19 ديسمبر، 2024 4:57 ص

رسائل خلف جدران صامتة

رسائل خلف جدران صامتة

وليتها كانت لم تكن،،تلك الجدران الخرساء  ،،ليت هذا الوجه يرحم مخيلتي المثقلة بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة،،كان كأنه يناديني هذا الطريق المكتوف باطنان حجارة الحواجز الاسمنتية كأن شيئا يخصني خلف التحصينات العسكرية لواجهة المعسكر،،كلما ترجلت صباحا من السيارة،،وكلما وقفت انتظرها تعيدني الى حاجز التفتيش،،كنت اشعر ان شيئا ما يعيش خلف التفاصيل،،حتى نبت فجاة في راسي ذلك السؤال وانا مشغولة بك،،ماذا لو،،كنت هنا قريبا مني وانا ابحث عنك في الناصرية،،؟؟؟ماذا لو كنت اقرب الي مما أتصور،،،تعلمت إهمال الأسئلة التي تدور خارج افلاك توقعي،،لا احب الاستكثار منها،،والمفارقة حين احتاجها استبعدها من غير ان اشعر،،ليطول كما اعتاد زمن قلقي،،،
هذه الحجارة الخرساء وحسب تفصلني عنك،،وقلبي يروح كل ليلة الى الناصرية يتخيلك نائما او صاحيا،،متذمرا كعادتك،،بتلك اللحية التي تزيد وجهك جمالا فرق جماله،،
ما ظننت يا احمد انني احبك لهذا الدرجة،،حتى وان كنت احبك لانك اخي،،لانك اصغر اخوتي الذين تواصوا على الرحيل،،لانك وحدك من بقيت مستلذا بدفء الصمت في بيت العائلة الكبير،،يوم غادره الرجال،،ميتين،،او منتقلين الى بيوت مستقلة،،
نعم احب فيك طفولتك التي لا تفارق ذاكرتي من يوم كنت أحملك على ظهري الغض أدور بك في ساحات اللعب لانك ولدت ثقيل الوزن،،يزين رأسك الطفولي ذلك الإكليل المذهب الذي اصر اهلي الا يحلقوه حتى بعد ان تجاوزت السنوات الثلاث واكثر،،،
هل تذكر،،بابينا المتقابلين في الطابق العلوي ،،صراخ أطفالك الذي كان يخرجنا معا مهرولين مخافة ان يتعثروا على السلم الطويل الأملس،،،كانت الأبواب الموصدة تنفتح معا،،على موعد مع الخوف،،يوم كان حتى ذلك الخوف جميلا ولم نكن نشعر به،،
،،اخر ذكريات تلك الأبواب معنا يوم تصدع العالم بانفجار الجسد النتن لذلك الانتحاري امام البيت،،خرجنا نركض على غير هدى،،يركض قبلنا الخوف نفسه على ناصر الذي كان في غرفة المولد ،،كنا نظنه هاونا ملعونا أطلقه السفلة أيا كانوا،،حين اطمأنت القلوب بقينا نجمع سوية أشلاء الانتحاري من على حيطان السطح،،لازال صوتك في الفديو وانت تصورني انظف الارضيّة والجدران من الدماء،،،وبقايا اللحم،،كنا نواري الصدمة بالمزاح،،ما كنا ندرك انها المرة الاخيرة التي سنضحك فيها،،تحت سقف البيت الذي غادرناه قبلك هاربين من القتال،،وبقيت ورائنا ،،قالوا عنك يومها ان عنادك هو ما أبقاك حين انقطعت اخبارك،،حين خرجت ولم تصل إلينا في الحي المجاور،،وانا وحدي كنت اعرف ان حبك للبيت هو ما أبقاك،،من يومها لم ارك،،لم أمزح معك،،حتى قرات رسالتك النصية على هاتفي ونحن في الخمسة كيلو،،تبشرني انك حي،،وبخير،،وانتهى بعدها كل شيء،،
كانوا ينقلون قلبك الأبيض،،من سجن لآخر،،كان ليس أمامهم الا انت،،ويتفرجون على القلوب السوداء تعبث بمصائر الناس وحياتهم،،قتلة الطرفين المتقاتلين،،وما بينهما تجار العشائر الذين استفادوا من الحرب ثم لاحقا حزموا حقائب العار وسلموا المدينة للوحوش،،
سجينا بتهمة حب البيت،،تهمة حيازة الشرف الذي لا يملكون،،،تهمة الطهارة في زمن عهرهم المكشوف،،
كنا نبحث عنك،،نتعلق بخيوط الوهم التي كان ينسجها المرتشون واللصوص والمتاجرون بالشباب الذين كان الجيش يغرفهم آلافا من الشوارع والبيوت التي ابتليت بتخاذله،،يوم كان يسلمها للقتلة اثر كل تخاذل كان يوصف دوما بانه،،انسحاب تكتيكي،،،نبحث عنك متفرجين على القريب قبل البعيد وهو يقبض ثمن لهفتنا لمعرفة اخبارك التي انقطعت شهورا،،ولا اثر،،حتى نسجت الذواكر عنك أساطير الاحتمالات،،بقيت في البيت الذي لا يصل اليه جيش ولا حتى ارهابيين،،او ربما كنت في مكان اخر خارج المدينة،،تنتظر الفرصة لتظهر،،او،،او،،،قلوبنا التي تموت شوقا اليك كانت تنسج الخيال،،لتطمئن ربما،،،لم تكن تعلم اننا بعد الهروب الأخير من مدينة الالم التي نعشق،،ستهرب اليك،،قريبا منك،،لا يفصلنا عنك سوى حاجز إسمنتي قاس ينزرع بين حدقة العين،،ووجهك المنتظر هناك،،

أحدث المقالات

أحدث المقالات