أنتج كتّاب الغرب تصور يصنع نظرية عن الشخصية العربية تضعهادون مستوى البشر، ونعني بالكتّاب الغربيين هنا، كل الكتّاب المعاديينللوجود العربي والممالئين للعدوانات الغربية العرقية والعنصرية، الذينألفوا عشرات من الكتب ودفعوا بها الى دور النشر الشعبية التي توزعكتبها بمئات الآلاف من النسخ.
هذه الكتب تعالج معالجة مضللة جوانب الشخصية العربية في سلوكهاوتفكيرها وتعبيرها واقتصادها وكفاحها وتطلعاتها معالجة محرفةومشوهة تسيء الى مفهوم الغرب عن العرب ومقاصدهم، والطريف فيالامر ان كل باحث من هؤلاء يحيل القارئ الى باحثين آخرين منصنفه ليؤكد ان اجماع الدارسين منعقد على ما يقول، وهذا ما يجعلها– اي الافكار والتصورات– اكثر خطورة وأشد مجلبة للاهتمام، لانهاتتزيا بالزي العلمي وتتذرع بعلم الانسان وعلم النفس وعلم الاجتماعوتاريخ الحضارة والتاريخ السياسي والدراسة الاقتصادية… لكيتغدو مرجعاً علمياً يرجع اليه طلاب الجامعات الاجانب حين يدرسونالشرق الاوسط. وبذلك تكون الثقافة الغربية قد شوهت الماضيوكسبت الحاضر وقطعت على العرب طريق المستقبل ايضاً.
من بين هذه الكتب، كتاب –العقل العربي– الذي ألفه رفائيل باتاي.
وباتاي هذا، يهودي هنغاري الاصل (1910- 1996) امريكيالجنسية، صهيوني مزمن، تلقى تعليمه في بودابست، ونال شهادةالدكتوراه في الفلسفة من جامعتها عام 1933، متخصصاً في تاريخحضارات الشرق الاوسط ولغاته.
في ذلك العام، كان قد بلغ الثانية والعشرين من عمره، فهاجر الىفلسطين لاجئا ليقيم فيها من 1933 الى 1947، وعمل طالباً ومحاضراًفي الجامعة العبرية بالقدس، حيث تابع تخصصه في الشؤونالفلسطينية اولاً ثم العربية ثانياً.
وفي عام 1936، نال من الجامعة العبرية في القدس شهادة الدكتوراهالثانية، وكان اول يهودي يفوز بالشهادة من تلك الجامعة.
اقام باتاي في القدس خمسة عشر عاماً زار خلالها عدد من الاقطارالعربية، وعقد صداقات مع مثقفين بارزين في القدس وفلسطينالعربية، وفي عام 1947، هاجر باتاي الى الولايات المتحدة حيث عملاستاذاً في علوم الانسان لمدة عشر سنوات، كان يحاضر فيها عنحضارات الشرق الاوسط وشعوبه في جامعات عديدة، مثل برينستونوكولومبيا ونسلفانيا، متخصصاً في الانثروبولوجيا والدراساتالثقافية، واشرف على فريق عمل في جامعة نيوهافن، اصدر ثلاثة كتبعن كل من سوريا ولبنان والاردن، كما اصدرت له جامعة بنسلفانياعام 1962، كتاباً مشهوراً بعنوان– نهر ذهبي الى طريق ذهبي: المجتمع والثقافة والتغيير في الشرق الاوسط – وله علاوة على مؤلفاتهالكبيرة في التاريخ اليهودي كتب عديدة عن الشرق الاوسط والمجتمعالعربي، نذكر اهمها:
1- في الاتصال الثقافي وتأثيره في فلسطين الحديثة.
2- الجنس والعائلة في الانجيل والشرق الاوسط.
3- ثقافات في صراع.
4- العقل اليهودي.
وغيرها جاوزت العشرة مؤلفات.
يشير اليه– اي الى باتاي– المجتمع الاكاديمي باعتباره عقلية اكاديميةفريدة صاحبته انجازات رائدة ولكنه من ناحية اخرى قد يكون دجالاًمغرضاً حقق شهرته بعد تأليفه للكتاب – العقل العربي– المثيرللاعجاب في الغرب وللجدل عند العرب.
ولا اغالي اذا قلت ان هذا الكتاب يعتبر من ابرز المحاولات التي تقومبها المنظمة الصهيونية العالمية لتشويه صورة الانسان العربي، وذلكلاستناده الى جهد كبير في عملية التوثيق وجمع المراجع.
وتكمن المشكلة في احتفاء الاوساط الرسمية الغربية بهذا الكتاب، انهميرون فيه مرجعاً لفهم الثقافة والعقلية العربية رغم ان كاتبه استاذجامعي هنغاري الاصل اسرائيلي الجنسية امريكي الاقامة، حاصلعلى درجتي دكتوراه وألف اكثر من خمسة وثلاثين كتاباً وستمائةدراسة.
هذا الكتاب غربي العقل لا يتوخى الدقة فيما يورده من معلوماتويعرضها كحقائق لا تقبل المناقشة، كما ان ثمة شكاً في مصداقيةالمصادر التي يعتمد عليها الكتاب في اطلاق احكامه على منطقة تمتدجغرافياً من المحيط الى الخليج، وتاريخياً من اليوم الاول في الخليقةوالى يومنا هذا.
يعود صدور –العقل العربي– الى عام 1973، وهو تاريخ يؤشر لبدايةاهتمام الغرب الجاد بالشرق وتلقفه هذا الكتاب لاعتباره دليلاً للعقليةالغربية لفهم الثقافة والنفسية العربية.
يعتمد منهج باتاي في هذا الكتاب الكثير من التعليمات المستمدة الىالقليل من الحقائق كما يدعى ان مصادره تشكل من وثائق حقيقيةواستدلالات لغوية ودراسات قام بها علماء نفس عرب، وقد اجمع النقادمنذ صدور هذا الكتاب على انه عمل بحثي مؤثر، ولهذا تكرر صدورهفي عدة طبعات بناء على رغبة القراء ولأنه انجاز رئيس في حقل هاممن حقول المعرفة، بل انه تحليل كلاسيكي لا غنى عنه للثقافة ولدراسةالمجتمع العربي، وهو المرجع الرئيس لفهم الشخصية العربية الذي لاغنى عنه للساسة والاكاديميين والعامة.
يتصور المؤلف باتاي، ان دراسته للعربية والعبرية والارامية تعطيهاجازة في فهم الوطن العربي، وبغض النظر عن اتهام باتاي عنصرياًكان معتدلاً في رؤيته التي يقدمها عن العقل العربي، فأن سؤالاً يطرحنفسه بقوة: هل يعقل ان يؤلف كتاب مكون من 466 صفحة ويصدرعام 1973، ثم يعاد صدور طبعاته المنقحة والمعدلة، بل ويُقر على جنودالقوات المسلحة الامريكية المكلفين بالخدمة في الشرق الاوسط اوالعراق بالتحديد على مسمع ومرأى من العالم الغربي فيقابله جهلمطبق وتجاهل من دون التعامل مع هذا الكتاب في شكل ترجماتوسلسلة من القراءات والمناقشات يعقبها قيام فرق من الباحثين يقودهانخبة من العقليات العربية بتكليف من المؤسسات الثقافية والاعلامية العربية لاصدار مجموعة من المؤلفاتباللغات الاجنبية لمخاطبة العقل الغربي وتقديم صورة حقيقية عن العقلالعربي؟
وسواء كان المؤلف يضلل القارئ الغربي او يعجز عن تقديم اطروحةاكاديمية متكاملة عن العقل العربي فالنتيجة واحدة في طبع سلسلةمن الاباطيل انتشرت في العالم الغربي وأثرت سلباً على صورة العربفي الغرب ومن بينها ما يدعيه من ان اخطر ما تواجهه العقلية العربيةهو تكريس الخطاب الديني في المجتمع لسحق هوية المواطن العربيمنذ الصغر كي يصبح جزءاً من كل يشكل هوية الامة الاسلامية، لذلكيجنح الكتاب الى الهوس بالتعليمات واطلاق الاحكام التي يرى المؤلفوهو استاذ جامعي عريق، انها تنطبق برمتها على العرب في المغربوالصومال ولبنان دون نقاش، اذ يرى المؤلف تماثلاً واضحاً لا تخطئهعين في اسلوب تربية النشئ بين المغرب والعراق، الامر الذي يوازيبالضبط ان يصدر كاتب عربي عن العقل الاوروبي وعن سلوك شعوبالشمال، لكي يعتبره الساسة والقادة في الجنوب نبراساً لهم.
يزعم باتاي، ان العقلية العربية تقسم العالم الى مسلمين وكفار وكل منهو ليس بمسلم اي يدين بديانة اخرى، فهو مرتد ويشكل خطراً علىالاسلام وبالتالي يقع عليه الحد. هكذا يعتقد المسلمون المؤمنونبتعاليم الاسلام وفقاً لباتاي، ولا يفوته ان يذكر انهم يزدرون الاديانالسماوية الاخرى لانهم وحدهم المسلمين هم المؤمنون الحقيقيونوالسبب وراء هذا الاحساس المتزايد بالفخر بالعقيدة كما يوحيالكتاب لقرائه الغربيين، هو الوضوء والصلاة خمس مرات يومياً. الغريب فيما ذكره الكتاب هو اعتراضه على اداء المسلمين للصلواتالخمس باللغة العربية، الأمر الذي يعمق احساسهم بتفرد اللغةالعربية، وتلك مشكلة اخرى من مشاكل العقلية العربية ينبغي علىالعالم الغربي التصدي لها.
ابرز ما يطرحه هذا الكتاب ويشهد له به قراؤه الغربيون هو تركيزه علىحجر الزاوية في ازمة الاسلام، الا وهي العقلية العربية، وكيف انالسبب الرئيس في تلك الازمة بالتحديد هو أثر الاسلام السلبي علىالعقلية العربية عندما يحول من مواطنين لطفاء وابرياء الى قتلةممكنين.
وعندما يتعرض الكتاب للاسلام فان قضيته الاسلام تقود المؤلف الىقضية اخرى مرتبطة بها وهي اللغة العربية التي تتسبب في تحديدماهية العربي ولو كان يحمل الجنسية الفرنسية او الامريكية او غيرها. فالعربية كلغة ام تتميز بخاصية فريدة من نوعها تضفى على ناطقهاهوية تأسر روحه وعقله ومن ثم يستحيل ازالتها او طمسها، وكلمحاولات تشويهها تؤدي الى اضرار نفسية تتمثل في مقاومتها العنيفةلكل عوامل التعرية، ذلك ان الاسلام هو عماد اللغة العربية، واللغةالعربية هي عماد الدين، والاثنان معاً يشكلان بدورهما جذور الهويةالعربية.
من بين الاتهامات التي يكيلها المؤلف للغة العربية هو فصلها الواضحبين المذكر والمؤنث بعكس اللغات الاخرى التي من الممكن ان يقوم لفظواحد محايد في الاشارة الى النوع ويترتب على هذا عدم تبني الابوينلمنهج محدد لتربية الطفل والطفلة مما يؤدي الى تدليل الطفلواضطهاد الطفلة.
اما عن شكل علاقة الجدة والام بالطفل الذكر كما يذكرها الكتاب،فهي صورة مريضة وممقوتة لا يمكن ان تصدر الا عن عقلية مريضةوقبيحة لا نرى في الوجود الا ما هو قبيح وربما بسبب هذا الاعوجاجالنفسي يرى المؤلف في اللغة العربية عدواً شرساً ووحشاً لا بد منصرعه، لهذا فان ابرز عرض من اعراض امراض العقلية العربية المزمنةالوارد بين الاسباب التي يسوقها المؤلف في اطار شرحه للقارئالغربي سر تخلف العرب عن الركب الحضاري هي اللغة العربية التيلاحظ عليها اعراضاً خطيرة من الانفصام والتبلد في مجال الاحساسبحركة الزمان بالاضافة الى المغالاة في التعبير عن العواطف والتفاخراللغوي وبتبجيل الماضي ومقاومة التغيير واعتبار ان شرف المرء يتمثلفي القوة التي يمارسها، وكل هذه الاسباب التي يسوقها باتاي يؤكدانها تطرح في سياق الجدل الثقافي ولا ترجع بتاتاً الى اسبابعنصرية وانما لاسباب ثقافية بحتة.
يقوم الكتاب على مبدأين يدعى باتاي سيادتهما على العقل العربياولاً– ان العرب لا يفهمون سوى منطق القوة وثانياً– ان اكبر نقاطضعفهم هما العار والاذلال. لا عجب اذاً ان يفرد باتاي (25) صفحةمن كتابه لفصل كامل عن مفهوم الجنس عند العقل العربي. وقداستلهم حراس سجن ابو غريب تعاليم هذا الفصل في اتباع اسلوبالامتهان الجنسي باعتباره الوسيلة الاكثر فاعلية لقمع المعتقلينالعراقيين، اذ ان الجنس عند العرب وفقاً للكتاب، قضية محظورة ترتبطبالشعور بالعار والكبت والعجز تصيب المواطن العربي في مقتل.
يسيطر على العرب وفقاً لباتاي ازدواجية في السلوك وهوس بالجنس،ولذلك فانه ما اجتمع رجل وامرأة الا وكان الشيطان ثالثهما وهي مقولةسودانية عربية استمدها باتاي من احد مصادره المطلعة، الفصل بينالجنسين وحجاب المرأة والعديد من تفاصيل القوانين التي تحكمالاتصال بين الرجل والمرأة تجعل من الجنس هاجساً عقلياً رئيساً فيالمنطقة العربية.
وعليه فان هذا الكتاب يعد امتداداً لتأثير ألف ليلة وليلة السلبي علىصورة العرب في التاريخ فهو لا يرى في المجتمع العربي الا ما تصورهالقصص الشعبية الرخيصة والاقلام التجارية وبالتالي يرسخ رؤيةالغرب للعرب كأنصاف بشر عنصريين وبدناء ومهووسين بالجنس.
يستهدف كتاب باتاي تحديد بعض الملامح النمطية الرئيسية لما يسميهبالعقل العربي مفترضاً وجود مثل هذه الملامح حتى مع وجود التباينالاقليمي والبشري بين اجزاء الوطن العربي المختلفة.
يبدأـ باتاي كتابه بخدعة تقليدية تستهدف تصديق القارئ له وهيالزعم بأنه قد تعلق بالعرب وكل ما يمت اليهم بصلة تعلقاً رومانسياً منذنعومة اظفاره ويخصص المؤلف العديد من الصفحات ليشرح لنا كيفنما حبه للعرب وكيف شرع في استكمال دراسته للغة العربية ولايحتاج القارئ الى بذل جهد خارق ليدرك ان ادعاء باتاي اتقان اللغةالعربية لم يعفه من التردي في عدد لا يستهان به من الاخطاء اللغوية.
يقول باتاي في مقدمة الطبعة الاولى الصادرة عام 1973. عندما يتعلقالامر بالعرب فلا بد لي ان استسلم لرومانسية لا شفاء منها والدليلعلى هذا ما اظهره باتاي من تعاطف ودفء في التناول تجاه العرب
وتنبؤ للعرب باستعادة مجدهم الزائل شريطة ان ينبذوا هوسهمبكراهية غير مبررة للصهيونية واسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
لا مفر اذاً من ان يعتبر المحافظون الجدد هذا الكتاب توراتهم المقدسةويصدرون الاوامر لقوات المارينز بقراءته، اذ يقترب بهم من واقعافتراضي للعقل العربي حيث الخيمة والجمل والنفط والحرم والبداوة،ولا عزاء عند ئذ لحضارة امة (اقرأ).
تنقسم طبعات الكتاب الصادرة منذ 1973، 1980، 1984، 2007،الى عدة مقدمات وستة عشر فصلاً وثلاثة ملاحق وخاتمة.
يبدأ الفصل الاول بدخص اقتباس من كتاب – فلسفة الثورة – للزعيمالعربي جمال عبد الناصر، يؤكد فيه موقع مصر المركزي في ثلاثدوائر عربية واسلامية وافريقية، وينفي باتاي مزاعم جمال عبد الناصرحول علاقة مصر بافريقيا ويشكك في وجود أية صلة بين الدول العربيةالواقعة في شمال افريقيا وبقية القارة، بل يجنح به الجنون الاكاديمييشكك في علاقة السودان بالوطن العربي، ويقدم مشروعه البديلالمتمثل في سودانيين احدهما عربي والآخر افريقي.
وعودة الى مصر فان باتاي يرى ان خضوع مصر السريع للحملةالفرنسية قد تسبب في انكسار الهمة الوطنية منذ ذلك التاريخ والىالعصر الحديث.
وفي الفصل الثاني حدد فيه ماذا يعني بالعقل وماذا يعني بالعربي،وبالتالي العقل العربي، الذي عرف صفاته ومميزاته وخصائصه.
وفي الفصل الثالث تحدث عن تربية الطفل في الوطن العربي، فيوضحاختلاف المعاملة بين الابناء والبنات منذ الولادة والرضاعة حتى يبدأالابن في الانتماء الى عالم الرجال، والبنت في الانتماء الى عالمالنساء. ويشرح بعض تأثيرات ذلك على السلوك في المجتمع، وتوزيعانماط السلطة والمسؤولية بين الاعضاء من الجنسين.
وفي فصل (الرابع) بعنوان تأثير اللغة، يكرر المؤلف الكثير مما سبققوله حول عيوب اللغة العربية. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى انهوان كانت بعض ملاحظاته صحيحة في جزيئاتها، فان النغمة العامةالتي تتخلل التحليل، مرفوضة لما فيها من تشكيك بقدرة اللغة العربيةعلى التعبير الدقيق ومواجهة متطلبات العصر. ومهما قيل في هذاالخصوص فمن غير الممكن اثبات… شعباً معيناً قد تخلف لصعوبةلغته او لعدم خضوعها لقواعد المنطق، وان شعباً آخر، كالشعباليهودي، كما يزعم في مكان آخر قد تقدم لعكس هذه الاسباب.
ويقول باتاي، ان اللغة العربية سحرها وفتنتها بالنسبة لمن يتقنها. وانالناطقين بلغة الضاد يعتزون ويفتخرون بها اكثر مما تفعل الشعوبالاخرى.
ثم ينتقل بعد ذلك الى تحليل بعض خصائص هذه اللغة، ومن ذلكالخطابية والمبالغة وزيادة التأكيد وكثرة التكرار، ويزعم المؤلف انالعرب كثيراً ما يستعيضون بالاقوال عن الافعال، وكلما زاد حماسهمفي الكلام تزايد احساسهم بأن ما يريدونه على وشك ان يحدث او انهقد حدث بالفعل.
ويتناول المؤلف بعد ذلك موضوع الازمنة والافعال في اللغة العربية،وهو يرى انها مرتبكة، ويعزو ذلك الى عدم اهتمام العرب بعامل الوقتودقته واحترامه. ويذهب باتاي الى حد القول ان اللغة العربية لا تعرفالماضي والحاضر والمستقبل، ويؤكد بأن اللغة لن تفي بمتطلباتالحياة العصرية ما لم تتدارك هذا القصور الفاضح.
ويخصص باتاي فصول كاملة (الخامس والسادس والسابع) للحديثعن تأثيرات الشخصية البدوية على العقل العربي ومدى ما اورثته لهمن صلابة روح الجماعة ومن قيم هامة كالكرم والشجاعة والشرفواحترام الذات.
ويتطرق لموضوع الجنس عند العرب (الفصل الثامن) فيرى ان ثمة قدراًلا يستهان به من الكبت الجنسي مقترناً ببعض صور التنفيس غيرالمباشر. كما يرى ان السلوك الجنسي للعرب مزدوج ومختلط، ففيالوقت الذي يعتبر فيه مجرد التلميح للجنس في العلن وبحضورالجنسين، انتهاكاً صارخاً للاخلاق. فأن الحديث المستفيض عن هذاالموضوع بين الجماعات التي من نفس الجنس او ممارسة كافة فنونالجنس بين الرجل وزوجته لا تخضع على الاطلاق لاي جرح او تقييد.
وينتقل باتاي بعد ذلك الى الحديث عن دور الاسلام (الفصل التاسع) كعنصر رئيسي في تكوين الشخصية العربية مظهراً اهميته الكبرىومردداً الآراء التقليدية عن تواكل العرب وقدرتهم وعدم قدرتهم علىتغيير ما بأنفاسهم لئلا يتعارض ذلك التغيير مع ما يريده الله.
ويقرر باتاي في هذا الصدد، ان العقل العربي محكوم بالاسلام قداتجه الى المحافظة اكثر من الابتكار والاستمرارية اكثر من المبادرة.
ويعالج باتاي كذلك موضوع العواطف والانفعالات عند العرب (الفصلالعاشر) مشيراً الى تطرفها وجدتها وصعوبة التحكم فيها. ويذهب الىحد القول بأن الكراهية متأصلة عند العرب لدرجة ان من السهل انينفلت عيارها. ومرة اخرى يلجأ باتاي الى ربط ذلك بفكرته الاساسيةعن عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الافكار والكلمات والافعال فيالعقل العربي.
