طاعةً لأمرِ الرَّحمنِ بِصِلةِ الرَّحِمِ..
زُرتُ َخالتي ذاتَ أشراقةٍ في المُبتَسَمِ, ذاتَ أنشراحةٍ في الصدرِ تٌزيّنُها, والَوجهُ بِبَشاشةٍ مُرتَسَم.
وجهُها مُزَخرَفٌ واليَدانِ بِفَيرُوز مِن وَشَمِ.
نَديَّةٌ هي بعُقودٍ ثَمانيةٍ, لا تَعرِفُ الكبائِرَ إلا حظَّاً من لَمَمِ. ذاتُ نَكهةِ ريفٍ حَنونٍ أَصيلٍ أشمّ. نِصفُ قرنٍ لها في بغدادَ, دارِ العِزّةِ والكَرمِ, ومَا فارقَتْها نَكهتُها وهي صِبغتُها وهي الأصلُ عِندَها والمُعتَصَم. ولقد أقسَمَتْ أنَّ صِبغاً ما وَطِىء إظفرَها واُذُنَها كانَت في صِراعٍ مع النَغمِ.
إن ٱسْتَدْلَلتَ عن دارِ صَديقتي الخَالة، قَالوا: آوه!
سَنَدُلُّكَ, أَوَ تَقصِدُ بَيتَ المَحجُوبةِ المُحتَشِمِ؟
رَصِيدُ خَالَتِي (طُرفةٌ) يتيمةُ, سَمِعتُها مِنها عَدَدَ ما على الأرضِ نَجَم!
طُرفةٌ ثُقلُها دَمّرَ ما في (غينيس) مِن سِجلّاتِ وكل رَقَم, عَتيقةٌ أقدمُ من آمونَ ومِن كُلِّ تأريخٍ وقِدم.
مَا فَتِأت تَقصِفُني بها كلَّما زُرتُها طَلباً للأجرِ وَمزيدٍ من النِعَمِ.
قَذَفَتني بها البارحةَ غَفرَ اللّهُ لِكلينا وأعاذَكم من شِرذماتِ الهَرَمِ.
تَقصِفُني هي , فَتُقَهقِهُ وَحدها بِقهقةٍ مُتَسارعةٍ كَأنَّها تَقذِفُ الحِمَم! فَلا ينفعُ مَعَها لَجَمٌ, ولا تَجاهِلٌ أو تَخاصُمٌ ولا قَسَم, أو حتى إن رَماها جَليسُها بوابلٍ من الشَّتمِ, فَضِحكتُها أمواجٌ لا تَهدأُ إلّا بعدَ هَزيمةِ خافِقِها وإفرَاغِهِ من الزَّخَم !
خالتي لا إثمَ لها , بل أثمُ جَليسِها أنَّهُ تَجَرَأ ولأَهوَالِ طُرفتِها إقتَحَم.
أنا أصَغرُها بِثلاثةِ عُقودٍ ومُغرَمٌ أنا بطُرفتِها الفريدةِ المريدة وبِظُلمِها والسَّأم.
وسِرُّ غَرامي كامِنٌ في لَذَّةِ سردها المُمِل لِطُرفتِها مُدَمدَمٍ مُشَرذَم, في قَهقَهاتٍ مُذَبذَبة, ودُموعٍ مُصبصبة, وأكتافٍ لها مُكَبكَبة تَرقُصُ معها حتى خاصرتُها وطياتُ الشَّحَم !
عحبي!
إنَّها لا تُبالي بِمَن أحاطَها, أضَحِكوا أم اُصيبوا بِقَهرٍ أو حتى بِسَقَم !
مُحَدِّقٌ بِبَصري ونَاظرٌ لها بوَجهٍ باسِرٍ آسِرٍ بسَأم:
أوَ يُعقَلُ هذا خَالتاه !
ثم..
أرَانيَ أنجَرِفُ ضَاحكاً مع شَلالِ قَهقَهاتِها, وتَائِهاً ما بينَ عَجَبٍ و نَدَمٍ.
ولأختِمَ جولتي بمَلامةٍ على زيارتي لها وبِتَوبِيخٍ وشَتَم.
صَديقتي الخالة جذورُها من هُناك..
من زَمانِ الطِّيبِ و النَّقاهةِ وأطيافِ الشَّجَن. زَمانِ البَسمَلةِ والحَوقَلةِ والتَّوَكلِ والسَّكَن.
زمانِ العِزَّةِ لِلرُوحِ وجَبيِنِها والشَّاربِ واللَّحىً. زمانِ العُنفوانِ رَغمَ كلِّ قَحطٍ وحَزَن .
زمانٍ يَعشَقُ الضّادَ , يَمقُتُ كلَّ حَرفٍ بِلَحَن , يَبغُضُ كلَّ رذيلةٍ وتقليدٍ للغرب ساذجٍ حتى بِصُندوقِ الكَفَن.
زمان يَقشَّعِرُ بَدنُهُ مِن لفحاتِ غِلٍَ و نفخاتِ ذُلٍّ وعريٍّ ولَّعَن .
ذاكَ زمانٌ ما عَرَفَ (آيفوناً) ولوعَلِمَهُ لمَا تَغيّرَ ولأزدادَ تَشَبُثاً بصَحرائِهِ وبِعِطرٍ الوَطَن !
أعلمُ ألّا رَغبَةَ لكم لِسماعِ طُرفَتِها ؟ نعم.. لكنّي سَأتلُوها ومالكم من محيص..إنتِقاماً ووَفاءً لتَهدِيدي بِفَضحِها علناً في الصُّحفِ وبمقالٍ رخيص, فصَابِروا وأصبرواا على رنينها العويص ،وتَفَضَّلوا فٱسمَعُوها بعد تشذيب وتلخيص, أبقى جثمان الطرفة هوَ هو فلا تقليص ولا تنقيص :
(طَلبَ الجَابي – وهو مُحَصِلُ الأجورِ في حافلةِ نقلٍ – الأجرةَ مِن عَجوزٍ تَجلِسُ في طَستٍ لها دَاخلَ الحافلةِ ؟ رَمَقَتْهُ العَجوز بنَظرةِ عَجبٍ ورَدَّتْ : ليُسامِحُكَ اللهُ بُنَيّ , أفي طَستي قاعِدةُ أنا أم في حَافِلَتِك !).
لا قَهقَهةَ رجاءً, إنّه ثأر بيني وبين صَديقتي الخالة .
*****************************************