عشر سنوات عجافٍ مرت على العراق بعد سقوط النظام البائد، لم يذق فيها العراقيون طعم التغيير، والذي كان من المؤمل أن يحصل في ظل دستور كتب بأيد عراقية، وحكومات منتخبة من قبل الشعب تعوضه عما مر به من ويلات ومآسٍ في زمان البعث المقبور.
هكذا سقط صنم البعث، وكتب الدستور بأنامل وطنية، وأجريت أول انتخابات حرة ديمقراطية في تأريخ العراق، بيد أن الشعب أبتلي بحاكمٍ يريدها حكماً عضوضا!
اليوم وبعد إنتهاء الانتخابات التشريعية، وما رافقها من تزوير واضح، قدمت فيه الدلائل القاطعة على حصوله؛ فإن ذلك لا يمنع من السعي الحثيث لتحقيق التغيير المنشود، بإجتماع الكلمة لممثلي الشعب الجدد، من أجل النهوض بالبلد وأنتياشه من الواقع المزري القابع في أتونه، وتصحيح أخطاء المرحلة السابقة، وأختيار الشخوص الوطنيين القادرين على تحمل المسؤولية.
الأرقام التي أعلنتها المفوضية، وإن كانت ترجح بعض الكتل السياسية سيما كتلة دولة القانون، بيد أن ذلك التقدم لا يعني بالضرورة حسم منصب رئاسة الوزراء لصالح تلك الكتلة، فالتحالفات السياسية هي من سترسم شكل الحكومة الجديدة، وتضع لها الأطر المناسبة.
كما أن العراق في هذه المرحلة العصيبة، بحاجة الى تشكيل فريق منسجم تحت مظلة شراكة الأقوياء، والتي ستؤدي الى تشكيل حكومة مقتدرة، تمتلك كافة مقومات الحكومة الناجحة.
التحالف الوطني حصل على أكثر من نصف مقاعد البرلمان، مما يجعل التحالف مصدر قوة ومكنة لتأسيس حكومة شراكة الأقوياء على أرض صلبة متماسكة، شريطة أن يقوم بصورة يؤسس فيها الى نظام داخلي يضبط تصرفات كافة أطرافه، الحاكمة منها والمعارضة.
كذلك ثمة أمور ينبغي أن يأخذها المتحالفون بنظر الإعتبار: ان ما يسمى بالأغلبية السياسية البسيطة (50+1) لهو منهج ضعيف لا يخدم العملية السياسية، بل إنه يضر بها، فالحاكم الذي يأتي بنسبة (50+1) بالإمكان أن يرحل بنفس النسبة، والذي سوف يخرج عن سياق التحالف الوطني، لايأمن من الوقوع في شراك الأغلبية البسيطة.
كما أن على أطراف التحالف الوطني كافة، أن تعي بأنه لا خاسر في الانتخابات، فثمة كتل حققت نجاحاً باهراً ككتلة المواطن مثلاً، والتي ضاعفت عدد مقاعدها عن الانتخابات السابقة، بالرغم من عدم مشاركتها في الحكومة. بل أن ثمة كتل تمتلك ما لا نلحظه في الكتلة الأعلى مقاعداً، من حيث أمتلاكها الرؤية المتكاملة لإدارة البلد ببرنامجها التنموي الشامل، الذي أعدته لبناء الوطن وتشخيص المعوقات ووضع الحلول الناجعة لها، بالإضافة الى إمتلاكها علاقات طيبة مع جميع الكتل السياسية، سواء منها المنضوية تحت خيمة التحالف الوطني، أو تلك التي تمثل بقية مكونات الوطن.
بعض الكتل الفائزة في الانتخابات، لم تستخدم الوسائل غير المشروعة في دعاياتها الانتخابية، من استغلال المال السياسي ومقدرات الدولة، وتوزيع الأراضي، وشراء الذمم، والتعيينات، وما سواها من تلك الأساليب المسيسة، التي أستخدمتها كتلة معينة.
لذا فليس من المتعين إنتخاب رئيس الوزراء من داخل تلك الكتلة، بل ينبغي أن يكون المعيار الأساسي هو المصلحة العامة المغلّبة على المصالح الفئوية الضيقة.