19 ديسمبر، 2024 2:16 ص

في ظهر تموزي لاهب وتحت سماء تكاد تكون عمودية على رأسه، بانتظار سيارة تقله الى البتاويين حيث مركز الجريدة ومالكها صاحب الحزب العلماني الجديد الذي يحاول ان يخترق (الحجب)، توقفت سيارة كيّا فارغة وصرخ السائق باعلا صوته: ( استاذ رايح للباب الشرجي، تعال اصعد) هرول باتجاه السيارة واستقل المقعد المجاور للسائق، اخرج الاجرة، فاعترض السائق بشدة، فاعادها الى جيب قميصه، مشت السيارة قليلا وكان هناك اناس يقفون على حافة الشارع، الا ان انه لم يقف، استدار اليه: ( ابني انت على باب الله، ليش متشيلهم وتخلصهم من هذه الشمس المحرقة؟)، فرد السائق: ( لا استاذ ،آني ماطالع اشتغل، بس شفتك ووكفت، استاذ همزين بطلت من المدرسة، خلال سنتين اتزوجت واشتريت سيارة، استاذ بس اسمحلي اسألك سؤال: ليش تقشمرون الناس بالمدرسة؟) نحن لانخدع احدا، نحن بحسب قواعد التعليم نهتم ببناء الانسان، ولانهتم متى يتزوج او يشتري سيارة، نحن مهمتنا محددة نضخ المعلومات ونحاول ان نهتم بسلوك الطالب في هذه السن الخطرة، لم نتعهد لاحد بانه سيكون من اصحاب الاموال، نقول له: ستكون طبيبا ومهندسا ومعلما واستاذا جامعيا، ونحن في كل ادبياتنا نختلف عن التجار، او اصحاب المهن، لاننا نتقاضى مرتبا محددا، ها انذا تراني لي عند رئيس التحرير في الجريدة التافهة التي عملت فيها بلحظة ضعف 250 الفا اجرتي عن تصحيح وتحرير وكتابة في عددين للجريدة، كانت فترة العمل فيها ثلاثة اسابيع، لكن رئيس الحزب الذي يدعي الوطنية يتهرب مني ويريد ان يصادر جهدي.
تعرف استاذ انا تأتيني مليون دينار وانا جالس في البيت، تطوعت شرطيا بعد ان رسبت في الثالث ثلاث سنين وانت تعرف، ومرتبي يتجاوز المليون واربعمئة دينار، اربعمئة تروح للضابط ويرسل لي المليون، وانا هنا اعمل بسيارتي ، (وخير من الله)، لا ابني ليس الامر هكذا ولادخل لله فيما تحصل عليه من اموال غير صحيحة، انت تسرق هذه المليون من افواه الجياع، والضابط يسرق الاربعمئة الاخرى؛ أتعرف لماذا لم تستمر في المدرسة؟ فرد باستغراب: (غير دماغي مياخذ)، لا ابني دماغك مثل ادمغة الآخرين، لكن ما تؤمن به انحرف بك عن طريق المدرسة، أتتذكر كم مرة حاولت معك بدون فائدة، ( اي استاذ آني مو مال دراسة، بس استاذ تقبل اصير مثلك)، انت صاحب عائلة ومرتبي ضعف مرتبك وانا اصغر من اصغر ابنائك، عزيزي انا لم اتكلم عن المال وكم املك منه، انا اتكلم عن شيء آخر، انت تستطيع ان تغش الآخرين وتخدعهم، لكنني لا استطيع، ولايمكن ان افعل هذا، انا ابحث عن جوهر الانسان واحاول ان ازيح غبار الظروف عنه، ولايمكن ان اضع نفسي معك بمقارنة مهما كان الفارق في المرتب او التحصيل المالي، حين ينجح لدي اربعون طالبا من اصل خمسين، تلك هي ذروة النشوى لدي، (استاذ بدون زحمة شنو نشوة)، ضحك الاثنان وكادت السيارة ان تتجاوز المكان الذي يقصده، واصر علي على ايصاله لاقرب نقطة، واعتذر منه ومدحه كثيرا وقال له:  استاذ لحد الآن اتذكر كلماتك، وآخر انشاء امرتنا بكتابته وهو حديث للامام علي: يتكلم عن المساواة بين الناس، وحتى هذه المفردة المساواة لم اكن اعرفها، انت عرفتني بها، تتذكر استاذ الحديث، نعم ابني: الناس صنفان، اما ا خ لك في الدين او نظير لك في الخلق، وانت الآن تعترف انني تركت فيك اثرا طيباً، هذا الفرق عزيزي ، هذا الاثر لايتركه تاجر او سياسي فاسد في ذهن احد، المعلم فقط هو صاحب الذكرى الجميلة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات