكيم، وتلك العلاقة كانت هي الاساس في تمرير الدستور مع ما عليه من ملاحظات، والاساس في تولي حزب الدعوة دفت الحكم منذ عام 2003 الى يومنا هذا، وكانت من مرتكزات العملية السياسية الجديدة.

لم تمنح تلك العلاقة الحكيم أو حزبه السلطة في العراق، ولم يمنحهم الحكيم 17% من الميزانية السنوية، ولم تكن السبب في اعطاء رواتب البيشمركة خارج الميزانية لدورتين للحكومة، ولم يعقد معهم صفقات سرية في اربيل من اجل كرسي الحكم، ولم يتفق معهم من خلال تلك العلاقة بتسليمهم كركوك ادارتها ونفطها، بل كانت الاساس في الشراكة وتأسيس الحكومة الجديدة، بعدما رفض المكون السني المشاركة في الانتخابات.

كان موقف السيد عمار الحكيم واضحاً من الاستفتاء والانفصال، كما اعلن رفضه مراراً وتكرارً وبصراحة متناهية، حيث عبر عن ذلك في تصريحاً له شديد اللهجة من مصر، عندما قال “أن دولة كردستان لن يدعمها ولن يفرح بها غير اسرائيل” واثار هذا التصريح حفيظة الاكراد، واشعل النار ضده من قبلهم، وعندها لم يهتم للعلاقة معهم بقدر اهتمامه لوحدة العراق، ولم يكتفي عند هذا الحد من المواقف، بل قال “إن خطوة الاستفتاء لا يمكن ان تمر كما الخطوات السابقة، التي تجاوزت على الدستور العراقي والقوانين، لأنها تجاوزت كل الخطوط الحمراء”، ثم تبعها بتصريحات أُخر وكان من جملتها ايضاً ” لن يكون الاستفتاء عبارة عن تجربة، تُحدد المواقف بعد نجاحها أو فشلها، لأن الحال لن يعود مع الاكراد بعد لاستفتاء كما كان قبله، بل سيكون الوضع بعده مختلف كثيراً، وقلنا للقيادات الكردية بعيداً عن الاعلام ونقولها على الهواء، هذا الخط لن يوصلكم الى نتيجة وسيفقدكم الكثير، وستتحسرون يوم لا تنفع الحسرة، والايام ستخبركم بذلك”، هل هناك من ساسة العراق من تحدث بهذه الجرأة؟ تاركاً خلفه جميع الروابط والعلاقات مع الاكراد.

العقلانية والعمل الجاد والمواقف الحقيقية هي من تحدد المسار الصحيح للعمل السياسي، ولا يستطيع احد ان ينكر الدور الذي قام به السيد الحكيم من اجل قضية الاستفتاء، لكن الاعلام غيب ذلك كثيراً، وحاول تسليط الاضواء على مواقف بعض الساسة لأجل تسويقهم إعلامياً، نشر موقع اسرار الالكتروني ليوم 17/10/2017، حديث للسفير الروسي (ماكسيم ماكسيموف) إن السفير الامريكي في العراق (دوغلاس سيليمان) حذر السيد البارزاني من ان مخطط اعده رئيس الوزراء (حيدر العبادي) ورئيس التحالف الوطني الحاكم في العراق (عمار الحكيم) لتصفيته وإبعاده بشكل نهائي عن الساحة السياسية، بالتعاون مع شخصيات كردية معارضة له، كما قال سيليمان بأن سياسة (العبادي) وداعمه الرئيسي (عمار الحكيم) تعتمد نظرية “القتل الرحيم” التي انتهجها الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين) في التعامل مع ملف انفصال الشيشان عام 1999، كانت نتائج ما بعد الاستفتاء واضحة وجلية امام العالم، والكيفية التي سيطرت من خلالها الحكومة الاتحادية على كركوك، وانهاء حلم الدولة الكردية بطريقة ذكية وبدون أي خسائر تذكر، هكذا يكون الحال عندما تكون الوطنية بالأفعال لا بالأقوال، والحكمة سيدة الموقف.