وينتقل باتاي الى موضوع الفن والادب والموسيقى عند العرب (الفصلالحادي عشر) مشدداً على اهمية التكرار والاغراق في التفاصيل،وموحياً بأن فرص التجديد والابتكار في هذه الفنون محدودة للغايةبسبب الانماط السائدة حالياً.
ويتبع المؤلف ذلك بفصل (الثاني عشر) عن الازدواج اللغوي عندالعرب، يقصد اجادة لغة اوروبية او اكثر الى جانب العربية، زاعماً انمثل هؤلاء العرب يعيشون على هامش المجتمع العربي الكبير، وانهميعانون
من ازدواجية ثقافية تؤدي ضمن ما تؤدي اليه الى الانفصام الثقافيبين النخبة والجماهير بل الى انفصام الشخصية العربية.
وفي الفصل الثالث عشر تناول باتاي مسألة الوحدة العربيةوالتناقضات بين التأكيدات المتكررة للوحدة العربية والخصوماتالمتواصلة التي تميز العلاقات العربية – العربية.
واشار باتاي في الفصل الرابع عشر، حل النزاعات وعقد المؤتمرات،الى ان المجتمع الذي تغلب عليه المنازعات يجب ان يطور اساليبعملية لحل الخلافات التي اذا ما سمح لها بأن تفلت من زمام اليدفانها يمكن ان تدمر التركيب الاجتماعي كله، وكانت الوساطات فيالوطن العربي على المستوى العائلي/ العشائري تمثل الطريقةالتقليدية لحل المنازعات وان نفس الطريقة في العصور الحديثة جرىتبنيها لحل المعضلات السياسية والعسكرية ضمن وبين الاقطارالعربية.
ويزعم باتاي ان احتكاك العرب بالغرب (الفصل السادس عشر) ادىالى نمو عقدة الشعور بالنقص عند العرب، ادى بدورها الى مزيد منالصعوبة في التخلص من قيود التخلف السابق… وقد زاد من صعوبةالموقف، ان العرب استمروا يحكمون على انجازاتهم بمعايير الغربوتقدمه، مما ادى الى مزيد من الاحباط والشعور بالألم لديهم وأبعدهمعن الاعتماد الكامل على مواردهم الخاصة.
لقد حاول باتاي – وحقق نجاحاً – في بيت الوقيعة بين العرب والغربموحياً للأولين بأنه يتعاطف معهم وأنه يريدهم ان يعتمدوا على أنفسهموعلى تقويمهم لانفسهم وفقاً لمعاييرهم الخاصة وموحياً للآخرين بأنهيفهم جيداً لماذا يكرههم العرب الحاقدون على تقدمهم العلميوالتكنولوجي وازدهارهم الاقتصادي/ الاجتماعي.
هذا الكتاب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، يتظاهر بالحرص علىتوخي المبادئ الاكاديمية والتزام المعايير المنطقية في تحليل الآخروليس استلهام نمط العقلية الامريكية في التعريض بالآخر بينما حقيقةالامر ان تلقف هذا الكتاب فريق المحافظين الجدد لكي يصبح توراتهمالتي في ضوء نهجها احتلت العراق.
الكارثة، ان هذا الكتاب ومن يروج له يتظاهر بأنه مرجع قدير لتقديم يدالعون للمواطن الغربي الذي ابدى رغبة صادقة في فهم تلك المنطقةوعقيدتها الراسخة (الاسلام) ومن خلال اسلوب جزل لا يستغلق علىالقارئ الذي يستمتع عبر سرد شائق من معلومات مثيرة للاهتمامتتناول عقلية الاستشهادي والجهادي والارهابي والبدوي والازدواجياو في كلمة واحدة (العربي).
ان قراءة هذا الكتاب واجب على كل مثقف عربي، ذلك انه نموذجللكتب التي تحتوي على قدر كبير من المعلومات الصحيحة فيتفاصيلها الصغيرة، وفي الوقت نفسه فانها مغرضة في مدلولرسالتها العامة، واعتقد بأن هذا النوع من الكتب بالذات هو الذي علينامواجهة الكثير منه في المستقبل القريب.
* الكتاب:
The Arab Mind, Raphael Patai, charles scribner’s sous, New yourk, 1973
الكتاب ترجم من قبلنا وصدر عن مكتبة مصر/ دار مرتضى ، بغداد/ القاهرة، ونشر عام 2009.